ثمة نقاش صحي وعلى قدر معتبر من المسؤولية يجري في بلادنا حول مقولة "الربيع الإسلامي"، ويكشف عن تطور لافت ودال في التصورات الحاكمة للموقف من الإسلاميين الفاعلين في الحياة السياسية المؤسساتية، وهو تطور ظهر بداية في الانفتاح الإيجابي على نتائج الانتخابات التونسية وتقدم حزب النهضة، وتشجيع التعايش عوض القطيعة مع النموذج الصاعد هناك، ثم تبلور في التعبير عن الاقتناع بالفرق بين التوجهات المعتدلة والمتطرفة، ورفض التعاطي بسوء نية مع الخطاب السياسي الإسلامي الديموقراطي، ووجوب احترام ما تفرزه صناديق الاقتراع وترسيخ فكرة التناوب الديموقراطي. لا يعني ذلك عدم استمرار حالة هامشية من التردد الجزئي في القطع مع الفكر الإقصائي ونبذ النموذج التونسي الاستئصالي، وهو تردد مرشح للتراجع أكثر كلما تطورت التجارب الديموقراطية للإسلاميين، حيث ظهر بوضوح أثر الممارسة العملية في تغيير القناعات الفكرية الجامدة. في المقابل، يصعب القبول بمقولة الربيع الإسلامي كتوصيف للحالة السياسية الانتخابية الجارية، لما في هذه المقولة من اختزالية مرفوضة ومشوشة، بل ومؤسسة لانحراف سياسي لا ديموقراطي، حيث تختزل النظرة إلى استحقاقات الربيع الديموقراطي في مجرد استحقاقات لتعبيد الطريق للإسلاميين من أجل الوصول إلى الحكم، ما على غيرهم من الفاعلين سوى القبول والدعم، ومثل هذه النظرة تعبر من جهة أولى عن ظلم كبير لحيوية الحراك الشبابي الشعبي والذي تحولت فيه القوة الشبابية إلى قوة ضغط ورقابة على كل من يصل إلى الحكم أو يشارك فيه، وهو الضغط الذي ظهرت نتائجه بشكل جلي في نضج الخطاب السياسي للإسلاميين، ومن جهة ثانية تعكس تبخيسا فجا للتعددية الثقافية والاجتماعية الصاعدة وهي تعددية وازنة ومؤثرة، وفاعلة في توجيه النقاش العمومي وتأطير السياسات والمواقف والعلاقات الدولية، مما لا يمكن تجاهل أثرها في تحديد مستقبل المنطقة. بكلمة إنه ربيع الشعوب بكل مكوناتها وليس الإسلاميين وحدهم، إنه ربيع الشعوب وهي تتطلع إلى التحديث دون أن يكون ذلك على حساب هويتها ومرجعيتها الإسلامية. المغرب وهو على مشارف أقل من أربعة أسابيع على اقتراع 25 نونبر، يمثل جزءا من هذا الحراك الديموقراطي العميق والمستمر، ولهذا فالتقدم الانتخابي المتوقع للإسلاميين يعكس حالة تدافع ديموقراطي جماعي لا يرتبط بالإسلاميين فقط بل بسلسلة عوامل داخلية وخارجية، وأنتج في الآونة الاخيرة تبلور موقف متنام بالاستعداد لموقع وازن للتيار الإسلامي المعتدل في تدبير الشأن العام والارتقاء باندماجه المؤسساتي وتجاوز النكسة التي حصلت في التعيينات الأخيرة مثل تركيبة المجلس الوطني لحقوق الإنسان. من الواضح أن مثل هذا الموقف يعبر عن وعي تحولات المنطقة العميقة، والتي لم تعد تربط بقاء الاستقرار بالإصلاح الديموقراطي فقط، بل إن هذا الأخير أصبح كذلك شرطا للإقلاع الاقتصادي التنافسي، وأن البقاء في أسر السلطوية هو رديف للبقاء في التخلف وإرباك الاستقرار، ولاسيما في ظل استمرار القوة الدافعة للموجة الديموقراطية بفعل نجاحاتها في دول مثل تونس وليبيا وصمودها الاستثنائي في دول كاليمن وسوريا وتوسعها لتشمل دول مثل الأردن، مما يجعل المغرب مطالبا بضمان موقعه الريادي في التحول الديموقراطي والتعامل الاستيعابي للحركة الإسلامية والاستناد إلى سابقته التاريخية في هذا المجال.