نجحت أحداث قناة نسمة في دفع التركيز الإعلامي بعيدا عن الانتخابات التونسية المقرر إجراءها نهاية هذا الأسبوع، وذلك لمصلحة تصعيد التوتر بين كل من التيارين الإسلامي والعلماني في تونس وتحويله إلى ما يشبه كرة الثلج المتدحرجة غير المعروف نهايتها، ووضعت من جديد رهان التحول الديموقرطي في هذا البلد أمام خطر التجميد رغم استبعاد ذلك في الوقت الراهن. ما حصل يمثل مؤشرا عن حجم الأدوات التي تتوفر عليها قوى السلطوية من أجل التكيف مع مطالب قوى الضغط الديموقراطي، وذلك عبر افتعال معارك في محطات الانتقال الديموقراطي الحرجة، وتقديم السلطوية كخيار أخير وشر لابد منه أمام قوى الخارج والداخل ولوبيات المصالح وجماعات الضغط الإيديولوجية، والتمكن من إعادة عقارب الساعة إلى الخلف، وهو ما دفع قيادة حزب النهضة في تصريح لها نشر في موقع سوس إنفو إلى التنبيه على خطورة السقوط في الاستفزاز الديني في هذه الظرفية مع التشديد على الحق في الاعتراض السلمي ونبذ العنف أثناء ذلك. من هنا ثمة حاجة ملحة لتتبع ما يجري في تونس في هذه الأيام واستخلاص الدروس والعبر اللازمة منه، حيث لم يكف قبول حزب حركة النهضة ذي المرجعية الإسلامية باعتماد نظام انتخابي يضع سقف للحصول على الأغلبية بما يجعلها لا تتجاوز الثلث من مقاعد المجلس التأسيسي ويحصرها في موقع الأغلبية النسبية المرتهنة للنجاح في بناء تحالفات مع الأحزاب الأخرى من جهة أولى، كما لم يكف قبولها بأن لا ترشح شخصا منها للانتخابات الرئاسية والإعلان عن توجهها نحو دعم شخصية وطنية توافقية من جهة ثانية، والأهم هو توقيعها على وثيقة حاكمة للمسار الانتقالي لتونس من جهة ثالثة، ثم تقدمها في برنامجها الانتخابي بما يحفظ ما تحقق من رصيد حريات فردية واجتماعية في تونس من جهة رابعة، حيث انفجرت في الأسبوع السابق على إجراء الانتخابات، قضية فيلم قناة نسمة والذي اعتذر مديرها عن مقطع جسدت فيه الذات الإلهية ، وتلت ذلك أحدث عنف بلغت أوجها نهاية الأسبوع الماضي واحتجاجات سلمية ما تزال تفاعلاتها مستمرة. اليوم ، ثمة ترقب عالمي لمسلسل الانتخابات التونسية باعتبارها أول انتخابات يأتي بها الربيع الديموقراطي العربي، ذلك أن نجاحها قد يدخل المنطقة عهد التدبير الديموقراطي السلمي لصراع الهوية وتدافع القيم المحتدم، والذي أصبح بمثابة برميل بارود، إذا لم يتم تدبيره ديموقراطيا فقد يحكم على المنطقة بالبقاء أسيرة السلطوية والاستبداد، وهي رسالة واضحة تقتضي من كافة قوى الإصلاح الديموقراطي وعيا دقيقا بخطوة المرحلة وعدم السماح بالمقامرة بمستقبل التحول الديموقراطي في المنطقة.