لبلورة أي مشروع إصلاحي جدري وحقيقي ،لابد من حسم وتحديد الاختيارات الكبرى لنظام العليم عموما والتعليم العلي بشكل خاص. عبر إرساء دعائم تعليم وطني أصيل وشعبي ، موحد وديمقراطي يستجيب لمتطلبات التنمية الوطنية ويضطلع بمهام البناء والتكوين و إنتاج الأطر والكفاءات المواطنة والقادرة على كسب رهانات المغرب الجديد. أ تعليم وطني أصيل: إن أي تصور للإصلاح ، يبقى رهين بمدى قدرته على لإحاطة بالإطار الحضاري والمتمثل في ثقافة وطنية أصيلة، تتجسد في منظومة الإسلام القيمية. ولعل التجارب السالفة والحالية دلت على أن فصل الشعوب عن إطارها الحضاري وإقحامها عنوة وبأساليب قسرية في نماذج حضارية غريبة عنها، يعرضها للتخبط والحيرة والتيه ... لأن أساس الحضارات لا ينبني على التقليد والاستعارة والتبعية، بل إن النهضة الحقيقية تتطلب بناء أجيال أصيلة تحمل روح الأمة وتنهض بها وتستند إلى مقوماتها الثقافية وخصوصيتها التاريخية . ولنا في اليابان ودول جنوب شرق اسيا خير مثال حيث استطاعت أن تعلن التحدي وتثبت حضورها في المنتظم الدولي. وعموما فإن الحديث عن الوطنية والأصالة يتطلب: ● أولا: تثبيت عناصر الهوية الإسلامية باعتماد برامج ذات محتوى ثقافي وتكويني يسهم في بناء الطالب المعتز بانتمائه، المنحاز لإمته وهويته المتفتح على عصره، والقادر على مسايرة التطور المعرفي في كل الميادين، والإسهام في تطويره، وتلبية لحاجيات بلدنا ومتطلباته الاستراتيجية، وخدمة للتقدم العلمي والتكنولوجي الكوني، وإغناء للرصيد المعرفي الإنساني . ● ثانيا: إقرار اللغة الوطنية وتعريب التعليم العالي في كافة مراحله، اعتبارا لأن اللغة هي إحدى المقومات الأساسية للشخصية الوطنية والقومية للشعب المغربي وتماشيا مع مقتضيات التحرر من مخلفات الاستعمار، وانطلاقا من الوعي بما يهدد كياننا الثقافي والفكري نظرا للسياسات الرسمية السائدة في ميدان تعريت جميع قطاعات المجتمع ومرافقه العمومية والتي تميزت بالحيرة والارتباك، استنزفت العديد من الطاقات من جراء التأرجح بين اللغة لأم وبين اللغة الفرنسية . إن اللغة التي يتلقى بها الطالب تعليمه، ليست مجرد رسوم أو خطوط شكلية، بل هي نسق من الرموز والدلالات تحمل في جوفها وثنياها تاريخ قار وحضارة أمة، إن معطيات العلوم النفسية والتربوية و الاجتماعية تؤكد أنه لا بديل عن اللغة لأم في تحقيق القدرة على التحصيل وتوفير إمكانات النبوغ والتفوق . وفي هذا للإطار نساند المطلب القائل بضرورة خلق خلية وطنية لوضع برنامج عام للتعريب في مختلف القطاعات وعلى كل المستويات، انطلاقا من تقويم المرحلة الحالية للتحصين المكتسبات، وصولا إلى تعريب كل المرافق بما في ذلك التعليم العالي . وإننا في منظمة التجديد الطلابي، إذ نتشبث بمبدأ التعريب على مستوى التعليم العالي والبحث العلمي، فإننا نؤمن في الوقت نفسه بضرورة التفاعل الثقافي الخلاق مع الحضارات الأخرى، وندعو إلى الانفتاح على اللغات الأجنبية، مع تعزيز أواصر التعاون مع العلمي الحقيقي مع الدول المتقدمة، بناء على قواعد الاحترام المتبادل وخدمة لتقاليد البحت العلمي الجاد. وإننا نعتبر هذا الخيار من شأنه أن يدعم الرسالة الثقافية و الحضارية للجامعة، ويجعلها تتبوأ مقعدها في خدمة الثقافة الوطنية، وتوفير قوة دفع لمجتمعنا نحو التقدم الحضاري والنهضة الشاملة. وباعتبار الامازيغية مكون من مكونات الهوية المغربية فإننا نعتبر الحق في تعلم الامازيغية هو جزء من الحق في التعليم الوطني لجميع المغاربة ، كما نقترح من اجل النهوض بالأمازيغية ضرورة تعليمها بالحرف العربي. ب تعليم موحد: ونقصد بالتوحيد طبيعة التعليم وهيكلته، وإعادة النظر في طبيعة المؤسسات التعليمية الراهنة، وتجاوز وضعية الستينات التي نعيشها بين تعليم جامعي ومؤسسات لتكوين لأطر العليا والمؤسسات المؤسسات التابعة للوزارات التقنية. وهو ما يقتضي رفض الازدواجية أو التعدد في سلطة الإشراف بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، وكذا إشراف وزارات أخرى إلى جانب التعليم على مهام التكوين، وما ينتج عن ذلك من تبذير مادي وهذر للطاقات وتداخل للتخصصات وتباين في الأوضاع القانونية والتسييرية، إضافة إلى إنساء مؤسسات جامعية جديدة تنعدم فيها الشروط الضرورية للقيام بمهامها. وبالرغم من أن المادة 26من القانون الأخير المنظم التعليم العالي والبحث العلمي 01.00 يشير إلى أن المؤسسات غير التابعة للجامعات والمنتمية إلى مختلف الوزارات تزاول مهمها في أطار السياسة الوطنية للتعليم العالي، فإن هذا لا يمنعنا م المطالبة بتوحيد مؤسسات التعليم العالي تحت إشراف سلطة وزارية واحدة. وبالإضافة إلى ذلك فقد أصبح التعليم العالي يعرف بروز مؤسسات عليا خاصة بطريقة عشوائية، إضافة إلى ظهور فروع لجامعات دولية، في غياب تام لأية مقاييس علمية وبيداغوجية ومالية، ومنه وجب إخضاع هذا القطاع للمراقبة المستمرة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، سواء تعلق لأمر بالشروط الدنيا لخلق مؤسسات عليا من تجهيز وتأطير وبرامج، أو بمتابعة سيرها ومراقبتها المالية. ومن جهة أخرى فأن تعدد الأجهزة المشرفة على مؤسسات التعليم العالي عمل على خلق تباين صارخ على مستوى البرامج والمناهج وكذى مستوى التأطير والإدارة والتسيير، وقبل ذلك على مستوى الرؤية والأغراض الموجهة،لذلك فأننا نرى أن من مقتضيات مبدأ التوحيد أنه لا يحول الإختصصات العلمية سواء في الشعب ذات التخصص الأدبي والفكري، أو الشعب ذات التخصص العلمي والتقني، دون حصول الطالب على تصيبه الكامل من الثقلفة الإسلامية التي تربطه بميراث أمته وتحميه من الذوبان في الغير فضلا عن الصياغة التي يننغي أن تطبع مختلف المواد وأن تسري على مستوى الفلسفة التربوية المؤطرة لمختلف المؤسسات والمعاهد والكليات بغية تخريج نموذج الطالب الرسالي المعتز بهويته الإسلامية الحريص على خدمة أمته والتضحية في سبيل عزتها، لافرق في ذلك بين طالب الدراسات الإسلامية وطالب كلية الطب أو معهد الزراعة والبيطرة. ومنه فلكل هذه لأسباب يطرح توحيد التعليم العالي نفسه كأولوية ضرورية وحيوية، ليس فقط لتجاوز وضعية الشتات، وهدر الطاقات، بل أيضا لتوحيد المقاييس التسييرية والعلمية والتأطيرية والبيداغوجية في إطار أمثل يسعى إلى خلق جامعات متعددة التخصصات ومتفاعلة المؤسسات، مرتبطة فيما بينها ومتفتحة على محيطها الخارجي العام. ج تعليم شعبي ومجاني: ونعني به أن يكون التعليم في متناول جميع الطبقات الشعبية وأن لا يضطر مواطن مغربي للانقطاع عن الدراسة بسبب ضعف الإمكانيات المادية. كما نعني به التزام التعليم من خلال برامجه ونظام التدريس فيه والمناخ التربوي والأخلاقي القائم داخله بثقافة الشعب ولغته، وقيمه الحضارية. لقد نص مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين على إحداث هيئة وطنية لتنسيق التعليم العالي، ومن بين المهام التي سندت إليها: تنسيق معايير قبول الطلبة وتسجيلهم، وكذا معايير التقييم المستمر والامتحانات ومناقشة وقبول البحوث العلمية. وهو ما أكدت عليه المادة 81 من قانون 01.00 في الفقرة الثالثة ولم يحدد القانون شروط ومعايير القبول، غير أن المادة 82 أشارت إلى أنه سيحدد بنص تنظيمي ينظم اللجنة الوطنية لتنسيق التعليم العالي وكيفية سيرها . كما أن الميثاق في بدايته أقر بمحدودية الاستفادة من التعليم العالي، وذلك حين ربطها –بحيازة الشروط المطوبة والكفايات اللازمة. إن هذه المقتضيات القانونية العامة تفتح المجال أمام تقنين الولوج إلى التعليم العالي وهو ما يعني بأن الاستفادة من التعليم العالي لن تكون في متناول كل من حصل على شهادة البكالوريا. كما أن البنك الدولي في تقريره الصادر منذ سنة 1995 نص على أن دور الدولة في التعليم والتكوين يجب أن يتغير حتى تتمكن أنظمته من مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، وقبل سنة 2010، فإن نسبة مهمة من التعليم الثانوي والعالي يجب أن توفرها مؤسسات خاصة. ومن جهة أخرى ركزت توصيات البنك الدولي على ضرب هذا العنصر)الشعبية( من خلا التأكيد على أنه «لا يجب إعطاء منح التعليم العالي إلا للطلبة المحتاجين والمتفوقين، ويجب التقليل من الإعانات المالية الموجهة للخدمات الاجتماعية ويجب على الدولة تشجيع خلق مؤسسات خاصة للتعليم العالي مع اعتماد حوافز وتبسيط آليات اعتماد هذه المؤسسات. وإننا في منظمة التجديد الطلابي نعتبر أن التمويل عنصر أساسي في ضمان شعبية التعليم، ونعتبر بأن تمويل التعليم من قبل الدولة شيء أساسي، أي تمويله من قبل المؤسسات الوطنية المتمثلة في الدولة. ومنه فان الحلول المطروحة من قبل الميثاق أو البرنامج الاستعجالي لمعالجة مشكل التمويل –خاصة إقرار رسوم التسجيل في الجامعة- تكشف عن إرادة حقيقية لضرب شعبية التعليم العالي وجعله أكثر انتقاء ونخبوية، ورغم الشعارات الجذابة والخطابات البراقة حول اعتماد مبدأ العدالة الاجتماعية، وإقناع المراقبين بأن المستهدف بهذه الإجراءات هو الفئات الميسورة، وأنه لن يحرم أحد من متابعة تعليمه بسبب العوز المادي، إلا أن الواقع والتجربة يثبتان أن هذه الخطابات تبقى حبيسة الأوراق. وخير مثال على ذلك هو حرمان فئات عريضة من حقها في المنحة بدعوى محدودية الحصص المخصصة للعمالة أو للإقليم –مرسوم 86/ د الخاص بتقنين الاستفادة من المنح-. كما نعتبر مجانية التعليم خطا احمرا لا يمكن تجاوزه بالنظر لتدهور الوضعية الاجتماعية لعموم المواطنين و أب مساس به هو حرمان لفئات عرضة من حقها الطبيعي والكوني والدستوري في التعليم، وهو تشجيع للامية والهدر والجهل و تأبيد للتخلف والانحطاط ومناقض لشعارات التنمية البشرية والمواطنة الكرمة. د تعليم ديموقراطي: ونفصد بالتعليم الديمقراطي ذلك النظام الذي يضمن تكافؤ الفرص بين جميع الطلبة والمساواة فيما بينهم في الحقوق والوجبات، ومن جهة أخرى توفير معاهد وكليات في مختلف جهات البلاد وبصورة متكافئة،وتوفير نفس لإمكانيات والحظوظ من حيت الأطر والتجهيزات. كما يتم توجيه الطالب بناء على رغبته ومؤهلاته وفقط، كما نعني بذلك تطوير الطاقة الاستيعابية للجامعة حتى تواكب تطور عدد الطلبة وتحسين مستواهم التعليمي. وفي هذا لإطار نعتبر أن العناية بالتعليم الابتدائي والثانوي في مختلف الجهات من شأنه أن يساعد على توفير فرص متقاربة للنجاح والوصول إلى التعليم العالي وضرب التفاوت الجهوي والاجتماعي، والالتحاق بالجامعة. ونقصد به أيضا دمقرطة التسيير عبر اعتماد الانتخاب للمسؤولين على الجامعة على مختلف مستوياتهم،وكذا الهياكل والمؤسسات المسيرة للجامعة. وإذا كان ظهير 25 فبراير 1975 قد اعتبر خطوة مهمة على طريق دمقرطة الهياكل الجامعية حيث أقر مبدأالانتخاب على جميع مستويتها من رؤساء الشعب إلى مجالس الكليات والجامعات، فان مهام هذه الهياكل ظلت ذات طابع استشاري محض، في الوقت الذي ركزت السلطة التقريرية في يد رؤساء المؤسسات الجامعية والادارة المركزية. ونعتبر أن المطلوب اليوم هو تعزيز مفهوم الديمقراطية داخل الجامعة المغربية في اتجاه انتخاب العمداء ورؤساء المؤسسات الجامعية، كما يجت أن تعزز بانتخاب مكتب للشعب يساعد رؤساءها في مهامهم، وذلك لكون هذه المناصب ليست إدارية بل هي مسؤليات علمية وبيداغوجية وهكذا وجب اعتبارها، بحيث تولى بطريقة دورية لمن يحظون بثقة زملاءهم والمتوفرين على على المؤهلات العلمية والتربؤية الضرورية. كما أن إرساء دعائم التدبير الديمقراطي تتطلب توسيع مشاركة الطلبة في تدبير وتسيير الحياة الجامعية.