يجزم الكثيرون أن العمل التطوعي ليس غريبا عن المغاربة بكافة فئاتهم وأصنافهم، وفي مدينة مراكش يأخذ هذا العمل سيما في شهر رمضان المبارك طابعا خاصا. يتجلى التطوع بشكل بسيط بعد آذان المغرب حيث يتسابق أطفال إلى تقديم التمر والحليب إلى المصلين لكنه في أمور أخرى نحى التطوع نحو التنظيم أكثر ، حيث يتجند المئات من الشباب، وخلفهم العشرات من المحسنين، في مساجد متعددة من أنحاء المدينة، وفي ظل الإقبال الشديد عليها، من أجل توفير شروط طيبة لصلاة خاشعة خصوصا صلاة التراويح. في هذا الروبورتاج اخترنا أحد اشهر مساجد المدينة إلا وهو مسجد الكتبية، لننقل لكم أجواء العمل التطوعي فيه، متحدثين إلى شباب متطوع مفعم بالحيوية من أجل تقديم يد المساعدة إلى الغير. تطوع من القلب يصل محمد بعد صلاة عصر كل يوم إلى مسجد الكتبية، وهو يعرف أنه ينتظره عمل طويل إلى ما بعد صلاة التراويح، يسلم على زملائه وابتسامة عريضة تعلو محياه، يبدو المكان هادئا جدا، صومعة الكتبية الشامخة تلهم الحاضرين، واللون القرمزي للبناية القديمة للمسجد له أكثر من وقع على نفوسهم ، قليل من المارة يتجولون هنا في الجو الحار جلهم من السياح الأجانب ممن يحرصون على قنينات ماء، ووحده "فركَ حمام" يمشي بخيلاء يستغل فترة استحواذه على الساحة، وعلى الجانب الأخر تتراءى خيام الهلال الأحمر المغربي في انتظار زائريها، وتلحق بها سيارة إسعاف في الممر ذاته وسيارة الوقاية المدنية. عدد من الحصار التقليدية المتراكمة وجب تفريشها بكل حبكة وتنظيم، نقترب شيئا فشيئا، فتعلو الوجوه ابتسامات عريضة. يحكي مولاي حسن العلوي "رئيس العمال المتطوعين " أنه يقوم بعمل تنظيمي في المسجد الذي يؤم فيه التراويح الشيخ وديع شكير منذ 6 سنوات، حيث عمل معه بمسجد باب دكالة، ثم بمسجد القصبة، والآن بمسجد الكتبية، مشيرا أن العمل التطوعي في المساجد خلال رمضان عرف طفرة نوعية سواء من حيث الموارد البشرية المؤهلة أو من حيث التجهيزات. وأضاف أن عدد العاملين بالمسجد في لجنة التنظيم 8 أفراد في جناح الرجال، ومثلهم من الفتيات المتطوعات في جناح النساء. يبدأ العمل بعد صلاة العصر حيث يفرش العاملون الحصائر في الساحات الكبرى المجاورة للمسجد ما يقارب حوالي 34 صفا منها.. لا أحد ينكر أن أصحاب عمل في وقت الصيام خاصة عندما يكون بدنيا، هو ما بعد صلاة العصر، يقول محمد، لكن بالتعاون مع الإخوان وتذكر أن ذلك فيه أجر كبير يهون كل شيء، يحكي وقد بدا التأثر واضحا عليه "مرة وقفت مجهدا بعدما نقلت حصيرا، وكدت أجلس، لكني رفعت يدي إلى السماء، وطلبت من الله أن يكون لي في كل سجدة على هذا الحصير حسنة، وأن يكون لي في كل دعاء نصيب" ثم حزمت أمري وأكملت عملي بكل جد واجتهاد. إكرام مداوم بعد عمل تفريش الحصائر، لن يكون بمقدور جنود الخفاء هؤلاء الذهاب لمنازلهم من أجل "جلسة فطور عائلية" يحرص كل واحد منا عليها في شهر رمضان، وقد نسافر أو نعود إلى أوكارنا من أجلها، هؤلاء "حكم عليهم التطوع وحبهم الخير" أن يبقوا مرابطين في المسجد ، ورزقهم على الله. يقول مولاي الحسن العلوي "فاعل الخير يلقى الخير"، "هناك سيدة محسنة تطوعت لوجه الله، وحملت على عاتقها توفير فطور هؤلاء الجنود يوميا، من جميع أنواع الطعام"، وفي كل مرة يذهبون إليها لجلب الأكل يحسنون أنهم مثل الذاهب إلى منزله". ويضيف "النساء أشد صبرا وتحملا للعمل الإحساني المداوم"، "كان رجل بعمل ذلك، لكنه لم يستطع مواصلة العمل واكتفى بما أخذه من أجر خلال أسبوع". بعد صلاة المغرب تبدأ أفواج المصلين تتوافد على المسجد، هناك مهمة أخرى تنتظر جنود الخفاء، إنها مهمة تنظيم الناس وتوجيههم إلى الأماكن المتاحة دون عناء، كما يفتحون أعينهم على "كل شاذة وفاذة" تجنبا لأي مشاكل قد تقع مع الغرباء، يبدأ مولاي الحسن بتوزيعهم على الأبواب، يذكرهم بحسن الاستقبال والابتسامة في وجوه الناس رافعا الشعار النبوي الخالد "ابتسامة في وجه أخيك صدقة"، مثل ذلك يفعله أيضا مع الفتيات المتطوعات واللاتي يكفلن بالنساء، وهن الأكثر تطلبا. ترفع إقامة الصلاة، وبينما يكون المصلون مستغرقين في أجواء أيمانية خاصة يستمعون إلى الصوت الندي للمقرئ وديع شكير يكون مولاي الحسن مثل النحلة يطوف ، ويتحدث إلى معاونيه عبر "الطالكي ولكي"، أغلب العبارة التي يتلقاها" هي" الأمور عادية"، مما يجعله مرتاحا، لكن في مرات قليلة يتلقى رسالة عاجلة "حالة إغماء"، مما يستوجب نقل المصابة آو المصابة إلى خيمة مجاورة نصبتها الهلال الأحمر المغربي، وقد تنقل على وجه السرعة إلى المستشفى. إسعاف مقدام يقول نور الدين علاوي المنسق الجهوي للهلال الأحمر المغربي بمراكش" هذا طبيعي، تجمع بشري مثل هذا ، يتطلب مرافقة صحية ، لقد نصبنا هذه الخيمات بتوجيه من السلطة المحلية،ف نحن فريق مكون من 24 فردا كلهم شبان متطوعون وشابات متطوعات يصلون إلى المكان قبيل صلاة العشاء ، منهم ممرضات وممرضون مختصون، إنه فعل تطوعي خالص، حيث نقدم إسعافات أولية، وفي بعض الأحيان علاجات ضرورية، ونتوفر على ساعفة نستعملها عند الحاجة. يحرص نور الدين أن يدخلنا الخيمة ويشرح لنا العمل، هناك أكثر من 3 مساطب (PAILLASSE) وكراسي للانتظار، وفي المقابل أدوية مختلفة ومعدات طبية. يقول أحد "مرضى السكري" اقصد مسجد الكتبية لان وقت "شوكتي" يصادف صلاة التراويح، وأصبح بالإمكان الصلاة وأنا مرتاح. يضيف شاب آخر "جئت إلى مراكش سائحا، وقد جئت اصلي واغتنمت الفرصة من أجل تبديل ضمادتي". يضيف الشاب علاوي أن أغلب الذين يقصدون الخيمة من مرضى السكري ، لكن هناك أصناف أخرى منهم من يريد قياس الضغط أو دقات القلب ، نستقبل حوالي 150 فردا كل يوم، وهو عدد قليل مقارنة مع عشرات الآلاف التي تقصد المسجد، حالات الإغماء تتكرر كل يوم بمعدل 2. إحسان متخف تتحدث إلى كل هؤلاء الجنود، وأذنك لن تخطئ "الصوت المتناغم" الصادر من الأجهزة الصوتية، سواء اقتربت أو ابتعدت الصوت الناعم هو هو ، يخترق القلوب والأفئدة. يقول احد الخبراء، إن تقنية الصوت المستعملة عالية جدا وهي تكف الملايين كل يوم، وهي المستعملة عادة في الحفلات الكبرى، حيث تسمى ب"تقنية الموزة" ، حيث توضع عدة مكبرات صوت على شكل "موزة" يتكفل كل مكبر صوت بإخراج الصوت إلى مسافة معينة، الأول مثلا إلى حوالي 50 مترا، والثاني من 50 إلى 100 مترا وهكذا حتى يسمع صوته من بعيد. ويضيف" في السنة الماضية، كان صاحب الصوتيات قد قبض ثمنها" أما هذه السنة ، فهناك محسن متخف في سبيل الله صاحب شركة لا يطلب غير الدعاء له ، تكفل بكل شيء حيث استقدم 6 تقننين ومهندس صوت، وجهز كل المسجد وكأنك في إذاعة متنقلة. تمر صلاة التراويح، جميع من تحدثنا ليهم من المصلين عبر عن سعادة غامرة وهو يصلي بمسجد الكتبية، يقول أحدهم "أرجو أن يكون كل عمل المتطوعين خالصا لوجه الكريم، وأنا متيقن أن من يوفقه الله لهذا الخير الكبير، نيته صادقة وعمله دؤوب". ويقول الداعية عبد الرحيم المجذوبي" لا شك أن المغاربة مجبورين على عمل التطوع، ويزداد في شهر رمضان الكريم وبما يقوم به الوعاظ والأئمة على الإقدام على الخير" . حين رجعنا مرة أخرى لنصلي صلاة المغرب في هذا المسجد العظيم، لم نجد أطفالا يقدمون الحليب للمصلين على قلتهم لبعد المسجد عن المنازل، ولكن شيخا كبيرا اعد مائدته أعدادا جيدا ودعا كل الحاضرين إليها.