وبهذا تعلم أن من استولى على مال حرام ليؤدي طاعة، أن استيلاءه حرام وأن طاعته فاسدة غير مقبولة عند الله لقوله تعالى "...إنما يتقبل الله من المتقين" (المائدة:27)، وهذا لم يتق الله لا أولاً ولا ثانيًا، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا" رواه مسلم، ومن هنا كانت القاعدة الفقهية "المبني على الفاسد فاسد" ذكرها ابن نجيم الحنفي في "الأشباه والنظائر". ولا يحل لمسلم أن يرتكب ما حرم الله عليه ليؤدي ما لم يوجبه الله عليه، وله ثواب الجهاد إذا صدق النية وعجز عن العمل للحديث السابق "إلا شركوكم في الأجر، حبسهم العذر". والله سبحانه "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور" (غافر:19)، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال" رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، وقال أنس بن مالك رضي الله عنه "إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات" (رواه البخاري)، والموبقات أي المهلكات. ومن شروط وجوب الجهاد إذن الوالدين، وإذن الدائن بذلك: وهذا من باب تقديم الأهم عند تزاحم الواجبات فلا يجوز أن يخرج المسلم للجهاد إلا بإذن والديه، كما لا يجوز أن يخرج المسلم المدين للجهاد إلا بإذن الدائن، إلا أن يترك وفاءً أو كفيلاً بدينه، والشهادة في سبيل الله وإن كانت تكفر جميع الذنوب إلا أنها لا تكفر الدين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (يغفر الله للشهيد كل شيء إلا الدين) رواه مسلم، (إلا شهيد البحر) والله أعلم بالشهيد في سبيله، وأراد رجل أن يخرج في الجهاد فسأله النبي صلى الله عليه وسلم (أحي والداك؟) قال الرجل: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ففيهما فجاهد) متفق عليه، أي في خدمتهما وبرهما، وفي الديون قال النبي صلى الله عليه وسلم (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) رواه الترمذي وقال حديث حسن، ومات رجل وعليه دين فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأخيه (إن أخاك محبوس بدينه فاقض عنه) حديث صحيح رواه أحمد وابن ماجة. مما يؤسف له أن نرى في هذا الزمان بعض المسلمين يخرج للجهاد، ويسافر من بلده إلى غيره للمشاركة في الجهاد أو القيام بعملية استشهادية بدون إذن والديه وبدون علمهما، وأحيانًا بدون إذن دائنيه، وأحيانًا بدون أن يترك نفقة لمن يعولهم وكل هذه ذنوب يجب أن يتنزه المسلم عنها، وقد يموت أو يقتل في جهاده هذا فيموت بذنوب لا يدري أيغفرها الله له أم لا؟ فقد علق الله مغفرته على مشيئته (...ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء...) (النساء:48)، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله (إنما الأعمال بالخواتيم) ونحن لا نرضى بهذه المخالفات الشرعية وننهى عنها جميع المسلمين. والفقهاء رحمهم الله وإن كانوا قد اتفقوا على أن إذن الوالدين إنما يشترط في الجهاد الكفائي، إلا أن بعض الفقهاء قد قال إن كان خروج المسلم لفرض العين من الجهاد فيه تضييع للوالدين أو أحدهما، لا يخرج لأن غيره يمكن أن يسد محله في الجهاد، وفي خروجه ضياع لوالديه أو هلاكهما، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان في التخلف عن بدر ليمرض زوجته رضى الله عنهما، والوالد أولى... يتبع