الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.. عندما يأتينا شهر رمضان يكون قد مضى أحد عشر شهرا على الذي قبله، ومعنى ذلك أنه يزورنا في كل عام مرة واحدة، فلا بد أن نتواصى هذه الأيام بما ينبغي أن نستقبل به هذا الزائر الكريم. الدنيا مزرعة الآخرة وأول ما علينا ذكره هو أن الدنيا مزرعة الآخرة، فما زرعناه في هذه الدار الأولى هو الذي نحصده في الدار الآخرة وهذا الشهر المبارك ينبت من الأجر والثواب عشرة أضعاف ما ينبته شهر آخر، وبعبارة أخرى إذا استوى عمل العبد في رمضان وفي شهر آخر فإن رمضان بعشرة أمثال هذا الشهر، فكيف لا نخص هذا الشهر بعناية زائدة ورعاية فائقة، ونحسن زراعته ولا ندع من بستانه شيئا يبقى فارغا أو تملؤه الأشواك والطفيليات، وإذا كان الوقت كله نعمة، فإن الأوقات تتفاضل وينبغي أن يتفاضل الاهتمام بها والغيرة عليها تبعا لذلك . }أياما معدودات{ وإذا كان صيام رمضان كما قال الله تعالى }أياما معدودات{ إذا حسبته بالشهور فهو شهر واحد وإذا حسبته بالأيام فهو تسع وعشرون أو ثلاثون يوما، وإذا حسبته بالساعات فهوسبعمائة وعشرون ساعة، فهو زمن قليل، ويشبه الزائر السريع الذي يسلم ثم لا يلبث أن يودع، فإذا لم تقض حاجتك منه لم ينتظرك، فأي كلمة تحث على الاستفادة من زيارة هذا الشهر الكريم فهذا أوان استعمالها، فسارع وسابق ونافس وبادر واغتنم وترصد وتعرض ولا تؤخر ولا تسوف ولا تغفل ولا تكسل ولا تتهاون. إن شهر رمضان شهر التطهر وهو شهر التزود، فيه يمكن أن تتخفف من الذنوب التي اجتمعت في سائر العام، وفيه يمكن التزود بالحسنات النافعة يوم المعاد وهو بهذا مثل موسم تجاري تباع فيه الأشياء بعشر ثمنها وافتتاحه مع ثبوت هلاله وإغلاقه مع ثبوت هلال الشهر الذي يليه . للصائم فرحتان والفرحتان كما جاء في الحديث الشريف إحداهما في الدنيا والثانية في الآخرة إذا أفطر فرح بذهاب العطش ورجاء ثبوت الأجر بعد إتمام الصوم، وإذا مات فرح بلقاء ربه وبثواب الصوم الذي قدم بين يديه. فهل تتم الفرحتان إلا إذا كان صومنا صوما لائقا بمكانة هذا الركن ولائقا بجلال الله الذي نعبده ونمتثل لأمره . إن المسلم لن يفرح بأي صوم كان بل يفرح بالصوم الذي يرضيه، وهو صوم المحسنين، الذين يصومون أحسن صوم يقدرون عليه، ولا يدخرون وسعا في الارتقاء بصومهم إلى أعلى درجات الجودة والإحسان. «فمن شهد منكم الشهر فليصمه» وها هوالقرآن الكريم يفتح أبواب المنافسة بين الصائمين عندما يقول المولى عز وجل }فمن شهد منكم الشهر فليصمه{. ولا يخفى أن الصوم درجات بعضها فوق بعض، فقد يكون الرجلان في الظاهر صائمين وما بين صومهما كما بين السماء والأرض، بحسب ما تحقق به كل واحد من شروط الصوم وأخلاق الصائم. وقد بشر الله تعالى عباده الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه }أولائك الذين هداهم الله وأولائك هم أولوا الالباب{. ترشيد التدين في رمضان يمتلئ هذا الشهر بالعادات وليست جميعها حسنة ويدخل الشهر على المسلمين وهم على أحوال فيها الحسن والقبيح. ورمضان فرصة مناسبة لترشيد الفهم والتطبيق، وإعادة النظر في العوائد والأفكار والأقوال والأفعال بما يتفق مع الإسلام الصحيح. وقد اختارت «حركة التوحيد والإصلاح» ترشيد التدين شعارا مرحليا إدراكا منها لأهمية التجديد والتقويم المستمر للفهم والعمل، فالحياة الشخصية والعائلية والاجتماعية للمسلم عرضة لأنواع من الانحرافات ورمضان هو الزمن المثالي لهذا الترشيد، فليكن شاملا وعميقا بشمول الإسلام وعمق معالجاته لانحرافات النفس الإنسانية . صُم صيام مودع وإذا كان ترشيد التدين وتجديده والارتقاء به مشغلة كل مسلم، فإن هذا الترشيد هو الذي يجعله قدوة عندما يراه الناس في زيادة من دينه كل وقت فيقتدوا به وأبناء الحركة الإسلامية شعروا اولم يشعروا قدوة بين الناس فمكانهم في السباق هوالمقدمة، ولا يقبل منهم التأخر والتخلف وإنما يقبل منهم التقدم المستمر حتى يكون كل رمضان جديد خيرا من الذي قبله، ويكون صومهم صوم المودع الذي إذا قيل له تموت الساعة لم يقدر أن يزيد في عمله شيئا .