أكد نشطاء سوريون أن المقبرة الجماعية التي أعلن التلفزيون السوري الأحد 12 يونيو 2011 اكتشافها في بلدة جسر الشغور في شمال غربي سورية هي لمعتقلين من سكان البلدة وليسوا من عناصر الأمن، كما ذكر التلفزيون الرسمي. يأتي ذلك في وقت اتهمت فيه وزيرة الخارجيَّة الأمريكيَّة هيلاري كلينتون إيران بدعم ''الهجمات الوحشيَّة'' التي يشنُّها النظام السوري على المتظاهرين المسالمين في بلاده. فيما حذرت طهران، في المقابل، من أي تدخل خارجي في شؤون سوريا، بموازاة إعلان فرنسا أن الدول التي أعدت مشروع قرار في الأممالمتحدة يدين القمع في سوريا لن تطرحه على التصويت قبل أن تضمن توافر غالبية كافية لمصلحتها. ونقل النشطاء السوريون على الإنترنت، أول أمس، عن شاهد عيان القول إن ''المقبرة الجماعية التي عرضها الإعلام السوري هي فعلا موجودة ولكن الشهداء هم من المعتقلين الذين كانوا محتجزين بمفرزة الأمن العسكري الذين تم تصفيتهم بأمر من رئيس المفرزة ورفض تسليم الجثث للأهالي.. وعندما علم بأن الأهالي ستعتصم أمام المفرزة لمعرفة مصير أبنائهم المعتقلين قاموا بدفنهم في مقبرة جماعية بشعة في الساحة الترابية المجاورة للمفرزة''. وأكد النشطاء صعوبة الحصول على أي معلومات من داخل البلدة نظرا للتعتيم الشديد الذي تفرضه السلطات، فضلا عن قطع الاتصالات. وكانت قوات الأمن قد أحكمت سيطرتها على منطقة جسر الشغور وقالت إن الهدف منها هو ''استعادة الأمن'' بعد مقتل 120 عنصرا بجهاز الأمن على أيدي ''تنظيمات مسلحة'' الأسبوع الماضي. وبحسب وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، تقول المعارضة إن القتلى هم من قوات الأمن الذين رفضوا الانصياع لأوامر إطلاق النار على المحتجين. في الوقت نفسه، نقلت وكالة ''رويترز'' عن شهود عيان قولهم، أمس، إن قوات سورية من الأمن والجيش تتجه نحو بلدة معرة النعمان التابعة لمحافظة إدلب، بعد أن واصلت تنفيذ عمليات في قرى محيط مدينة جسر الشغور اعتقلت خلالها مئات من الأشخاص. من جانبها، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن ناشطين حقوقيين أن الجيش السوري وقوى الأمن تقوم بعملية واسعة النطاق لقمع الاحتجاجات في معرة النعمان. وقال أستاذ الصيدلة الجامعي عثمان البديوي لرويترز هاتفيا إن نحو 70% من سكان بلدة معرة النعمان البالغ عددهم 100 ألف فروا، وأضاف أن المروحيات التي أطلقت النار أيضا على المحتجين الجمعة تقوم بنقل الجنود إلى معسكر ترحيل في وادي الضيف على بعد بضعة كيلومترات من البلدة. وأضاف ''التقينا مع المحافظ الثلاثاء وأكد لنا أن الجيش سيدخل لاعتقال 360 شخصا مدرجين على قائمة، لكن الناس في معرة النعمان متشككون''، وأضاف أن ''اسمه مدرج على قائمة المطلوبين للاعتقال باعتباره مسلحا رغم أنه لم يحمل قط سلاحا في حياته''. وأكَّد نشطاء سوريون لوكالة الأنباء الألمانيَّة، أن عشرات الدبابات وصلت إلى الجهة الشمالية لبلدة معرة النعمان التابعة لمحافظة إدلب. ويخشى النشطاء من استعداد قوات الأمن لشنّ عمليَّة موسعة في البلدة لقمع الاحتجاجات المناهضة للنظام على غرار ما حدث مع عدد آخر من المناطق السورية. إيران متورطة إلى ذلك، نشر نشطاء سوريون على ''اليوتيوب'' فيديو يظهر عنصرين إيرانيين ناطقين بالعربية يعترفان بأن الأمن العسكري الإيراني أرسلهما ضمن مهمة المشاركة في قمع المعارضين للنظام السوري. وذكرت قناة ''العربية'' أن تاريخ نشر الفيديو يرجع إلى الأحد الماضي، ويشير العنوان إلى اعتقال ''العنصرين الأمنيين الإيرانيين'' في وقت سابق من هذا الشهر بمدينة حماة السورية التي تتواصل فيها المظاهرات المناوئة للنظام السوري، ويعترف الشخصان اللذان يبدو أنهما في قبضة المحتجين السوريين بأن الأمن العسكري أرسلهما، ويؤكدان قدومهما من إيران. يأتي ذلك، ينما اتَّهمت وزيرة الخارجيَّة الأمريكيَّة هيلاري كلينتون إيران بدعم ''الهجمات الوحشيَّة'' التي يشنُّها نظام الرئيس السوري بشار الأسد على المتظاهرين المسالمين في بلاده. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسيَّة عن هيلاري كلينتون قولها: إن إيران تدعم أيضًا العمليات العسكرية التي ينفِّذها نظام الأسد في المدن السوريَّة. وأكدت كلينتون أن واشنطن ''تقف إلى جانب المواطنين بمن فيهم مواطنو إيران وسوريا الذين يتطلعون إلى الحرية وممارسة حقوقهم''. وقارنت الوزيرة الأمريكيَّة بين صورة فتى سوري يبلغ 13 عامًا عذَّبته وشوَّهته قوات الأمن السوريَّة، وصورة شابة إيرانيَّة قُتلت قبل عامين في الشارع على مرأى من الجميع، مشيرةً إلى أن ''العالم صُعق بهذه الصورة''. وشكَّل اعتقال وتعذيب 15 فتى اتهموا بكتابة شعارات مناهضة للنظام على الجدران في مدينة درعا بجنوب سوريا الشرارة التي أطلقت الحركة الاحتجاجية في منتصف مارس الماضي، وتحوَّل الفتى حمزة الخطيب الذي ''عُذِّب وقتل'' حسب ناشطين حقوقيين إلى أحد رموز المقاومة السلمية ''لوحشية'' النظام. وجاءت تصريحات كلينتون بعدما جدَّدت الولاياتالمتحدة على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض إدانتها ''بقوة'' أعمال العنف الأخيرة في سوريا. ودعا جاي كارني القادة السوريين إلى بدء حوار سياسي، وقال: ''على الرئيس الأسد بدء حوار سياسي، ينبغي أن تكون هناك مرحلة انتقاليَّة، وإن لم يقُدْها الرئيس الأسد فعليه التنحي''. وسبق الاتهامات الأمريكيَّة الأخيرة أن كشفت بريطانيا عن ''معلومات ذات مصداقيَّة تشير إلى أن إيران تساعد سوريا على قمع الاحتجاجات هناك، بما في ذلك توفير الخبرة والمعدات'' وهو اتهام نفته طهران. طهران تحذر وفي مقابل الاتهامات الأمريكيَّة والبريطانيَّة لطهران، اتهمت إيران ''بعض الأنظمة خاصة أمريكا والنظام الصهيوني'' بالتدخل في شؤون سوريا. وحذَّر المتحدث باسم الخارجيَّة الإيرانيَّة رامين مهمان باراست من أي تدخل عسكري صريح من جانب الغرب وأمريكا في سوريا، معتبرا أن مثل هذا التدخل ستترتب عليه تداعيات كبيرة جدا على المنطقة. ونقلت وكالة الأنباء الطلابية إسنا عن مهمانبرست قوله في مؤتمر صحفي دوري إن بلاده تدين أي تدخل من أي دولة في شؤون الدول الإقليمية، وتعتبر أن التطورات في سوريا هي قضية داخلية والحكومة السورية والشعب يتمتعون بالحكمة اللازمة لتسوية مشاكلهم. وقال ردا على سؤال عن احتمال توجيه ضربة عسكرية لسوريا، إن وجود قوى عسكرية في أي من دول المنطقة لن يصب في مصلحة هذه الدول. فرنسا تقر في غضون ذلك، أعلنت فرنسا أن الدول التي أعدت مشروع قرار في الأممالمتحدة يدين القمع في سوريا لن تطرحه على التصويت قبل أن تضمن توافر غالبية كافية لمصلحتها. وقال وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه، أول أمس، في الجمعية الوطنية ''لن نجازف بأن نطرح على التصويت مشروع قرار يدين النظام السوري إلا إذا توصلنا إلى غالبية كافية''، مشيرا إلى أن تسعة أصوات في مجلس الأمن على الأرجح تدعم القرار، فيما تجري محاولات لإقناع جنوب أفريقيا والهند والبرازيل بتأييد القرار أيضا. وأضاف الوزير الفرنسي ''إذا تحركت الأمور من هذا الجانب، وإذا تمكنا من تأمين 11 صوتا فعلى كل طرف أن يتحمل مسؤوليته. سنطرح مشروع القرار هذا للتصويت وسنرى ما إذا كانت روسيا والصين ستستمران في موقفهما لجهة استخدام الفيتو''. وكرر أنه بالنسبة إلى فرنسا، فإن القمع في سوريا ''يثير الاستياء ويستدعي الإدانة''، وأضاف أن الأمور تتدهور من يوم إلى آخر. وتوعدت موسكو وبكين باستخدام حق النقض في حال طرح مشروع إدانة النظام السوري على التصويت. أردوغان ينصح وبموازاة ذلك، قال مسؤولون أتراك إن رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان طالب الأسد، في اتصال هاتفي جرى بينهما، أول أمس، بأن يتوقف العنف في سوريا. ودَعَا أردوغان الرئيس السوري إلى وقف حملة القمع الدمويَّة ضدّ المحتجين، والبدء بتطبيق إصلاحات فوريَّة. وذكرت وكالة أنباء الأناضول التركيَّة أن أردوغان حثَّ في اتصالٍ هاتفي مع الأسد على ضرورة ''وضع جدول زمني للإصلاحات بالسرعة الممكنة وتطبيقها بسرعة شديدة''. وأضافت الوكالة أن أردوغان أبلغ الأسد قلق بلاده الشديد بسبب المظاهرات التي نظّمت أمام السفارة التركيَّة في دمشق والقنصلية في حلب بسبب ما وصفه أردوغان بادعاءات لا أساس لها من الصحة روّجت لها وسائل إعلام سوريَّة. وصعَّد أردوغان الأسبوع الماضي من لهجته واتهم الرئيس السوري بارتكاب ''فظاعات'' ضدّ المتظاهرين، فيما فرَّ آلاف السوريين من أعمال العنف إلى تركيا، لكن أنقرة لم تصل انتقاداتها للنظام السوري إلى حدّ المطالبة بتنحي الأسد. تدفق النازحين في هذه الأثناء، استمرَّ تدفق اللاجئين السوريين على جنوبي تركيا، حيث تجاوز عدد النازحين 8500 مع دخول نحو ألفي لاجئ جديد وفق متحدث باسم مركز إدارة الأزمات في الحكومة التركيَّة. وقد أكَّدت رئيسة العمليات الإنسانيَّة في الأممالمتحدة فاليري أموس أن أكثر من عشرة آلاف سوري فرُّوا بسبب القمع الذي يمارسه نظام الأسد ولجأوا إلى تركيا ولبنان. ومع استمرار احتضان تركيا للسوريين الفارين من قمع النظام السوري، يخشى مراقبون من أن يؤدي ذلك إلى عواقب وخيمة لا تريدها أنقرة. وذكرت صحيفة ''الإندبندنت'' البريطانية أن تركيا أصبحت تواجه أزمة تعدت وصول أكثر من ثمانية ألاف لاجئ سوري إليها، إذ تظاهر عدد من أنصار النظام السوري في تركيا ضد استضافة تركيا لهؤلاء النازحين. وتقول الصحيفة إن الحساسيات الطائفية والتي تصل إلى حد اتهام العلويين من سكان القرى المحيطة بجسر الشغور بارتكاب أبشع الفظائع بحق أبناء جسر الشغور قبل دخول الجيش، فإن هناك مخاوف في تركيا من انتقال هذه المشكلة الطائفية إليها. وأشارت الإندبندنت إلى أن العلويين يشكلون نصف سكان إقليم الإسكندرون التركي البالغ عدد سكانه مليون ونصف المليون نسمة وهو الإقليم الذي وصل إليه النازحون السوريون. ومن المقرر أن يقوم العلويون في تركيا بمظاهرة أخرى ضد استقبال تركيا للنازحين السوريين الأسبوع المقبل مما ينذر بتوتر بين الأتراك السنة والعلويين. وكان مراسل الصحيفة شاهدا على التوتر الطائفي حيث لم يتوان أحد أصحاب الحوانيت في الإقليم من التهجم على الشخص الذي كان يقوم بالترجمة لمراسل الصحيفة وهو علوي وتوجه له بالقول ''أنت تعلم تماما ما يجري خلف الحدود أن أبناء طائفتك يقتلوننا وأطلب منك أن تعرف من طائفتك في سوريا متى سوف يتوقفون عن أعمال القتل''. وتقول جماعات معنية بحقوق الإنسان إن ما لا يقل عن 1300 شخص قتلوا واعتقل أكثر من 10 آلاف شخص منذ بدء الاحتجاجات التي تدعو للإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد في مارس الماضي.