تضاعف ثلاث مرات عدد الجمعيات من المجتمع المدني المغربي التي استفادت من التمويل الأجنبي خلال فترة 2007 و.2010 في هذا الإطار بلغ عدد الجمعيات التي صرحت لدى الأمانة العامة للحكومة بتلقيها مساعدات من جهات أجنبية، على التوالي 88 و 85 و71 و 110 برسم سنوات 2006 و 2007 و 2008 و .2009 كما أعلن الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان إدريس لشكر في الأسبوع الماضي، أن عدد الجمعيات التي صرحت لدى الأمانة العامة للحكومة بتلقيها مساعدات من جهات أجنبية بلغ 279 جمعية خلال سنة .2010 فكم هو حجم المساعدات الأجنبية التي تتلقاها الجمعيات المغربية؟ وماهي طبيعة الأنشطة الممولة من الخارج؟ وماهي الضوابط القانونية المتحكمة في ضبط هذه المساعدات؟ وهل تخضع هذه المساعدات فعلا للمراقبة؟ من الصعب إيجاد أجوبة مقنعة حول هذه الأسئلة، فالمعطيات المتوفرة بهذا الخصوص قليلة جدا ولا تمكن من رسم صورة واضحة عن التمويل الأجنبي للجمعيات المغربية، وإذا كانت أحكام الفصل 32 مكرر من الظهير الشريف المتعلق بحق تأسيس الجمعيات تفرض على هذه الأخيرة التصريح بقيمة المساعدات الأجنبية التي تسلمتها، فإن عدداً قليلا من الجمعيات المغربية التي تقوم فعلا بهذا التصريح. التمويل الأجنبي وجدلية الاستقلالية والتبعية ارتفعت في السنوات الأخيرة، بعض الأصوات المعارضة للتمويل الرسمي والأجنبي للمجتمع المدني على حد سواء. لكونه يفقد هذا الأخير استقلاليته تجاه الدولة من جهة، وتجاه سياسات الدول المانحة للدعم، مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةالأمريكية وبريطانيا من جهة أخرى، غير أن بعض المواقف الأخرى ترى أن الدعم المالي الأجنبي، وعلى الرغم من بعض الأهداف التي تسعى الجهات الرسمية والمنظمات الأجنبية إلى تحقيقها بواسطته، يمكن التحكم فيه وتوجيهه لخدمة أهداف المجتمعات المحلية، لاسيما أن هذه المجتمعات تعاني من مشاكل ملحة، يحتاج تجاوزها إلى موارد مالية مهمة لا تتوفر لأغلب الدول النامية. لاشك أن أهم مؤشرات فعالية المجتمع المدني هو استقلاله المالي عن كل شكل من أشكال السلطة السياسية والاقتصادية داخلية كانت أو خارجية. وأي استفادة له من التمويل كيفما كان حجمه ومصدره يسيء إلى استقلاليته. فأينما يوجد تمويل رسمي أو أجنبي توجد شروط يفرضها الممولون وأهداف غير معلنة يسعون إلى تحقيقها. وغالبا ما نجد منظمات المجتمع المدني في بعض الدول العربية مثل المغرب تخضع لتلك الشروط بغية الحصول على موارد مالية لأنشطتها. كما أنها أصبحت تفضل القيام بالأنشطة التي تمولها الجهات الرسمية أو الأجنبية في مجالات مثل: حقوق المرأة، ومشاكل الهجرة، والإرهاب، والشباب، بدل القيام بأنشطة تهدف الى الاستجابة للحاجيات المحلية لهذه البلدان. وهو ما يجعل هذه الجمعيات مجرد آليات لتنفيذ المخططات الإستراتيجية لدول الغربية. ومن الناحية السياسية والأمنية، تستغل الدول الأجنبية إمكانياتها المالية لتحقيق أهداف سياسية وثقافية داخل الدول النامية بشكل عام. والتفاف مختلف تنظيمات المجتمع المدني حول استراتيجيات تلك الدول. ومن الأمثلة الدالة على هذا المسار، أنه بعد الشراكة المبرمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، تكونت بالمغرب 'الشبكة الأورو المتوسطية' التي تتضمن أكثر من 20 منظمة مدنية لحث المغرب على تنفيذ التزاماته مع الاتحاد الأوروبي، علما بأن بنود هذه الاتفاقية، رغم إشارات حقوق الإنسان التي تتضمنها، تهدف فقط الى تنفيذ الإستراتيجية الوقائية للاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة. وهي الإستراتيجية المخالفة طبعا للتصور الحقوقي والديمقراطي لمسألة الهجرة القائم على حرية تنقل الأفراد، لذلك انقادت تلك الهيئات مع تصور الاتحاد الأوروبي بشكل عام. وهو ما يبين أحد أهم أشكال استغلال الدول الأوروبية للمجتمع المدني لتنفيذ مخططاته الإستراتيجية في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر التمويل الدولي آلية لتتبع مواقف الفاعلين داخل الدول من سياسات الدول الأوروبية. ذلك أن أهداف الممولين الأجانب وإن كانت تتقاطع مع أهداف المنظمات المحلية، كما تقول المنظمات المستفيدة من التمويل الأجنبي، تنطوي على مخاطر إستراتيجية كبيرة من أهمها استغلال الممولين الأجانب للأنشطة التي تمول من أجل تتبع تطور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للدول واستغلالها اقتصاديا وسياسيا وبشكل يضر بمصلحة الدول التي تستفيد منظماتها من التمويل الخارجي. لهذا أصبح العديد من تلك الجمعيات، من دون وعي، بعد انخراطها في عمليات التمويل الرسمي أو الأجنبي، تساعد الممولين الأجانب والرسميين في تحقيق أهدافهم بالنيابة وبتكاليف أقل، في وقت كان فيه مفروضا على هذه الجمعيات أن تحدد أهدافها بناء على الحاجيات الحقيقية للفئات التي تستهدفها. التمويل مقابل ماذا؟ في هذا السياق، يرى زهير الخيار المدير العام للمؤسسة المغربية للتنمية البشرية، أن ثمة إغراق حقيقي بالمال الأجنبي المشروط في غالبه لهذه الجمعيات. مبرزا أن تلك الشروط تكون على ثلاثة مستويات، أولها: إلزام الجمعيات المستفيدة بضرورة التعامل مع خدمات مؤدى عنها للأجانب، وهي نوعان: إما أن يشترط على الجمعية اقتناء المواد من شركات تابعة لدولة الجهة المانحة، كما تفعل الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي، والنوع الثاني هو إلزام الجمعيات المستفيدة بالاستعانة بخبراء من دول الجهة المانحة. أما المستوى الثاني من الشروط فيتعلق بما تسميه فرنسا وبريطانيا بالشرط الثقافي إذ تشترط هاتين الدولتين لتمويل المشاريع خدمة الثقافة الفرنسية مثلا. في حين يتمثل المستوى الثالث والخطير في فرض شروط إيديولوجية، وهذا ينسحب على التمويلات الأمريكية. وأشار المصدر في هذا السياق إلى تحركات السفير الأمريكي بالمغرب الذي بات يتجول بنفسه في مناطق مختلفة من المغرب، من أجل تقديم المعونات المباشرة للجمعيات. من يتابع نشاطات التمويل الأجنبي للأبحاث والمنظمات غير الحكومية المحلية ، فيربط الأجزاء المختلفة لهذه النشاطات في نسق بنيوي واحد سيكتشف أن القضايا التي تطرحها هذه المنظمات تتسم بما يلي: 1 أنها تطرح في الكثير من الأحيان قضايا محقة في جزئياتها مثل الطفل والبيئة والمرأة 2 أنها تفصل هذه القضايا عن النضال العام لتحقيق التغيير في المجتمع، فبدلا من طرح القضايا الجزئية ضمن سياق مشروع وطني، كما تفعل حركات التغيير الكبرى في المجتمعات، تعمل منظمات التمويل الأجنبي في الواقع على تفكيك الحركة الوطنية في البرنامج والممارسة، وتستوعب المناضلين السابقين في مكاتب وموازنات وبرامج بديلة 3 أنها تطرح قضايا مهمة بالتأكيد، ولكنها ليست القضايا الأهم في المجتمع المحلي 4 أن طريقة طرح هذه القضايا تمثل امتدادا ميكانيكيا لنمط من الوعي نشأ في ظروف تختلف عن ظروف بلادنا، فالذين يمولون المنظمات غير الحكومية في الغرب، على افتراض إخلاصهم، تحكمهم منظومة قيم ومفاهيم تنطلق عضويا من شروط التطور في المجتمعات الغربية والوعي الفردي السائد هناك، وبالتالي تعمل منظمات التمويل الأجنبي موضوعياً على إعادة إنتاج النموذج الثقافي والاجتماعي الغربي عربياًخ 5 أن الأبحاث والمنظمات التي تتبنى هذه القضايا تهيء في علاقاتها المالية والتنظيمية لتجاوز واختراق سيادة الدولة الوطنية على أراضيها، الأمر الذي يتماشى في المحصلة مع برنامج الشركات متعدية الحدود، وبرنامج البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، في اختراق سيادة الدولة الوطنية 6 أن المرجعيات القانونية التي تحتكم إليها أو تسعى إلى تكريسها هي مرجعيات خارجية، وأن القضايا التي تعمل من أجلها تربطها بوعي إنساني كوني، إنساني الظاهر، ولكنه يؤدي من خلال التركيز على حقوق الأقليات إلى تفكيك الدول، ومن خلال التركيز على حقوق الأفراد إلى تمزيق المجتمعات والقضايا الكبرى، بالإضافة إلى تعميم القيم الغربية في قضايا المرجعية والديمقراطية وحقوق الانسان ومسألة المساواة والمرأة . إن التحديات المطروحة من قبل التمويل الأجنبي، خاصة في ظل تزايد عدد الجمعيات المستفيدة من ذلك التمويل، ترتبط أساسا بالأجندة الأجنبية المصاحبة للتمويل. وأيضا طبيعة المجالات التي يستهدفها التمويل أساسا (المرأة، الديمقراطية بالمفهوم الغربي، المساواة بين الجنسين، دعم بعض الجمعيات التي تنادي بالحريات الفردية بشكل مطلق...). ومن خلال تسجيل توسع المجتمع المدني المغربي(حوالي 50 ألف جمعية)، يتضح إذن أن المطلوب هو تحقيق الشفافية المطلقة في مسألة التمويل الأجنبي، وكذلك وضع خط أحمر في سبيل هذا النوع من التمويل، الذي يستهدف أساسا هوية ومرجعية وسيادة المغرب.