عند الامتحان يعز المرؤ أو يهان، قولة شهيرة ومنتشرة، تردد خلال مواقيت الامتحانات على الخصوص، فالتلميذ الذي ينجح في امتحاناته يشعر بالفخر ومحبة المحيطين به، وعلى العكس الذي يكرر ويرسب يحس بكل الصفات السلبية، لكن بحسب عدد من الباحثين فالتكرار دليل على فشل المؤسسة التعليمية وليس التلميذ، بالنظر إلى الطريقة التي تجرى بها الاختبارات بكل أنواعها سواء العادية أو الإشهادية. وفي هذا الصدد ركز الباحث عزيز مشواط على أهمية مكون التقويم التربوي في العملية التعليمية، فهو العنصر الذي تنتهي وتبدأ عنده العملية التربوية. إنه العلامة الفارقة في الكشف عن مدى نجاعة كل المكونات التربوية وتوجيهها من أجل التصويب والتعديل والتطوير بدءا من فلسفة التربية الموجهة للنظام التعليمي إلى البرامج والمناهج والأداء أيضا، وبالتالي، يضيف مشواط فإن تقويم المتعلم هو تقويم للعملية التعليمية ككل. وفي المغرب يمكن ملاحظة أن التقويم لا يزال يخضع لفلسفة الاختبار المبنية على ما يمكن تسميته بالتربية البنكية، ومفادها اختزال العملية التعليمية في فعل الذاكرة، حيث يتم إهمال كل المكونات المعرفية والوجدانية والمهارية إلى مجرد اختبار للمعلومات التي تم ''حشوها'' في الذاكرة. وأكد مشواط أيضا أن التقويم في المغرب لا يزال يصبغ بصفة الاختبار والتأكيد على الكم بدلا من الإنجاز الحقيقي، والاكتفاء بتصنيف المتعلم إلى ناجح أو راسب. ارتجالية يرى الباحث التربوي ورئيس المركز المغربي للأبحاث في المدرسة عبدالإلاه دحمان من جانبه أ، نظام الامتحانات في النظام التربوي المغربي تحتاج إلى المزيد من التأسي العلمي والمعرفي وربطها بالاختيارات التربوية الكبرى وبالسياسة التعليمية التي التي تحكم القطاع ، مضيفا أنه في غياب رؤية واضخة تنتظم فيها الامتحانات فهي تتمظهر بالشكل الذي تنجزبه حاليا باعتبارها نوع من التغذية الراجعة بشكل ميكانيكي دون تفعيل ملكة الابداع والاجتهاد، واعتبر المتحدث عدم توفر النظام التربوي المغربي على نظام للتقييم لحد الساعة هو مشكل في حد ذاته، مما يجعل التقييم والتقويم بحسبه لا يخضع لمأسسة معقلنة كما هو متداول في بعض البلدان المتقدمة تربويا اذ لا يزال نظام الامتحانات يؤشر على ثقافة معيارية متردية، فبالنسبة لنظام توزيع الامتحانات، يضيف دحمان، هناك امتحانات خلال الفصل أو ما يعرف بالمراقبة المستمرة، وامتحانات فصلية نهائية وهي التي تعقد خلال كل مرحلة دراسية أو موسم دراسي بناء على مقرر. ويتم تقييم التلميذ وفق نسب موزعة على نسبة عن امتحاناته خلال الفصل.أيضا بحسبه الامتحانات النظرية والعلمية النهائية كل موسم بنسبة عدد الوحدات. وبخصوص مواعيد الامتحانات يؤكد المتحدث لا تزال خاضعة للارتجال ولا تبنى على اختيارات زمنية معقولة تحترم الراحة النفسية والعقلية للتلميذ مما يؤثرعلى لياقته الإداركية. مذكرات وزارية.. لكن؟ يؤكد نورالدين شكردة الفاعل الجمعوي وعضو التضامن الجامعي المغربي أن وزارة التربية الوطنية لا تزال تخبط خبط عشواء، وتسابق الزمن من أجل تنزيل كل مشاريع المخطط الاستعجالي، ويظهر هذا التخبط جليا في شق التقويم والامتحانات، إذ ألغت المذكرة رقم 204 في شأن التقويم بالتعليم الابتدائي وعوضتها بالمذكرة رقم 74 الصادرة بتاريخ 29 دجنبر 2010 حول التقويم والامتحانات وفق بيداغوجيا الإدماج. وتراجعت الوزارة أكثر من مرة عن العديد من المذكرات وارتكبت أخطاء أربكت فهم المؤطرين والأساتذة، وراهنت على برامج وجداول وكأنها لا تعلم أن آلاف الفرعيات لم تشملها التغطية الكهربائية بعد، وظهر الارتباك أكثر خلال مزامنتها لتواريخ أسابيع الإدماج مع أسابيع التقويم والامتحانات. وأضاف نورالدين أن المذكرة المذكورة رافقتها العديد من أشكال الرفض والاستنكار لفحواها. حيث عبرت العديد من فروع النقابات الخمس عن رفضها المطلق لنظام التقويم والامتحانات بشكله المطروح حفاظا على مصلحة التلميذ واعتبرته محض عبث وارتجال، والأكيد أن كثرة الأرقام والدوال والمعادلات ستصيب رؤوس النقابيين بدوار رهيب وهم من ألفوا الدفاع عن مطالب واضحة من قبيل الإفراج عن لوائح الترقية الاستثنائية وإقرار حركة جهوية استثنائية اجتماعية... فإذا بهم أمام ضرب معامل نتائج موارد المستوى السادس في سبعة، والمستوى الرابع في ثلاثة، وإضافة رقم واحد إذا كان معدل التقييم هو خمسة، ومعدل الموارد، والكفايات، وتفريغ نتائج شبكات الّإدماج في جداول الإكسيل، ومعايير التحكم في الكفاية، والعتبة، والحد الأدنى، ومزاحمة المدراء في حواسيبهم الخاصة و..و.. مقترحات حلول خلال السنوات العشر الأخيرة ظهرت ابتكارات جديدة لنظام الامتحانات أبرزها نظام 2002 الذي تمخض عن الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وبالنظر إلى النتائج الكارثية التي وصلت إليها المدرسة المغربية العمومية أصبح لزاما مراجعة النظام المذكور، وفي هذا الصدد التمس دحمان اختيار جدولة زمنية مبنية على قناعات معرفية تجعل من الامتحان فرصة للإبداع والتحرر وإظهار القدرات والمبادرات التعليمية، أما بالنسبة لأسئلة الامتحانات فيجب أن تركز على مدى تملك التلميذ للكفايات المستهدفة وليس مدى قدرته على تكرار ونسخ ما تراكم لديه من معطيات ومعارف دون استدماجها في الواقع المعيش. وبخصوص تصحيح الامتحانات لا تزال كذلك من جنس الاسئلة إذ المهم بالنسبة لها هو موافقة الجواب مع السؤال بشكل ميكانيكي دون قياس مدى القدرة عل الدمج والتحول والتصرف الإيجابي. امتحان على أساس تعاقدي تحدث مصدر مسؤول بوزارة التربية الوطنية عن وجود مشروع خاص بتطوير نظام التقويم والإشهاد، وهو أحد المشاريع الهامة ضمن ''البرنامج الاستعجالي''، يهدف إلى تمكين المنظومة التربوية من نظام شمولي للتقويم يأخذ بعين الاعتبار ليس فقط التقويم في بعده الجزائي، ولكن كذلك مختلفَ وظائف التقويم، منها التشخيصية ومنها التكوينية، باعتبارها آليات أساسية لتحسين جودة التعلمات، وبالتالي الإعداد الأنجع لمختلف المتعلمين. والمشروع سيوضح التعدد في وظائف التقويم، التي ظلت مختزَلة في ما هو جزائي واختباري (امتحاني)، دون أن تطال باقي المتغيرات الأخرى التي بإمكانها تحسين المردود التربوي، من خلال مؤشر الامتحان، مع الأخذ بعين الاعتبار الطابعَ الشموليَّ للتقويم، المصدر أكد أيضا أن المشروع يروم، في المحطة الأولى، التي انطلقت قبل انطلاق تنفيذ ''البرنامج الاستعجالي''، تطوير نظام الامتحانات الإشهادية ومعالجة الاختلالات وكذا تطوير المقاربات والمنهجيات المتعلقة بالامتحانات، على مختلف السيرورات، سواء على مستوى مواضيع الامتحانات وكيفية إعدادها أو على مستوى إجراء الاختبارات وسير العمل داخل مراكز الامتحان أو على مستوى التصحيح أو معالجة معطيات الامتحان والإعلان عن النتائج. ويبقى الهدف من كل ما سبق هو إرساء النظام الحالي للامتحانات، على أساس معايير وطنية تضمن لجميع المترشحين تكافؤ الفرص، لكي يصبح الامتحان قائما على أساس تعاقدي في ما بين جميع الإطراف المعنية، لتمتين علاقة الثقة التي يجب أن تُنسَج بين التلميذ والأسر، من جهة، وبين مؤسسة الامتحان، من أجل الرفع من مصداقية نتائج الامتحان ودعمها، وبالتالي مصداقية شهادات المدرسة والجامعية الوطنيتين، يؤكد المصدر.