هل تخفي ظلال مشاركة العدل والإحسان في مسيرات حركة 20 فبراير رغبة الجماعة في الانخراط في العمل السياسي المباشر؟ وماهي القراءة السليمة لبعض تصريحات قادة الجامعة التي تخص ورش الإصلاح الدستوري المعلن عنه؟ وماهو سياق صدور بعض البيانات المحملة للجامعة مسؤولية أحداث خريبكة و''الركوب'' على بعض المسيرات؟ أسئلة وغيرها تشير في القراءة السطحية إلى ''اشتداد'' التنافر بين جماعة العدل والإحسان والدولة. لكن بالمقابل هناك قراءات متعددة تبرز أن الحراك يتجه في كلتا الجهتين إلى الوصول، في ظل التحولات التي يعرفها الجوار المغربي، إلى الوصول إلى صيغة مقبولة في ظل الضوابط التي سيحددها الدستور المقبل، لإشراك جماعة العدل والإحسان من خلال حزب سياسي في المشهد الحزبي المغربي. يمكن الحديث عن ثلاثة عوامل أساسية ستحدد مسار ''التفاوض'' على أرض الواقع الذي يدور بين السلطة وجماعة العدل والإحسان. العامل الأول يتمثل في التحولات التي تعرفها الدول العربية المجاورة. فمن أبرز النتائج السياسية التي أسفرت عليها الثورتين التونسية والمصرية أن تم السماح لمختلف التيارات التي كانت مقصية (في ظل النهج الاستئصالي السابق على الثورة) عن العمل السياسي المباشر المعترف به. ومن هنا تم الاعتراف بحركة النهضة في تونس، كما أضحت جماعة الإخوان المسلمين رقما أساسيا في الساحة المصرية. وبالنتيجة فإن المغرب لا يمكن أن يستمر في نهج الإقصاء. العامل الثاني هو داخلي خاص بجماعة العدل والإحسان. فالمسجل أنه منذ مدة وجماعة العدل والإحسان تلجأ إلى النحت من ''معجم'' الفعل السياسي الحزبي. ويؤكد محمد ظريف المتابع لملف الحركات الإسلامية، على أن التطور في فكر جماعة العدل والإحسان وصل حاليا إلى إيمانها بالخيار الديمقراطي وبالدولة الديمقراطية المدنية العصرية. هذا المعطى جعل الجماعة تتحدث عن مطلب الإصلاحات السياسية والدستورية العميقة. وعن أن المشاركة في الانتخابات بدون ضمانات حقيقية ''نوع من العبث''. وتنادي بمحاربة الفساد والظلم الاجتماعي... العامل الثالث الذي يفسر ''اتجاه'' جماعة العدل والإحسان نحو القبول بالانخراط في ''اللعبة السياسية'' هو ما أبرزته تفاعل الجماعة ميدانيا مع حركية 20 فبراير. و من مؤشرات ذلك أنها خلال المسيرات أظهرت رغبة في العمل الجماعي إلى جانب الحساسيات الأخرى. إضافة إلى أن مطالبها ظلت وفق السقف المرسوم وهو الملكية البرلمانية كما ترفعه عدد من التيارت اليسارية. كما أنها ''فوتت'' الفرصة في محطات خريبكة والحسيمة والدار البيضاء على بعض الجهات السلطوية، حسب ظريف، التي تحن ''إلى استعمل ورقة الإسلاميين كفزاعة لخلق التو ثر في المشهد المغربي وبالتالي الحفاظ على كامل امتيازاتها ومواقعها''. إن الوصول إلى صيغة اشتغال جماعة العدل والإحسان كحزب سياسي يظل السيناريو الأكثر ترجيحا، حسب ظريف، في ظل تلك العوامل. ومادام، وفق نفس الرؤية، أن داخل الدولة توجد عدد من القراءات المتباينة لصيغة تدبير ملف الإسلاميين. لهذا على الطرفين ، وفق ظريف، الانخراط في صيرورة جديدة لإشراك الجماعة في ظل ترتيبات ما بعد إقرار الدستور المقبل. وهو خيار، أضحت الجماعة نفسها حسب ظريف، ترغب فيه. ويتأكد هذا المنحى الذي تتجه فيه جماعة العدل والإحسان إلى الانخراط في المشاركة من خلال القراءة في أدبيات الجماعة بخصوص النظرة إلى الدستور والإصلاحات الدستورية، يقول فتح الله أرسلان، الناطق الرسمي باسم بالجماعة، في أن أي تغيير حقيقي في المسار الدستوري لا بد له من إرادة سياسية، وهذه الإرادة مرتبطة بميزان القوى، ولهذا فإن جماعة العدل والإحسان، يقول أرسلان، تمد يدها ''لكل من يعمل لتغيير هذا الميزان حتى يصبح لصالح الشعب. ولا يهم في البداية أن نتفق حول المضامين، الذي يهم هو أن نتفق حول طريقة ومسطرة وضع الدستور''. وإذا كان عبد السلام ياسين، شيخ الجماعة في كتاب ''العدل'' الصادر سنة ,2002 قد ذكر في البند الثالث عشر أن ''المسيرة تبدأ بوضع دستور موافق لروح الإسلام وشرعه، تضعه جمعية منتخبة انتخابا حرا، يعيد بناء هياكل الحكم على أساس سيادة الدعوة وتفرغ رجال الدولة لتسيير الشؤون العامة وتدبيرها''و أن ''من البنود الرئيسية في الدستور تساوي الرئيس والمرؤوس- ابتداء من رئيس الدولة- أمام القضاء، ووحدة القانون، وفصل السلط، وإقامة العدل، والتناوب على السلطة، وحرية النشر إلا في ترويج الإلحاد والدعارة''. فهل يكون انخراط الجماعة في الحركية الميدانية المواكبة لورش إصلاح الدستور هو ''إعلان'' عن الاستعداد للانخراط في ما تسميه الجماعة الخيار الديمقراطي، ثم هل ينتصر صوت العقل وسط تيارات السلطة للقطيعة مع عقلية ''استعمال فزاعة الإسلاميين'' لكبح مسار التطور الديمقراطي في المغرب حيث من الأولوياتالمطروحة هو كيف يمكن ضمان أن يشارك الجميع في صياغة مستقبل هذه الديقراطية.