النداء الذي وجهه الشيخ أحمد ياسين إلى الأمة الإسلامية عبر شبكة الأنترنيت، يدعوها إلى الخروج إلى الشوارع لتعبر عن تأييدها لإخوانها في فلسطين، هو في المنطق الشرعي دعوة إلى أضعف الإيمان، ومطالبة بأقل ما يجب على الأمة الإسلامية نحو أرض المسجد الأقصى وأهلها. فالخروج إلى الشوارع في مسيرات حاشدة تندد بعدوان اليهود أبناء القردة والخنازير على أرض المسجد الأقصى، وتنكر تسلطهم على أهلها بالفتك والإجرام، فيه مناصرة للمظلوم وإعلان الوقوف معه في صفه، وفيه تعبير عن غضب الشعوب الإسلامية والجهر بسخطها ومقتها لما يقوم به اليهود الجبناء في فلسطين من إهدار للدماء وهتك للأعراض وتخريب للديار وتدمير للعمران، وانتهاك لكرامة الإنسان، وإهلاك للحرث والنسل. وفيه بعث للقوة والحماس في أبناء فلسطين، وإذكاء شعلة التحدي والصمود في المقاومين والمقاتلين، وتشجيعهم على مصابرة عدو الله وعدوهم، وفيه إعلان إلى العالم أن الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها قائمة على صعيد واحد وعلى قلب رجل واحد مستعدة للدفاع عن إخوانها في فلسطين، وجاهزة لمشاركتهم في القتال بالأبدان والأموال لتحرير الأرض المباركة من رجس اليهود ورفع بغيهم وعدوانهم عن أبنائها الصامدين، وفيه إعلان البراءة من الحكام المهزومين الذين رضوا بالذلة والمهانة وغلبة اليهود عليهم، واستساغوا الهزيمة واستعلاء العدو الحقير على أمتهم واستخفافه بوجودهم، واستهانته بحرماتهم، وفيه دليل على أن الأمة قوية بدينها وأن الشعوب الإسلامية غير مهزومة أمام اليهود ولا مغلوبة ببغيهم وطغيانهم، ولكن عار الهزيمة إنما نزل بالحكام الذين يحمون اليهود من شعوبهم ويحولون بينهم وبين إمداد إخوانهم في فلسطين بالمال والسلاح والرجال والغذاء والدواء، بل يمنعون شعوبهم حتى من تنظيم المظاهرات المنادية برفع الظلم والعدوان عن الفلسطينيين، وذلك إمعانا منهم في إرضاء اليهود ومن وراءهم من الأمريكان وحلفائهم، وحرصا على إظهار الخضوع والخنوع لسياستهم وإرادتهم التي لا راد لها في اعتبارهم، أما الشعوب الإسلامية فإنها نائية عن الهزيمة، بعيدة عن ذلة الغلبة اليهودية لأن من خرج إلى الشارع غاضبا صارخا ثائرا فقد أبدى استعداده للذهاب إلى أرض المعركة في فلسطين، كما ذهب فعلا من قبله من أولي الغيرة والإيمان إلى البوسنة والشيشان وأفغانستان، وكذلك الذين يجودون بأرواحهم رخيصة في سبيل دينهم وأمتهم من الشباب الصالح في فلسطين، فإنهم قد رفضوا الهزيمة وتحدوا غلبة اليهود بشجاعتهم وإقدامهم الذي لا يقهر ولا يغلب. وفي الخروج إلى الشوارع أيضا إعلان برفض عملية السلم التي جنح إلىها الحكام العرب بدون مسوغاتها الشرعية ولا موجباتها السياسية ولا دواعيها القانونية، فكانت سلما خادعة لم يجن منها العرب إلا العهود الكاذبة والحقوق الخانعة والأمن الباطل، وكانت أيضا دليلا على عجز الحكام العرب عن مواجهة عدوهم الغاصب وجبنهم من صولته وسلطانه، فالشعوب الإسلامية تأبى هذه السلم التي هي في حقيقتها استسلام ذليل وإذعان مهين، ولا توافق حكامها في إمضائه والالتزام بمقتضياته، ومن أجل ذلك يكون التنديد بهذه السلم الكاذبة من خلال الشعارات التي ترفعها المسيرات الشعبية في كل الشوارع. إن المسيرات الشعبية المناصرة للقضية الفلسطينية ليست غوغائية ولا شغبا في الشوارع ولا انطلاقا عابثا للجمهور، ولكنها أسلوب بليغ في التعبير الصادق عن الغليان الذي تضيق به الصدور حزنا وأسفا على ما يجري في فلسطين من مكر عظيم وإجرام كبير، كما أن لها آثارها القوية وفعلها النافذ في مساندة المقاومة الفلسطينية ورفع معنويات المقاتلين وتحريضهم على القتال بصبر وثبات، فلماذا تمنع الحكومات العربية مثل هذه المسيرات وتحول بين الجمهور وبين ما يبتغيه من التنفيس عن همه وغمه والتخفيف من وطأة الحسرة التي تكدر حياته وتنغص عليه عيشه، فتكون الحكومات بصنيعها هذا مسايرة لسياسة اليهود الجائرة، مضادة لوجهة شعوبها ومتنكرة لجنسية بلادها وقومية رعيتها، بينما المفروض في كل حكومة راشدة منبثقة من الشعب أن تكون مشاعرها من مشاعر شعبها وأن يكون قلبها نابضا بما ينبض به قلب كل فرد من رعيتها، ففي الدول الغربية مثلا تسمح حكوماتها بتنظيم المسيرات الشعبية المنكرة لإجرام اليهود ولا تمنع شعوبها من التعبير عن رفضها وسخطها لما يقترفه أعداء الإنسانية من ظلم وعدوان في أرض فلسطين، لأنها تقدر مواقف شعوبها وتشعر بمثل ما يشعرون به من إحساسات إنسانية وعواطف بشرية نحو سفك الدماء وقتل الأبرياء، رغم أن سياسة الدول الغربية تميل إلى اليهود وتؤيد مطالبهم وتساند مقاصدهم في فلسطين، أما الحكومات العربية فإنها تظهر العداء لليهود بقولها، وتشاركهم وتساندهم في ظلمهم وبطشهم بفعلها، فالأبرياء يضربون ويقتلون في القاهرة وعمان مثلا إرضاء لأمريكا واليهود، كما يقتلون ويضربون بسلاح اليهود في فلسطين، وهذا يعني أن الحكومات العربية منفصلة عن شعوبها وبائنة عن سبيلها الذي تسير فيه، فهي لا تحمل هموم رعيتها ولا تتبنى مواقفهم ولا تشعر بما يشعرون به من آلام وأحزان، خلافا لما ادعاه وزير الخارجية السعودي إذ قال إن الحكومات العربية تمثل شعوبها، إنها كلمة هو قائلها، والواقع القائم يكذبها وينفيها. الشيخ عبد الباري الزمزمي