أكد الدكتور سعد الدين العثماني أن الثورة في مصر وتونس بالطريقة السلمية التي نهجتها أسقطت فزاعة الإسلاميين، مبرزا أن ما سماه السلوك الراشد للحركة الإسلامية في البلدين معا أفضى بشكل حاسم إلى تفويت الفرص على بعض الجهات التي كانت تحذر من الخطر الإسلامي. واعتبر رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية في حوار مع إسلام أون لاين أن النظام الأمني المنغلق والاستبدادي في هذين البلدين جعل من جماعة الإخوان في مصر وحركة النهضة في تونس منشغلتين بمعركة الوجود والاستمرار أكثر من انشغالهما بالبناء الفكري والتجديد النظري، مشددا على ضرورة أن تستفيد الحركتان مستقبلا من الإنتاج الفقهي والفكري الثري الذي برز في الساحة الإسلامية طيلة العقود الأخيرة، ولو من خارج الجماعات والحركات الإسلامية، والتحلي بالجرأة في القيام بذلك. وأفاد العثماني أيضا أن حصر دور الحركات الإسلامية في المشاركة السياسية أو عدمها ظلم كبير لمشروعها، وقال إنها نظرة غير واقعية إلى حاجات الأمة اليوم التي تحتاج إلى بناء مجتمع قوي وناهض في إطار هدي الدين.. وفي الحوار قضايا أخرى تتعلق بالحركات الإسلامية بعد ثورتي مصر وتونس.. أكد الدكتور سعد الدين العثماني أن الثورة في مصر وتونس بالطريقة السلمية التي نهجتها أسقطت فزاعة الإسلاميين، مبرزا أن ما سماه السلوك الراشد للحركة الإسلامية في البلدين معا أفضى بشكل حاسم إلى تفويت الفرص على بعض الجهات التي كانت تحذر من الخطر الإسلامي. واعتبر رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية في حوار مع إسلام أون لاين أن النظام الأمني المنغلق والاستبدادي في هذين البلدين جعل من جماعة الإخوان في مصر وحركة النهضة في تونس منشغلتين بمعركة الوجود والاستمرار أكثر من انشغالهما بالبناء الفكري والتجديد النظري، مشددا على ضرورة أن تستفيد الحركتان مستقبلا من الإنتاج الفقهي والفكري الثري الذي برز في الساحة الإسلامية طيلة العقود الأخيرة، ولو من خارج الجماعات والحركات الإسلامية، والتحلي بالجرأة في القيام بذلك. وأفاد العثماني أيضا أن حصر دور الحركات الإسلامية في المشاركة السياسية أو عدمها ظلم كبير لمشروعها، وقال إنها نظرة غير واقعية إلى حاجات الأمة اليوم التي تحتاج إلى بناء مجتمع قوي وناهض في إطار هدي الدين.. وفي الحوار قضايا أخرى تتعلق بالحركات الإسلامية بعد ثورتي مصر وتونس. برأيكم وانطلاقا من تجربتكم كأحد قياديي الحركة الإسلامية بالمغرب كيف تدرك وتتعامل الحركة الإسلامية التونسية والمصرية مع الواقع خاصة السياسي داخليا وخارجيا بعد الثورتين من خلال ما تمتلكه من قدرات، ونقاط ضعفها، وميزتها مقارنة بالقوى السياسية الأخرى، وطبيعة السياق الذي تتحرك فيه.. وهل يمكن تحييد عقباته أو تقليل مستوى تأثيرها؟ أظن أن السلوك الراشد للحركة الإسلامية كان عاملا أساسيا في تفويت فرص جهات حاولت صرف الأنظار عن حقيقة الثورة والتلويح بالخطر الإسلامي وجعل فزاعة الإسلاميين أداة للتحكم في الأحداث. ولكن واعتمادا على الخبرة الطويلة التي اكتسبتها كل من الحركتين في تونس ومصر في العمل الشعبي والسياسي والمعاناة الطويلة مع الاستبداد، جعلهما تتصرفان بمستوى عال من الوعي واليقظة والنظر البعيد. والراجح أن العوامل قد اجتمعت اليوم لنشهد تجارب جديدة وتجديدية في المشاركة السياسية بما يغني رصيد الأمة ويمكن من مواجهة أفضل لتحدياتها.. وبخصوص مستقبل الأيام يبدو أن حضور الحركتين في المشهد السياسي سيكون مؤثرا، لكنه في الوقت ذاته سيكون متأنيا ومتريثا، بالنظر لحساسية الوضع داخليا وإقليميا ودوليا. وقد كان خطاب الحركتين -على تفاوت بينهما- على العموم ومنذ عقود من الزمان خطابا مرنا وناضجا وجامعا، وأظن أنهما في ظل الاستقرار والديمقراطية سيصوغ كل منهما نموذجا متكيفا مع واقعه، مما سيفتح المجال لمشاركة أكثر انسجاما مع حجمهما وقدراتهما وتطلعاتهما. ومعلوم أن تفاعل حركة النهضة التونسية مع التجربة التركية قوي جدا، وكثير من كتب الأستاذ راشد الغنوشي ترجم منذ سنوات إلى اللغة التركية، كما أن تفاعل حركة الإخوان مع تلك التجربة مقدر ومعتبر. وينتظر أن تقوم الحركتان الإسلاميتان بدور بارز في بلديهما في المرحلة المقبلة لكن وفق تجربة خاصة، لأن كل مجتمع يصوغ تجربته حسب ظروفه وسياقاته. المشروع الاستراتيجي للحركة الإسلامية هل يمكن للحركة الإسلامية بعد الثورتين أن تتبنى مشروعا استراتيجيا لتبديد المخاوف منها والتي رسختها بعض الممارسات من قوى على أرضية إسلامية ومن تضخيم الأنظمة المستبدة ''للفزاعة الإسلامية''، خاصة في الملفات الأساسية وهي: التعامل مع الآخر، والمرأة، والديمقراطية، والعنف. في الحقيقة إن الثورة في البلدين بالنمط الذي سلكته هي من أسقطت فزاعة الإسلاميين؛ فالنظامان البائدان قد ارتد عليهما الظلم السياسي والأمني الشامل الذي مارساه، والذي عانت منه مختلف طوائف الشعب دون استثناء. فثار الجميع دون تمييز. لكن السلوك الراشد للحركة الإسلامية كان أيضا عاملا أساسيا في تفويت فرص جهات حاولت صرف الأنظار عن حقيقة الثورة والتلويح بالخطر الإسلامي. وقد عملت الحركتان في تونس ومصر بتوجيه رسائل طمأنة قوية فوتت الفرصة على الذين يريدون الاصطياد في الماء العكر. فالأستاذ راشد الغنوشي أعلن مبكرا أنه لن يرشح نفسه في انتخابات الرئاسة المقبلة، كما أكد قياديون آخرون من حركة النهضة أن هذه الأخيرة لن تتقدم بأي مرشح عنها في تلك الانتخابات. ويؤكدون أيضا أن مشاركتهم السياسية ستكون مقدرة وأن الأولوية لدى الحركة بعد نجاح الثورة سيكون هو الإسهام في تحقيق أهدافها، وأساسا إرساء نظام ديمقراطي وتحقيق العدالة الاجتماعية ووضع حد للإقصاء والتمييز ضد الأحزاب المحظورة في عهد بن علي. والكلام ذاته ورد على لسان قيادات من الإخوان المسلمين في مصر، من أنهم لن يشاركوا في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وأنهم سيقدمون مرشحين في الانتخابات التشريعية المقبلة في حدود ما يحافظ على توازنات الخريطة السياسية وتنوعها. أما على مستوى قضايا: التعامل مع الآخر، والمرأة، والديمقراطية، والعنف، فإن كان للحركتين نفس المقاربة بالنسبة لقضية العنف، رفضا له واستنكارا لأي سلوك يؤيده، فإن هناك بعض التفاوت في مقاربة القضايا الأخرى.. فإن كانا معا يتسلحان برؤية معتدلة وسطية، لكن الحركة التونسية أكثر تجديدية وجرأة وعمقا نظريا... والراجح أن التجربة الميدانية في زمن الديمقراطية والانفتاح السياسي ستمكن من تعميق تلك الرؤى أكثر. كيف تتمكن الحركة الإسلامية بعد الصورتين من تجاوز الصورة النمطية التي رسمها الاستبداد عنها طيلة العقود السابقة، وما مسؤولية الحركة عن رسم تلك الصورة، خاصة فيما يتعلق بالجانب السياسي وعلاقة الدين بالدولة؟ إن ما تعرضت له الحركتان في هذين البلدين من استهداف من قبل النظامين البائدين، أثر على أدائهما بشكل كبير. ففي تونس عانت حركة النهضة من الاستئصال السياسي والأمني، قبل أن يسلك النظام استراتيجية الاستئصال الثقافي وتجفيف منابع التدين في المجتمع. وفي مصر سلط النظام على الإخوان المسلمين أساليب قمع ومحاصرة متنوعة، إلى حد المحاكمات المدنية والعسكرية المتوالية. هذا الاستهداف جعل من الصعب على الحركتين القيام بدورهما. ويزيد من حدة ذلك الحملات الإعلامية والتشهيرية التي قادها النظامان من قبل ضد الإسلاميين وبالخصوص بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وإطلاق ما سمي ب''الحرب على الإرهاب''. قد يكون للحركتين جزء من المسؤولية فيما وصل إليه وضعهما، لكن المسؤولية الكبرى تقع على النظام الأمني المنغلق والاستبدادي في البلدين. فهو جعل الحركتين -بحكم الواقع وضغطه- مشغولتين بمعركة الوجود والاستمرار، أكثر من انشغالهما بالبناء الفكري والتجديد النظري. ومن الطبيعي أن يختلف الفكر والسلوك السائدان في مرحلة المحنة والشدة، عنهما في مرحلة الاستقرار والرخاء. في تقديري إن المعول عليه اليوم هو استفادة الحركتين من الإنتاج الفقهي والفكري الثري الذي برز في الساحة الإسلامية طيلة العقود الأخيرة، ولو من خارج الجماعات والحركات الإسلامية، والتحلي بالجرأة في ذلك، وإعطاء الأهمية للطاقات الفكرية والعلمية داخل الحركتين. بين الديني والسياسي برأيكم كيف تتعامل الحركة الإسلامية مع الشقين الديني والسياسي في رؤيتها وتفاعلها السياسي، خاصة أن جزءا من اشتراطات المشاركة في الحياة السياسية هو أن تقدم الحركة بعض التنازلات في مسائل قد تؤدي إلى التأثير في شعبيتها؟ إن مناقشة العلاقة بين الديني والسياسي ليس جديدا وليس وليد ثورتي تونس ومصر، ولكنه قديم قدم الفكر الإسلامي. ومن الطبيعي أن يكون التقبل للاجتهادات الخارجة عن المألوف فيه قليلا أو محدودا لأننا نعيش حالة تخلف فكري وحضاري شديدين، حتى إننا متخلفون عن بعض ما كتبه علماء السلف وما توصلوا إليه من سياقات وأنساق فكرية وحضارية. ورأينا أن الحركة الإسلامية مدعوة إلى تبني التمييز بين المجالين الديني والسياسي، وليس الدمج بينهما، بناء على التمييز أيضا بين ما هو ديني وما هو دنيوي. وهذا التمييز وارد في أحاديث ونصوص نبوية، فعندما يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث تأبير النخل المشهور والصحيح: ''ما كان من أمر دينكم فإلي وما كان من أمر دنياكم فشأنكم''، فإنه يقوم بعملية تمييز واضحة. وعندما يقول الصحابي الحباب بن المنذر للرسول صلى الله عليه وسلم: ''أهو منزل أنزلكه الله، أم هو الرأي والحرب والمكيدة''، فيجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ''بل هو الرأي والحرب والمكيدة''، فإنه يقوم بعملية تمييز معينة بين القرار السياسي الاجتهادي والأمر الديني المستند على الوحي. والشواهد من أقوال العلماء كثيرة في التمييز بين القرار السياسي الذي يأخذ في الاعتبار السياقات والظروف والمقاصد وبين الأمر الديني الذي يطيعه المؤمنون تعبدا، لكن حالة البساطة في الحياة الاجتماعية والسياسية من جهة والاستبداد الذي سيطر على العالم الإسلامي لقرون عدة من جهة أخرى، أديا إلى تراجع النظرات التجديدية العميقة ونسيانها. ومنها على سبيل المثال كتب الإمام شهاب الدين القرافي في عديد من كتبه ومقدماته، ومنها كتابه الرائع ''الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام''، ويقوم فيه بصراحة وبوضوح منهجي كامل بالتمييز بين تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بوصفه نبيا مبلغا وبوصفه مفتيا وبوصفه قاضيا وبوصفه إماما رئيسا للدولة. فهو يميز بين هذه التصرفات ويضع سمات معينة لكل واحد منها. وبمطالعة هذا الكتاب يتبين أن فكرة التمييز ليست جديدة وإنما هي قديمة جدا، كون شهاب الدين القرافي عاش في القرن السابع الهجري. هذا نظريا، أما على المستوى العملي فإن التمييز بين العمل الدعوي ومؤسساته، والعمل السياسي وهيئاته ربما يكون ضروريا ومخرجا من كثير من الإشكالات والإحراجات الدينية والدنيوية. وأحد هذه الإشكالات أن الدعوة بمفهومها المباشر مبنية على التبشير بالمبادئ في صورتها المثالية، بينما العمل السياسي يروم تنزيل تلك المبادئ في إطار المسموح به واقعيا؛ فالتمييز يمكن كلا من أن يقوم بمهمته ودوره دون التشويش على الآخر. والتنزيل السياسي في إطار المتاح ليس عيبا ولا نقصا، بل هو إبداع يحتاج إلى الإتقان، والله سبحانه يقول: ''لا يكلف الله نفسا إلا وسعها''. هل يمكن للحركة الإسلامية بعد الثورتين أن تقدم إجابات وحلولا لمشكلات المجتمع خاصة فيما يتعلق بسؤال النهوض والتنمية والتعايش والديمقراطية، حلولا تقود إلى الاستقرار الإيجابي والتقدم والتصالح مع الذات والعالم؟ تملك الحركتان اليوم رصيدا قويا وكفاءات بشرية متخصصة تمكنهما من الإسهام في تقديم الإجابات على قضايا مجتمعهما. والتجربة التي خاضها أبناء حركة الإخوان المسلمين في البرلمان على مراحل بينت قدرتهم على تشكيل قوة اقتراحية ذات اعتبار في قضايا التنمية والديمقراطية والتعايش. لكن أظن أن طرح الموضوع لبيان عجز الحركة الإسلامية في هذه المجالات غير سليم لأسباب؛ منها أولا أن جو الاستقرار والديمقراطية سيمكن كل طرف من المشاركة في تدبير شؤون الوطن في تفاعل مع الأطراف الأخرى؛ وبالتالي كل تدبير لقضايا التنمية سيكون تدبيرا مشتركا يسهم فيه كل طرف بما يستطيع. ومن الأسباب ثانيا أن السؤال يلمح كأن الأطراف الأخرى تملك تلك الإجابات والحلول لمشكلات المجتمع، وهذا غير صحيح، فأغلبها حكم الدول العربية لعقود من الزمان وأدت إلى ما نحن عليه اليوم. ومن المهم هنا الإشارة إلى أن السبب الرئيس لتهميش القوى الإسلامية في المنطقة وتسليط وسائل القمع عليها موقفها القوي من قضايا التبعية والاحتلال الصهيوني لفلسطين والتطبيع معه؛ أما من حيث الكفاءة والقدرة فليست أقل من غيرها من القوى السياسية. كيف تتجنب الصدام؟ لنتحدث عن مآلات عمل الحركة الإسلامية بعد الثورتين.. كيف في نظركم يمكن أن تتجنب ما ورثته من تجربتها التاريخية في الصدام مع الأنظمة القادمة، وكيف لا يتحول أصدقاء السياسة إلى أعداء الرياسة؟ هذا مآل يجب العمل على تجنبه. لكن الأمر لا يعود فقط إلى الحركة الإسلامية، لكنه يعود أيضا إلى سلوك الأطراف الأخرى، خصوصا الجهات المتحكمة في الأنظمة الجديدة، وإن كان السلوك السياسي حتى الساعة للحركتين التزم بالتأني والرفق ومراعاة الجامعة الوطنية والشركاء السياسيين والمدنيين. وهذا مبشر بمستقبل إن شاء الله أفضل في اندماج الحركتين في الواقع السياسي الجديد وإسهامهماإيجابيا فيه. لا شك أن الحركة بعد الثورتين تتعرض لنوع من الاستنزاف في الدفاع عن ذاتها تجاه الإشكالات التي ينثرها ذوو الاتجاهات الأخرى.. كيف تخرج الحركة من مربع رد الفعل وتلقي الضربات والدفاع عن الذات وتبرئة الساحة إلى طرح مشروع حقيقي على المجتمع يكون رافعه لأحلامه وليس خالقا لأوهامه، مشروع يعيد تموضعا فاعلا وإيجابيا للمجتمعات؟ أعتقد أن ما يخشى من الاستنزاف حاليا ليس إلا نقطة من بحر الاستنزاف الذي تعرضت له الحركتان في مرحلة المحنة والاستبداد. وهذا لا يعفيهما اليوم من سلوك خط الإيجابية والفعل والبناء، وعدم السقوط في فخ ردود الفعل والمعارك الجانبية والصراعات المفتعلة من قبل أطراف لجر الحركة إلى السقوط في معارك بالوكالة. وكما قلنا فقد اكتسبت الحركتان دربة في هذا المجال، لكن الرشد السياسي لأي هيئة إذ يرتبط بتجربتها، وبالتطور الديمقراطي في الوسط الذي تشتغل فيه، فإنه يرتبط أيضا بأمرين هما: أولا: الديمقراطية الداخلية وتطور آليات اتخاذ القرار وسيادة منطق المؤسسات بدل إعلاء سلطة الفرد. فديمقراطية داخلية أكثر تؤدي إلى نضج أكبر في القرارات ورشد أكبر في السلوك السياسي. وثانيا: الخبرة في مجال الصراع الفكري والقدرة على الإبداع فيه، وهو بدوره يرتبط بمدى تجديدية الحركة وقيادتها. هل الحركة الإسلامية قادرة أن تكون عامل استقرار سياسي في ظل حديث الإخوان في مصر والنهضة في تونس أنهم لن يترشحوا للرئاسة أو ربما لن يشاركوا في الحكومة المقبلة.. فعلي أي شيء يكون رهان الحركتين بعد الثورتين؟ تنافس الإسلاميين على الرئاسة من عدمه أو مشاركتهما في الحكومة أو عدم مشاركتهما، لن يغير شيئا من كونهما حركتين عريقتين، لهما تجربتان غنيتان. وقد أفادا لعقود الحركات الإسلامية وغير الإسلامية في المنطقة، وإنتاجهما الفكري والدعوي منتشر بقوة. وقد كانتا أيضا، بعد ذلك ومعه، نموذجا للصبر والثبات والمقاومة في مواجهة الاستبداد، وبالتالي هما صبرا على ما تعرضا له من قمع واستئصال لتغليبهما منطق العقل وتفضيل المصلحة العليا لأوطانهم على المصالح الذاتية، وما عاشه هذان البلدان من استقرار طوال هذه العقود راجع بالأساس إلى ما تميزت به الحركة الإسلامية من عقلانية. كما أن هذه الحركات اليوم تحتل مكانة مميزة في الفعل الاجتماعي والسياسي، وأضحت في مقدمة القوى المقاومة للاحتلال وللانسداد السياسي وللظلم ولتهميش المجتمع، فاستمرار المقاومة مثلا أمر مهم في واقع الأمة اليوم؛ لأنه يشكل سدا منيعا أمام التبعية والاحتلال، وهذه مهمة نوعية تؤديها اليوم الحركات الإسلامية. المثالية والرصيد هل دخول الحركة الإسلامية في النظام السياسي بعد الثورتين يضعف رصيد الحركة، ويخفض مثاليتها، وينزل خطابها ليلتصق بالواقع ولا يحلق في آفاق الحلم؟ إن حصر دور الحركات ذات التوجهات الإسلامية في المشاركة السياسية أو عدمها ظلم وتجن كبيران لمشروعها، ونظرة غير واقعية إلى حاجات الأمة اليوم. فنحن اليوم في أمس الحاجة إلى بناء مجتمع قوي متماسك ناهض في إطار هدي الدين، وهذه المهمة أولى من جميع المهام السياسية؛ لأنها تدمج الجوانب الدينية والجوانب التعليمية والمعرفية والاجتماعية وغيرها. والتنوع الذي تعرفه الحركة الإسلامية من هيئات ومنظمات وجمعيات وعلماء ودعاة ظاهرة صحية، فهو يمكن من بروز التخصص في الوظائف الدعوية. ونحن نستعمل الدعوة هنا بمفهومها العام الذي يدمج جميع الجهود التي تروم أن يعيش المجتمع على هدي الدين، فمنها العمل السياسي والنقابي والعلمي والوعظي والتربوي والثقافي وغيرها. والدعوة بالمفهوم الخاص هي الجهد المباشر في نشر الدين وتعليمه والتربية عليه. وبالتالي فإن دخول الحركة الإسلامية في العمل السياسي والمشاركة السياسية مفيد جدا للبلاد والعباد، ومفيد للدعوة في المجتمع. وليس من الضروري أن تقوم نفس الهيئات بالجهود الدعوية الأخرى، بل يمكن أن تقوم بها هيئات متخصصة متمايزة عنها مع الحرص على التكامل في الجهود.