قبل أيام كان وزير الخارجية الأمريكي كولن باول يتحدث أمام إحدى المؤسسات البحثية في واشنطن، فعرّج على فضائية الجزيرة وتغطيتها للأحداث في العراق. ومما قاله أن القناة القطرية قد قامت بعمل "بغيض" في تغطية الأخبار، غير أنه أضاف قائلاً بأنها تحاول أن تحسن نفسها. لم يجد باول حرجاً في الكشف، وإن بشكل غير مباشر، عما فعلته بلاده للضغط على قطر من أجل تعديل مسار التغطية الإخبارية في القناة، حيث قال ما نصه: "حين تقوم قناة بعينها (الجزيرة) بمثل هذا العمل البغيض في تقديم الأخبار، وحين تستغل كل فرصة متاحة لتحريف الأخبار وتقديمها بأبشع الطرق، يكون من حقنا أن نعبر عن رأينا وفد فعلنا". على أن التحسن الذي تحدث عنه باول لا يبدو كافياً في عرف الأمريكان، إذ أن محاولات تجري من أجل تغطية مختلفة لا تتوسل حكاية المهنية والحيادية فحسب، وإنما تساعد القوات الأمريكية وحكومتها التابعة في العراق على تثبيت أقدامها، وفيما يبدو فإن قصة عمليات الاختطاف والتعامل معها قد طرحت بشكل خاص، سيما بعد أن أدرك الأمريكان وتابعيهم أن بعض أجنحة المقاومة تستغل هذا النوع من العمليات لكسر الحصار الإعلامي الذي تتعرض له من قبل الفضائيات التي غدت عاجزة عن ملاحقة أخبار المقاومة في الميدان حيث تكتفي بخبر المصدر الرسمي لقوات الاحتلال، في ذات الوقت الذي تعمد فيه إلى التركيز على العمليات التي تصيب المدنيين العراقيين. وبالطبع فإن هذا النوع من التغطية الإخبارية هو الذي يتمتع بالمهنية والحيادية، أما بث صورة لجندي أمريكي قتيل أو عربة أمريكية مدمرة فهو نوع من الأعمال "البغيضة" التي يحق للسيد باول أن يحتج عليها بطريقته الخاصة أمام المسؤولين القطريين!! في ضوء ذلك يغدو من حقنا أن نطالب الجزيرة والفضائيات الأخرى بتطبيق ذات المستوى من الحيادية والمهنية، وذلك عبر التوقف عن التركيز على العمليات التي تصيب المدنيين العراقيين أو فسح الأصوات أمام قوى المقاومة التي ترفضها وتشكك في هوية القائمين عليها، فضلاً عن التركيز على الوجود الإسرائيلي في الشمال العراقي والمناطق الأخرى، والذي يمكن أن يرتكب الكثير من الجرائم وينسبها إلى المقاومة بغرض تشويهها. من الواضح أن المعركة كلها تدور حول المقاومة بوصفها عنصر التخريب على المشروع الأمريكي في العراق، ومن هنا فإن المشكلة هي الكيفية التي يتم التعاطي فيها مع أخبارها وفعالياتها، أكان على نحو يمنحها القوة والمصداقية أم على نحو يضر بها ويحولها إلى عبء على العراقيين كما يروّج باول والحكومة التابعة لبلاده في العراق. ولذلك لم يكن غريباً أن يشير هذا الأخير في محاضرته إلى رسالة احتجاج مماثلة على الجزيرة قدمها رئيس الحكومة إياد علاوي ، وكان مفادها حسب قوله: "هل تفهمون ما تفعلونه بآمال وأحلام الشعب العراقي حين تشجعون هذا النوع من الأشياء وتغالون فيها؟". هكذا يغدو المشروع المناهض للبرنامج الأمريكي في العراق مستهدفاً من وسائل الإعلام تحت دعاوى المهنية والحيادية، فيما يحدث ذلك خوفاً من الضغوط والتهديدات الأمريكية التي لن تقوى قطر على مواجهتها، ما يجعل من حقنا إلقاء اللوم كما ذهبنا مراراً على قوى سياسية عربية تقول إنها حية فيما لا نحس لها حياة ولا نشوراً في دعم مقاومة تدافع عن الأمة بأسرها. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني