في الجزء الثاني من هذا الحوار يدعو حسن النفالي إلى تقنين المهرجانات وإنهاء حالة الفوضى التي تعرفها وحماية الفنان المغربي من الإهانة والنظرة الدونية التي يملها عنهم بعض منظمي المهرجانات، كما يدعو إلى فرض حضور الفنان المغربي في هذه المهرجانات في جميع المهرجانات بما في ذلك المهرجانات الدولية ويعتبر أن ذلك هو الوسيلة المثلى لدعم الفنان وتطوير أدائه، وينتقد بشدة تدبير وزير الثقافة للشأن الثقافي في المغرب، ويعتبر أن معضلة تدبيره تتجلى في الأحادية وعدم إشراك الفاعلين الثقافيين والمهنيين والمثقفين والمبدعين في تدبير الشأن الثقافي، ويرى في هذا الحوار أن وزير الثقافة لم ينتج لحد الساعة أي مبادرة إيجابية، وأنه في ظل منطق الاستفراد لن يستطيع أن يواجه التحديات التي يطرحا المشهد الثقافي. الملاحظ في الآونة الأخيرة تغييب شبه تام للأغنية الوطنية واحتفاء ببعض الألوان الموسيقية الفارغة المعنى وفرض أذواق غنائية ساقطة على المشاهد المغربي بشكل مكرور وقاصد في القناتين معا وتهميش مقصود لرموز الأغنية الوطنية. كيف تفسرون هذا التوجه؟ وهل يعكس ذلك سياسة ثقافية وفنية ترمي تحقيق أهداف سياسوية؟ لا بد أن نستحضر في تاريخ الأغنية المغربية أن الثورة التي حدثت فيها، إنما كان وراءها شباب، فقد تجلت هذه الثورة في الستينيات والسبعينيات في ناس الغيوان وجيل جيلالة ولمشاهب وتكادة، ثم برز بعد ذلك رموز للأغنية الوطنية من الشباب من أمثال عبد الوهاب الدكالي وعبد الهادي بلخياط، لكن الذي كان يجمع هذه الألوان الغنائية الوطنية المختلفة أنها كانت ثورة حقيقية في الشكل والمضمون معا، بخلاف ما نراه اليوم من ألوان غنائية شبابية، فهي ثورة في الشكل من غير مضمون، ولذلك، أنا أعتقد أنها لن تستمر طويلا، وستجد طريقها إلى الاضمحلال، لأن الفن لا يمكن أن يستمر فقط بالشكل، بل لابد له من مضمون يجعله مستمرا وخالدا، فالجمالية والإبداع الفني لا تطلب فقط في الأشكال التي تؤدى بها الأغنية، وإنما تحضر في الكلمات والألحان والأداء، وهو ما حصر عليه الرواد الأوائل وضمنوا لفنهم الخلود والاستمرار، وبقي إلى الآن رغم مرور الزمن يستدر نفس الإعجاب ويلقى الجمهور العريض الذي يتجاوب معه. أما ما يعرف اليوم بالألوان الغنائية الشبابية الجديدة، فلم تحتف إلا بجانب واحد هو الشكل، ولذلك، يصعب أن تحدث الثورة في الشكل الأثر الذي تحدثه الثورة التي تشمل كل الجوانب الثلاث للأغنية المغربية، وفي هذا السياق يمكن أن نفهم التراجع الذي بدأت تعرفه هذه الألوان الغنائية الجديدة والتي تؤشر على قرب نهايتها كما انتهت ألوان غنائية أخرى عبرت في مرحلة من المراحل عن ثورات في الشكل دون أن تلتفت إلى البعد الجمالي في بقية الجوانب الأخرى. إن الثورة الحقيقية التي أنجزتها الأغنية المغربية مع روادها الأوائل كانت ثورة مضمون ومحتوى وكلمات مع أشهر الزجالة المغاربة وعلى رأسهم الفنان المقتدر الطيب لعلج وغيره، وكانت ثورة في اللحن مع أشهر الملحنين المغاربة، وكانت أيضا ثورة في الأداء مع رموز الأغنية المغربية الذين تمكنوا من أن يشقوا طريقهم الفني ويعطوا للأغنية المغربية تميزها وفرادتها. في موضوع المهرجانات الفنية، يلاحظ أولا وجود أكثر من متدخل في غياب التأطير المركزي لوزارة الثقافة، كما يلاحظ على مستوى مواد هذا المهرجانات شبه تغييب كلي للفنان المغربي في مقابل إغراق السوق المغربية بالفنان الأجنبي بما يتسبب في تعرية الفنان المغربي من أي حماية، كيف تنظرون من جهتكم لموضوع المهرجانات الفنية؟ هذا موضوع يستحق أن يعرض للنقاش وتداول الرأي فيه حتى يتم إنضاج رؤية موضوعية فيه تجعل المهرجانات الثقافية والفنية في خدمة الفن والفنان المغربي. لا شك أن توجه المغرب نحو توسيع المهرجانات الثقافية والفنية لا يمكن من حيث المبدأ إلا أن يخدم الفن والفنان المغربي، لأن المهرجان أصبح اليوم يشكل المنفذ الوحيد بالنسبة إلى الفنان المغربي من أجل تحصيل مداخيل مالية. بالأمس القريب كان الفنان ينتج أشرطة وكانت تدر له مداخيل مهمة يعتاش عليها، لكن اليوم، بسبب القرصنة، لم تعد الأشرطة والألبومات التي ينتجها الفنان تدر له كسبا ماليا يعينه في معاشه اليومي، فبقيت المهرجانات بالنسبة إليه كفضاء ومتنفس يكسب منه قوته اليومي. ثم، إن توسيع المهرجانات يفترض تنوعها، فهناك المهرجان المحلي، وهناك المهرجان الجهوي ،هناك المهرجان الوطني، وهناك المهرجان العربي أو الدولي. بالنسبة إلي، المهرجانات ذات الطابع المحلي والجهوي ينبغي أن تكون مهرجانات الفنان المغربي بامتياز، أما المهرجانات العربية أو الدولية، فشيء ضروري أن يحضر فيها الفنانون الأجانب، لكن هذا الحضور لا ينبغي أن يكون على حساب الفنان المغربي، فالأصل أن هذا المهرجان إنما تم التفكير فيه لدعم الفن المغربي وتطويره عبر الاحتكاك بالفن الأجنبي، وهو ما توفره المهرجانات الدولية أو العربية، ومن ثمة، فغير مقبول أن يتم تغييب الفنان المغربي في هذه المهرجانات، كما أنه من غير المقبول أن يتم التعامل معه كما لو كان يمثل فنانا من الدرجة الثانية أو الثالثة أو ربما العاشرة بالمقارنة مع الفنانين الأجانب، وهذا هو ما يحدث للأسف، إذ يتم الميز من حيث التعويضات المالية بين الفنان الأجنبي والفنان المغربي، مما يدعو بعض الفنانين المغاربة إلى رفض المشاركة فيها. دعني أقول لك، وأنا من الذين دخلوا غمار تنظيم المهرجانات واكتسب خبرة في الموضوع: إن ما يحدث اليوم على مستوى تنظيم المهرجانات هو أقرب إلى أن يسمى فوضى المهرجانات، بسبب عدم وجود قانون منظم لها، وعدم وجود جهة مركزية تسهر على تتبع تنظيم هذه المهرجانات. أنا لست من الذين يرون أن الأمر ينبغي أن يوكل إلى جهة مركزية تقوم بدور تنظيم كل المهرجانات، لكنني مع الذين يدعون إلى وضع قانون منظم لهذه المهرجانات، فاليوم في المغرب، يمكن لأي أحد أن ينظم مهرجانا، ويمكنه أن يستدعي الفنانين، ويمكن بسهولة أن يتملص من أداء حقوق الفنانين لأنه لا وجود لأي قانون منظم للمهرجانات يضمن حقق الفنانين ويحاسب المنظمين على عدم احترامهم لمبدأ الشفافية والمعايير الموضوعية لاختيار الفنانين. نحن نطلب على غرار الدول التي سبقتنا في ذلك، أن يشترط القانون على كل من أراد أن ينظم مهرجانا أن يوفر ثلث التكلفة المالية للمهرجان، وأن يقدم تصوره للجهة الموكول إليها النظر في صلاحية المهرجانات، حتى تمكنه الدولة من ثلث التكلفة الثانية، ليبقى الثلث الأخير من مهمته في إطار الانفتاح على المستشهرين، وأن يقدم في الأخير الجرد النهائي للمصاريف حسب ما تقتضيه قواعد الشفافية. وحتى لا تهضم حقوق الفنانين المغاربة، فإنني على غرار بطاقة الفنان، أرى أنه من الضروري اليوم أن يحصل هناك تصنيف موضوعي يحدد تكلفة كل فنان عند كل مشاركة، حتى لا تهضم حقوقهم وحتى لا يحصل بينه وبين الفنان الأجنبي التفاوت الذي يضعف صورة الفنان المغربي في نفسه ولدى الجمهور المغربي. يبدو من خلال نوع إجاباتكم أنكم تذكرون بشكل إيجابي فترة وزير الثقافة الأسبق محمد الأشعري وفترة وزيرة الثقافة السابقة ثريا جبران في حين تتناولون فترة بن سالم حميش بنوع من القسوة النقدية، كيف تفسرون ذلك؟ أنا لا أحمل أي موقف شخصي ضد بنسالم حميش، فلقد عرفته روائيا ومبدعا وفيلسوفا، لكني دائما أميز بين القدرة الإبداعية والتي لا يجادل أحد في كونه من المبدعين المغاربة، وبين القدرة على التدبير والتعامل مع المشاكل التي يطرحها الوضع الثقافي في المغرب، وإشراك الفاعلين والمهنيين في سياسة ثقافية مستوعبة ومندمجة تسعى إلى مواجهة التحديات الكبيرة التي يطرحها الراهن الثقافي. لقد حاولنا أكثر من مرة أن نفتح مع السيد الوزير حوارا لنبدي له وجهة نظرنا في المشروع الثقافي المطلوب اعتماده في المغرب، ولنؤكد على دور إشراك الفاعلين والمهنيين في إنجاح أي سياسة ثقافية من شأنها أن تخلق حراكا ثقافيا، لكن للأسف، يبدو أن الوزير غير معني تماما بفكرة الحوار والتعاون ولا بفكرة إشراك الفاعلين في المجال الثقافي. ولم نكن نجد أي محاور من طرف وزارة الثقافة بسبب عد استقرار ديوانه من جهة، وعد إعطائه أي صلاحيات للمدراء المركزيين في وزارته، فالمدراء المركزيون في وزارته لا يتمتعون بأي سلطة لاتخاذ القرارات، ويرجئون كل النقط التي يتم الحديث عنها إلى قرار وزير الثقافة. لقد عشنا في الفترات السابقة جوا من الحوار والتفاعل مع كل من وزير الثقافة السبق محمد الأشعري، والسيدة وزيرة الثقافة السابقة ثريا جبران، لكن مع وزير الثقافة الحالي، هناك شخص واحد يفهم في الثقافة لا يحتاج إلى أن يستشير غيره ولا أن يشرك معه شركاءه في المجال، مما يعكس التعامل الدوني مع المبدعين والمثقفين وعدم إشراك المنظمات والهيئات المعنية في وضع البرنامج الثقافي. وهذه هي معضلة السيد بنسالم حميش، التي قد يحلها بسهولة من له القدرة على التدبير دون أن يكون بالضرورة مبدعا أو فيلسوفا أو روائيا. أنا هنا لا أتجنى على السيد الوزير، ولكني أقول الحقيقة بصراحة لا مراوغة فيها. لقد بحثت عن إنجازات للرجل منذ أن أتى إلى الوزارة لكي لأتحدث عنها وأدافع عنها إن لم الأمر لكني لم أجد شيئا، وما نسب إليه مشاريع إنما كانت مشاريع غيره ممن سبقه اكتلت بشكل نهائي، وتام الإعلان عنها في عهده. وما عدا هذه المشاريع التي تنسب إلى من سبقه، فلا أكاد أجد إلا ضربا في المكتسبات. لقد كانت صدمتنا كبيرة حينما اتخذ الوزير القرار بحجب المنحة السنوية عن التعاضدية الوطنية للفنانين، والذي كان سيؤدي إلى أمور خطيرة لولا التدخل الملكي الذي أعاد الأمور إلى نصابها وأرجع المنحة إلى سابق عهدها. كان هذا المكسب الكبير الذي حققه الفنانون بعد أن عانوا طويلا، فتمكنوا أن يحصلوا على التغطية الصحية في إطار التعاضدية الوطنية للفنانين، جاء السيد بنسالم حميش ليحجب هذه المنحة، وهو الذي يعلم أن كثيرا من الفنانين يختتمون حياتهم طريحي الفراش من أثر المرض لا معيل لهم ولا من يجلب قوت يومهم. يضاف إلى ذلك القرار السيء الذي اتخذه ثم عدل عنه بعد ذلك، ويتعلق بمنع الفنانين من الحج على نفقة الوزارة، فقد كانت الأسرة الفنية ترشح فنانين على عهد الوزير الأسبق محمد الأشعري للحج، ثم جاءت الوزيرة السابقة ثريا جبران والتمست من وزارة الأوقاف عشرة مقاعد فتم تلبية طلبها، ليأتي بعد ذلك بنسالم حميش ويتخذ القرار بإيقاف هذا العرف، ثم يعدل عن ذلك ويكتفي ببعث فنانين فقط. ثم زاد في الطين بلة، قراره التقليص من المنح التي تقدمها وزارة الثقافة للجمعيات الثقافية، بحجة التقشف، في الوقت الذي يعرف فيه الوضع الثقافي انهيارا كاملا، وفي الوقت الذي تعتبر هذه الجمعيات أداة أساسية في الحراك الثقافي . فهل يعقل لجمعية مثل جمعيتنا ''الائتلاف المغربي للثقافة والفنون'' أن تكون ميزانيته لا تتعدى 80 ألف درهم، فهل هذا الرقم يمكن أن يفي بالبرامج والمشاريع الطموحة التي نحملها، أم إنه لا يكفي فقط لتغطية نفقات الأسفار إلى الفروع بقصد تشكيل المكاتب أو للمهام التواصلية. نحن نتساءل، هل يطلب اليوم، بعد انهيار المقروئية، وتراجع الثقافة في بلدنا، هل يطلب التقشف، أم إن المنطق يتجه إلى تبرير مزيد من الدعم لمواجهة التحديات التي يعانيها مشهدنا الثقافي. لقد استبشر الفنانون كثيرا بإخراج بطاقة الفنان، لكن يبدو اليوم، أن هناك انتقادات كثيرة تصدر من الفنانين أنفسهم يعتبرون أن هذه البطاقة لا قيمة لها، وأنها لم تضمن لهم أي شيء؟ بطاقة الفنان كانت إنجازا تاريخيا في مرحلتها، لكنها كانت الخطوة ألأولى التي تستلزم تفعيل قانون الفنان الذي كان منتظرا من الوزير بنسالم حميش أن يعكف عليه ، ففي عهد الوزيرين السابقين، فتحت أوراش لتفعيل هذا القانون، غير أنه مع وزير الثقافة الحالي، لم يتم فتح أي ورش، لأجل أن يكون لقانون الفنان الآثار المادية والاجتماعية الإيجابية الملموسة التي يستفيد منها الفنان. حتى لا يفهم أنكم تصفون الحساب مع وزير الثقافة بنسالم حميش، ما هي الأسباب الحقيقية التي جعلتكم تقاطعون معرض الكتاب؟ الأسباب واضحة وليس فيها أي بعد ذاتي مغرض: لقد تم إقصاؤنا ولم يتم إشراك الائتلاف في تقديم البرنامج الثقافي، فكان يريد منا أن نحضر كمنفذين، وليس كشركاء، وهذا لا يناسب ائتلافا جمعويا يضم مجموعة كبيرة من الجمعيات الوطنية والنقابات الفنية والقطاعات المهنية المرتبطة المعنية بالثقافة والإبداع ببلادنا. فمقاطعتنا لفعاليات المعرض الدولي هي رسالة مباشرة إلى أننا نرفض أن يتم تدبير الشأن الثقافي بشكل أحادي ذاتي في تغييب كامل للشركاء والفاعلين الثقافيين في وقت يعاني فيه مشهدنا الثقافي من اختلالات كبيرة يصعب أن يتم رفع التحديات التي تطرحها دون جهود جماعية تستدمج كل الفاعلين الذين يحرصون على تنمية الثقافة والإبداع في بلدهم، وهو ما نطلب من السيد الوزير أن يستدركه حتى لا تضيع من بين أيدينا الفرص المتبقية.