اختلف السقف السياسي للحراك الشعبي وكذا أشكاله في الوطن العربي والإسلامي. فبينما حدد الشعب المصري سقف مطالبه في إسقاط كل النظام وإعادة صياغة الدستور وسلك لتحقيق هدفه طريق الثورة التي انتهت بانهيار نظام حكم مبارك وتشكيل لجنة لإعادة صياغة الدستور وحكم البلاد من طرف مجلس عسكري وحكومة لتصريف الأعمال لفترة انتقالية، نجد أن الشعب التونسي الذي وضع نفس السقف السياسي تقريبا قد نجح في إسقاط بنعلي إلا أن فرص استمرار القسط الأكبر من النظام السياسي ما تزال قوية في ضوء الغموض الذي يكتنف مسألة تعديل الدستور وإمكانية مشاركة رموز النظام في فترة ما بعد بنعلي وكذا الغموض الذي يكتنف دور مؤسسة الجيش. في باقي الدول العربية والإسلامية، وخاصة إيران، نجد أن السقف السياسي للمطالب الشعبية تتراوح بين مطالب تغيير النظام وإعلان الثورة كما هو الشأن في اليمن، وبين إعلان إسقاط النظام والدخول في سلسلة من الاحتجاجات والانتفاضات. كما هو الشأن بالنسبة لإيران والجزائر وغيرهما. ونجد مجموعة من الدول الأخرى سقف المطالب الشعبية فيها لا يتجاوز الإصلاح السياسي وتعديل الدستور بما يضمن ديمقراطية حقيقية، وفي هذه الدول تتنوع الأشكال النضالية بين الاحتجاجات مع اعتماد آلية الحوار مع المعارضة، كما هو الشأن بالنسبة للأردن مثلا، أو إعلان الوقفات من حين لآخر وهو الشكل الأقل حدة ونجده في المغرب. ومقابل خريطة السقف السياسي تلك وأشكال الحراك الشعبي نجد ردة الفعل الرسمية تختلف من دولة إلى أخرى. غير أن أخطر الآليات التي اعتمدتها بعض الأنظمة لا تتمثل بالضرورة في مواجهة المتظاهرين بالعنف المادي النظامي. ولكن الخطير من الناحية الأخلاقية والحقوقية هو إضفاء الطابع المدني الشعبي على آليات مواجهة الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح. وأخطر الأشكال عاشتها مصر وتونس باعتماد النظامين السياسيين فيها قبل سقوطهما على المرتزقة (البلطجة) لإعطاء مقاومة الحراك الشعبي طابعا مدنيا مفاده أن من الشعب من يرفض حركة مطالب الإصلاح ! هذه السياسة أخدت طابعا غريبا في ليبيا حيث أعلن القدافي أنه سيقود ثورة ضد حكومته الفاسدة في تمت مواجهة التحركات الشعبية المطالبة بالإصلاح بمجموعات مؤيدة لقائد الثورة وأعلنت اللجان الثورية فيها وقوفها بحزم ضد المتظاهرين. وفي اليمن استبق النظام تحركات القوى الشعبية بتحريك الموالين له والذين اعتصموا في ساحة الحرية على شاكلة ما وقع في مصر ولكن ليهتفوا بحياة الرئيس وإعلان الاستماتة في سبيل استمراره في الحكم ومواجهة المطالبين بالإصلاح بشكل عنيف ودموي... وفي المغرب الذي ''تمرس'' رسميا على ''تحمل'' الاحتجاجات المزمنة مثل التي يقوم بها المعطلون نجد بوادر تعامل فتنوي مع احتجاجات المواطنين رغم أن سقفها السياسي واضح ولا يشكل أي تهديد لا أمني ولا سياسي ولا دستوري. ومند الإعلان على أشكال شعبية للتضامن مع الشعبين المصري والتونسي ووصولا إلى الإعلان عن وقفة 20 فبراير للمطالبة بالإصلاحات السياسية نجد سيلا من النداءات المعاكسة على الشبكة العنكبوتية ترفع شعارا غريبا وتنطوي على خطورة بالغة تتعلق بإدخال شخص الملك وحبه في ميدان التنازع دون وجود مبرر لذلك. وهكذا تم الإعلان عن ''مسيرة الحب'' لنصرة للملك محمد السادس في بداية الشهر قبل أن يتم العدول عنها ونجد اليوم دعوات إلى مسيرة الحب والتأييد في 19 من نفس الشهر. مع وجود صفحات على الفايسبوك يحمل بعضها اسم ''صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله'' وهو توظيف لاسم الملك في جدل بين الشباب قد يسيء للملك وصورته ومكانته. قد تكون العواطف الجياشة في غياب الوعي هي من يدفع بعض المواطنين إلى ذلك لكن الواضح أن ''جهات ما'' تستغل الشبكة العنكبوتية للعب بالنار باستدراج الشباب إلى نقاشات متطرفة لا تمثل صلب الموضوع. ورغم أن التوقيت المختار في كل النداءات الغريبة لا يتزامن مع التوقيت المحدد للأشكال النضالية للمطالبين بالإصلاح السياسي، إلا أن تلك النداءات تنطوي على خطورة بالغة ، أخطرها تلك الاعتبارات يتعلق بجعل حب الملك مناقضا للمطالبة بالإصلاح السياسي، في الوقت الذي لا يطرح فيه موضوع الملك في النقاش الدائر اليوم إلا من خلال الإصلاح الدستوري الذي يضفي على الملكية صفة البرلمانية وغيرها من الصفات. والخطير أيضا في مثل تلك الدعوات تكريس فتوى سياسية خطيرة مفادها أن كل من طالب بالإصلاح السياسي هو ضد ''حب الملك'' ! لقد كثر الحديث عن وقفة 20 فبراير، وحاولت جهات حشرها في خانة تهديد الاستقرار وفي خانة ثورة مصر وانتفاضة تونس، ودخلت أطراف في المزايدة بتلك الوقفة وإرسال الرسائل إلى من يهمهم الأمر. وكلا الطرفين على خطأ تماما. إن النقاش العمومي المفتوح حول المغرب على الأنترنيت والتحركات في الشارع تفرض على الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والجمعيات الحقوقية وذات المطالب الإصلاحية المختلفة أن تساهم بنوع من الحضور الفعال على مستوى النقاش والحراك الشعبي لتوفير ضمانات سياسة وتأطيرية وأمنية من باب تحمل المسؤولية الوطنية، وتجنيب البلد الوقوع في انزلاقات هو في غنى عنها! إن نوع طريقة التعامل مع التعبيرات الشبابية عند انطلاقتها وحدها ما يوفر الضمانات الحقيقية حول مآلاتها. وكل فشل في هذا المستوى لاشك سيتولد عنه وضع قد تعجز كل الهيئات السياسية والحقوقية مجتمعة ومعها الجهاز الرسمي، عن استيعابه، بدأ بتبلور تيار مجتمعي غير مؤطر.