يكشف النشاط التنصيري لمنظمات ومؤسسات أوربية وأمريكية غير حكومية عن حرص شديد لتشكيل أقلية نصرانية في صفوف سكان مخيمات المحتجزين في تندوف، ويزيد من خطورة هذا المسعى لدى منظمات تتخفى وراء المساعدات الإنسانية وحقوق الإنسان أنها تعتبر فاعلا أساسيا في العداء للوحدة الترابية للمغرب، عبر آليتي الضغط السياسي على مستوى مؤسسات التأثير وصناعة القرار الدولي، الأمر الذي يبدو معه التحالف بين التنصير والتجزئة وثيقا في هذه الحالة. وفوق التراب المغربي، تشير الوقائع التي تم كشفها إلى مواجهة مفتوحة ومستمرة بين المغرب، دولة وشعبا والتيار الإنجيلي خاصة؛ سواء من أوربا أو أمريكا. تبيّن معها أن هذا التيار الذي يشتغل عبر مجموعات منظمة وكذا مؤسسات تعليمية وتربوية تعتمد آليات متداخلة لعل أبرزها: التعليم للأطفال والتلاميذ، ومحاربة الأمية في صفوف النساء، وتوفير المساعدات والتمويل لمشاريع صغيرة، وتعليم المهن للفتيات خاصة. هذه المداخل تكشف عن معالم استراتيجية متكاملة للتنصير تستهدف المغرب، ليس في أبنائه بتندوف وإنما فوق ترابه، وتتجلى بوضوح شديد حين تثار قضية من هذا القبيل على المستوى الوطني وتنعكس بسرعة مثيرة على مستوى مؤسسات القرار الأمريكي أو الأوربي، يتم استغلالها لابتزاز هذا البلد في مصالحه الكبرى. ويمكن حصر عناصر هذه الاستراتيجية التي تتولى تنفيذها عدة مؤسسات متعاونة فيما يلي: 1 المدخل الإغاثي التنموي حيث تبرز أنشطة مؤسسة منتدى الدفاع باعتبارها الأكثر فعالية على هذا المستوى، أسستها سوزان سكولت، وهي مؤسسة تشكل نسيجا من الجمعيات والمؤسسات الأمريكية لا يخفون مهامهم التنصيرية، يتزعمها فاعلون حقوقيون وجامعيون وصحفيون وأعضاء في الكونغرس داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية. تعلن أنها تعمل من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن أنشطتها تقتصر أساسا على كوريا الشمالية، وعلى الصحراء المغربية. وعلى موقعها الإلكتروني تؤكد هذه المؤسسة أنها بدأت العمل لصالح الصحراويين منذ .1993 وحسب ما هو معلن من أنشطتها على موقعها فإنها قد نظمت لحد الآن ما يزيد عن 45 رحلة لمئات الموظفين والمسؤولين الأمريكيين داخل الكونغرس وخارجه، في صيغة ما تسميه '' بعثات تقصي الحقائق''، ضمنهم أعضاء في الكونغرس، وقادة المنظمات المسيحية، وهي البعثات التي كانت السبب في إنشاء مشاريع وبرامج لصالح الصحراويين في تندوف وباقي المخميات، منها برنامج رعاية الأطفال الصحراويين، وهو برنامج يستهدف الأطفال خاصة، وتشرف عليه الناشطة في صخرة كنيسة المسيح جانيت لينز، وذلك منذ .2002 وكذا برنامج ''ماراتون الصحراء'' الذي انطلق منذ سنة ,2001 وتزعم أنه بات حدثا دوليا لدى الرياضيين من جميع أنحاء العالم، وترعاه مؤسسة ''كارني للماراثون''. وهناك مشروع ''المدرسة الإنجليزية'' تقول المؤسسة إنها انشئت لأجل تعليم وتدريس اللغة الإنجليزية، ويرعاها ستيف هاجنر الذي أسس المدرسة. ثم مشروع آخر يخص جمع المساعدات والإمدادات الطبية وإرسالها إلى المخيمات ويرعة هذا المشروع الزوجان كارلوس ونانسي هوف. إضافة إلى مشروع آخر لحفر الآبار، قصد إمداد المخيمات بالماء، يشرف عليه ويموله لايف ووتر وأودو سيدايا بمشاركة سكان المخميات. وأخيرا مشروع ''رحلات للصلاة في الصحراء'' ويزعم تقرير للمؤسسة أنها عبار خدمة تقدم للمسيحيين من أجل الصلاة في مخيمات تندوف يشرف عليها وينظمها ''دان ستانلي'' وهي خدمة بدأت منذ 2002 ولا زالت مستمرة. 2 الابتزاز السياسي والحقوقي: ويتزعم هذا الاتجاه أعضاء في الكونغرس ومجلس الشيوخ، يستغلون ورقة حقوق الإنسان من أجل ابتزاز المغرب في وحدته الترابية، ومن هؤلاء نواب أمريكيون، أمثال جيمس إنهوف وسام براون باك وجيم ديمنت، وهؤلاء كما سبقت الإشارة لهم علاقة وطيدة مع مؤسسة منتدى الدفاع. ويعد جيمس أنهوف من أشرس المتطرفين دفاعا جبهة البوليساريو وأطروحاتها. وهو صاحب مبادرات في هذا السياق، منها مثلا مداخلته في اجتماع اللجنة الفرعية لإفريقيا بمجلس النواب الأميركي في نوفمبر .2005 كما تزعم تدوين رسالة إلى وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون وسفيرة أمريكا لدى الأممالمتحدة سوزان رايس، وقع عليها أيضا ثلاث نواب من الكونغرس، وسبعة من مجلس الشيوخ، يدعون فيها إلى دعم ما جبهة البوليساريو من خلال استفتاء حر وعادل ونزيه. ويندرج في هذا السياق، مبادرة مؤسسة منتدى الدفاع بتأسيس منظمة خاصة تُعنى بحقوق الإنسان في الصحراء المغربية، أطلقت عليها ''مؤسسة الولاياتالمتحدة والصحراء الغربية''، وتمكنت هذه المؤسسة من تنظيم 7 منتديات للنقاش حول الصحراء برعاية الكونغرس الأمريكي، وذلك خلال سنوات ما بين 1994 حتى سنة ,2004 كما نظمت 4 استقبالات لوفود عن ومن المناصرين لجبهة البوليساريو برعاية من الكونغرس أيضا خلال سنوات 2002 و2006 و2007 و.2008 وتلعب سوزان سكولت دورا محوريا في العداء للوحدة الترابية للمغرب، وأدلت، في هذا السياق، بشهادات أمام اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار بالأممالمتحدة خلال سنوات 2002 و2006 و2007 و2008 كما أدلت بشهادات أخرى في جلسات الاستماع التي نظمها الكونغرس الأمريكي حول الصحراء المغربية خلال سنتي 2005 و.2007 وقد عملت هذه المؤسسات على استغلال ترحيل المغرب لمنصرين في مارس 2010 مثلا، حيث عملت على الضغط على المغرب من خلال تحويل قضية التنصير إلى قضية حقوق إنسان، تجلت بوضوح في تحركات فرانك وولف نائب رئيس اللجنة الفرعية للتجارة، وعضو لجنة المخصصات المالية، والذي هدّد بعقد جلسة استماع حول ترحيل المنصرين من المغرب. كما تعمل هذه المنظمات على استغلال التقارير السنوية التي تصدرها وزارة الخارجية الأميركية حول الحريات الدينية، ثم تحال إلى الكونغرس الأميركي، حيث تشكل أداة من أدوات هذا الضغط على المغرب وعلى قضايا الحيوية. 3 المدخل التربوي والتعليمي: وتتولاه كنائس متعددة تقوم بأنشطة فعالة في تندوف والمخيمات، أبرزها كنيسة صخرة المسيح، التي تعتمد ثلاث مستويات للعمل منذ عام 1999 الأول استهداف الأطفال والتلاميذ الصحراويين، سواء في المخيمات بالتكوين في اللغات والموسيقى والفنون والتعليم، أو عبر المخيمات الصيفية التي يتم خلالها تسفير هؤلاء الأطفال إلى عدة دول أوربية وأمريكية، وبتتبع أنشطة كنيسة صخرة المسيح نجدها مثلا ترحّل سنويا ما يزيد عن 200 من الأطفال والتلاميذ إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، أعمارهم بين 10 و14 سنة، حيث يتم احتضانهم من قبل العائلات الأميركية، الأمر الذي يجعلهم عرضة للتنصير. المستوى الثاني في عمل هذه الكنيسة الإنجيلية هو العمل التكويني، سواء للنساء والشباب، عبر التكوين في المهن ومحاربة الأمية ومساعدتهم على خلق مشاريع صغيرة خاصة بهم، والوجه الثاني لهذا العمل هو تنظيم منتديات وملتقيات دولية وجهوية داخل المخيمات، حول حوار الأديان مثلا في ,2002 وتعمل على استقطاب فعاليات مسيحية من فرنسا وأمريكا وإسبانيا وجنوب إفريقيا. المستوى الثالث في عمل هذه الكنيسة هو تعبئتها لكل الفعاليات التي تعمل إلى جانبها لأن يكونوا صوتا للصحراويين، كما سبق لها أن أسهمت في تنظيم وقفة احتجاجية أمام البيت الأبيض وجولة بالكونغرس في يوليو 2007 للتأثير على سير مفاوضات مانهاست بين المغرب والبوليساريو، مما كان له تأثير على الجولة الثانية التي انعقدت في غشت ,2007 فضلا عن عملها الدعائي لمصلحة البوليساريو في الأممالمتحدة. إن المدخل الثلاث في استراتيجية التنصير تبرز بوضوح خطر هذا المشروع على المستوى المتوسط والبعيد، بحيث يتجاوز البعد العقدي، إلى الاستهداف الشامل، فهو مشروع متكامل يستهدف البنيات والتكوين المجتمعي المغربي. فهي عملية تاريخية تريد رسم مرحلة تاريخية جديدة في الذاكرة المغربية، تجعل المكون المسيحي في شقه المتطرف جزء منها.