لم يمر شهر على الإعلان الرسمي عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي كانت فلسفتها تتمحور في مواجهة جيوب الفقر وأوجه الهشاشة الاجتماعية في ضواحي المدن وبوادي المغرب، حتى توجه الموكب الملكي نحو جماعة سيدي الطيبي في 20 يونيو 2005 من أجل إعطاء الانطلاقة لبرنامج التأهيل العمراني للجماعة التي تنتمي ترابيا لإقليم القنيطرة وهي قريبة من أسوار عاصمة المملكة. أكيد أن الأمر مستعجل؟ لقد تحولت منطقة سيدي الطيبي إلى ''قنبلة عمرانية وبيئية قابلة للانفجار''. بداية قصة البناء العشوائي كانت سيدي الطيبي التي تقع على الطريق بين الرباطوالقنيطرة، عبارة عن دواوير يعيش سكانها المنتظمين في إطار الجماعات السلالية (أولاد الطالب، أولاد نصر....)على الفلاحة وتربية الماشية. سنة 1992 وفي إطار التقسيم الإداري الجديد ستستقل سيدي الطيبي كجماعة قروية كن جماعة الحدادى. في أواسط التسعينات من القرن الماضي، عرفت منطقة السي الطيبي نزوحا جماعيا للآلاف من المواطنين. فأراضي هذه المنطقة هي أراضي للجموع في الأصل. بمعنى أنها أراضي يمنع بيعها أو تفويتها، وإنما هي صالحة للاستغلال الفلاحي أو لإقامة أنشطة أخرى من طرف السلالة التي ترثها عن أجدادها. لكن أمام أزمة العقار التي عمت جل مناطق المغرب قام مجموعة من المسؤولين بالسماح للسلالات التي تعيش في أراضي أجدادها بتفويت الأراضي وبيعها. فانطلقت مسيرة البيع وبدأت بثلاثة دراهم فقط للمتر الواحد فعشرة دراهم حتى 70 درهما لتبلغ 1000 درهما في نهاية الأمر. هذا الأمر جعل المئات من العائلات تنزح لمنطقة غير مهيئة للبناء لتشيد منازلها فوق فرشة مائية قريبة من السطح وفي أرض غير مجهزة ولا خاضعة لقانون البناء المتعارف عليه. بوجه ينم عن حالة التذمر(م.ب) أحد أعيان المنطقة يصيح: في ظرف 10 سنوات تحولت جماعة سيدي الطيبي إلى مدينة شبح يخترقها البناء العشوائي بعدما كانت قرية فلاحية يرعى فيها الغنم ويتنزه فيها البشر. سألناه: من المسؤول عن ذلك التحول المفاجئ. أجاب بنبرة استهزائية: الجميع هنا يعرف بأن سلطات القنيطرة كانت على علم بما يحدث هنا. حتى وصلت المساحة التي يمتد عليها البناء العشوائي 700 هكتار، دون مرافق صحية ولا تعليمية ولا اجتماعية، إنها عبارة عن''قبور إسمنتية''. التجول في دروب الحي أشبه بتفحص صور مدن أصابها الإعصار، منازل مشتتة وأزبال منتشرة في كل مكان، وتداعيات الحرب على الدور ماثلة. آلاف المنازل بنيت بدون تصاميم. هناك شبه غياب للمرافق الضروروية . أغلب التلاميذ يضطرون للمخاطرة عبر الركون في الحافلات المؤدية نحو القنيطرة لمواصلة حضور دروس التربية والتكوين. جريمة كبرى عبد الكريم بنجويدة متقاعد في عقده السادس، يتكلم بنبره ملأها الحسرة وبقلة نفس: أحد السماسرة وهو معروف باسم ''السلاوي'' قام بشراء ضيعة من سلاليين كانت قبل 2008 أرضا فلاحية ب 50 درهم للمتر فقط، وأعاد بيعها بالتقسيط بثمن يتراوح ما بين 300 و 400 درهم للمتر الواحد بتواطؤ مع منتخبين كانوا يوفرون له الحماية حسب المصدر، بل أخطر من ذلك أنه قام بنفسه ببناء بيوت صغيرة مساحتها ما بين 60 ,50 مترا أمام مرأى ومسمع المسؤولين ويبيعها للضحايا الذين يطمئنون لشرائها ما دامت تبنى في واضحة النهار، إذ عادة ما يتم البناء غير القانوني في سيدي الطيبي ليلا. وحسب مصادر متطابقة فقد كان المدعو السلاوي يطالبهم بالمزيد من المال مقابل البقع متذرعا بكونه يدفع لآخرين من أجل غض الطرف عن صفقاته. لقد ظلت سيدي الطيبي، حسب عدد من ساكنتها، عبارة عن بقرة حلوب للبعض، بفعل امتدادها على أراضي شاسعة مملوكة للجماعات السلالية. معضلة البناء العشوائي التي أضحت إحدى المشاكل الاجتماعية العويصة ما كانت لتكون، وفق قيادي محلي لحزب رمز الزيتون، لولا تواطؤ المنتخبين مع جهاز الوصاية ما جعل سيدي الطيبي مدينة شبح نبتت فيها المساكن العشوائية على حساب الأراضي الفلاحية والمياه الجوفية والغابات والأراضي الفلاحية الخصبة ما يشبه كارثة بيئية بامتياز. إعادة الهيكلة مكلفة جدا وجدت السلطة فجأة أن ''الوضع أصبح كارثي'' نظرا لما يجلبه البناء العشوائي من ظواهر اجتماعية وأمنية مقلقة، فما كان منها سوى أن هيأت مشروعا لإعادة الهيكلة. هذا الأخير كان يستهدف في شطره الأول الذي أعطيت انطلاقته في يونيو 2005 مساحة 95 هكتارا ويتضمن إعادة هيكلة 3800 قطعة أرضية بغلاف مالي يناهز 183 مليون درهم، وسطر أمام أنظار الملك محمد السادس للمشروع أن ينتهي في شتنبر 2007 قصد الانطلاق لتدشين المشروع الثاني. ماذا تحقق الآن؟ يؤكد محمد كني، الرئيس الحالي للجماعة، من أصل 95 هكتارا يستهدفها المشروع الأول لم يتحقق سوى تجهيز 66 هكتار فيما تظل 31 هكتار خارج إعادة التهيئة. ليظل واقع الكارثة ماثلا أمام العيان. لقد بدأ مشروع الهيكلة والتجهيز مع الزيارة الملكية لسنة .2005 كان الهدف هو هيكلة 75 بالمائة من إجمالي المدينة إلى حدود سنة .2007 لكن الواضح أن التجهيز لم يتعد نسبة 20 من إجمالي المساحة. وفق إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط فإن 320 ألف أسرة مغربية ماتزال ونحن في الألفية الثالثة تقطن داخل فضاءات تعتبرها السلطات نقط سوداء للسكن العشوائي، وتفيد نفس الإحصائيات بأن 50 في المائة من هذه الفضاءات تقع على ساحل المحيط الأطلسي وتمتد ما بين القنيطرة وآسفي. يستهدف إعادة التأهيل العمراني، الذي قدم لجلالة الملك مرتين تأهيل 18 ألف قطعة. ويبلغ الغلاف المالي المخصص للعملية حوالي مليار درهم. لقد انتشر البناء العشوائي، ليمتد على مساحة 700 هكتار. تداخلت عوامل لتشجيع الانتشار، منها الرغبة في الاغتناء غير المشروع والمنطق الانتخابي وسكوت السلطة الاقليمية عن الوضعية. فكانت النتائج شبه كارثية: تلوث الفرشة المائية، انتشار الهدر المدرسي، غياب كل المرافق الاجتماعية والصحية والمدرسية. حسب تصريحات مستقاة من عين المكان، فإن المسؤولين سنة 2005 لم يكتفوا بالتغطية على حجم ''الكارثة العمرانية''، بل إنهم كذبوا ، حينما تم التصريح أن الجماعة استفادت من الماء الصالح للشرب والكهرباء والتطهير في حين لم يتحقق أي من ذلك. (ن.ع) رئيس جمعية بسيدي الطيبي يتحدث: سكان سيدي الطيبي أشبه بمن دمرت منازلهم في زلزال، ففي الوقت الذي يجولون بأنظارهم ويرون شساعة الأراضي، لكنهم يسكنون في بيوت من 55 متر مربع وبدون أدنى شروط العيش الكريم.