أعادت الأحداث الأخيرة التي عرفها حي الخالدية بمكةالمكرمة، والتي تم فيها تبادل إطلاق النار وسقوط عدد من القتلى والجرحى، إلى فتح ملف أحداث الحرم المكي لسنة 1979، وتجديد الموقف الإسلامي الصريح في مواجهة أي محاولة لزعزعة الاستقرار أو إرباك الأمن في الحرم المكي. انطلقت الأحداث يوم الثلاثاء فاتح محرم 1400 الموافق ل20نونبر1979 عندما أقدمت مجموعة من الشباب المرتبطين بجهيمان بالسيطرة على الحرم والاعتصام داخله بعد إدخال السلاح إليه في نعوش الموتى، وتم جمع المصلين الموجودين في الحرم وإعلان محمد بن عبد الله القحطاني على أنه المهدي المنتظر والمطالبة بجمع البيعة له، ، وجرت مناوشات مسلحة بين قوات الأمن والمقتحمين وتمت السيطرة على مختلف المرافق الحيوية والمواقع الحساسة في الحرم، وقد استمرت هذه العملية إلى غاية يوم الثلاثاء 15محرم 1400 الموافق ل 4 دجنبر1979، أي لمدة أسبوعين، وقد شكل الحدث مفاجأة كبيرة هزت أركان العالم الإسلامي بمختلف فئاته وتوجهاته، لا سيما وأنه جاء مع مطلع القرن الخامس عشر الهجري، وفي شهر من الأشهر الحرم وهو شهر محرم. اعتبر الحدث آنذاك انتهاكا لحرمة المكي الشريف واستهدافا لهيبته ومكانته في الأمة، كما ترتب عنه سفك للدماء وقتل للأبرياء من المصلين، الذين تواجدوا في ذلك اليوم بالحرم، والأمر الشرعي صريخ في عدم القتال بالمسجد الحرام إلا في حالة الدفاع حيث قال تعالى"ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم"، .وقد عبرت مجلة المجتمع في عددها رقم 459 مباشرة بعد الحدث عن الموقف المطلوب حيث اعتبرت أن" ما يعنينا جميعا-أمة محمد صلى الله عليه وسلم- هو انتهاك حرمة بيت الله وجعله أحد ميادين الصراعات السياسية.. فالحرم الشريف لا يحل لأحد أن يتقاتل فيه مهما بلغت مرتبة هذا الشخص الدينية أو السياسية.. هذا ما تمليه علينا مجموعة من النصوص: - يقول النبي صلى الله عليه وسلم" فأن هذا بلد حرام ..حرم الله يوم خلق السموات والأرض وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة.. وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي.. ولم يحل لي ساعة من نهار.. فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة" متفق عليه. - وقال صلى الله عليه وسلم" إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس..فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما" متفق عليه. - وقال صلى الله عليه وسلم" لا يحل لأحدكم أن يحمل السلاح بمكة" رواه مسلم. وأضافت المجلة أن العلماء اختلفوا حتى في السماح للسلطات باللجوء للقتال في مواجهة الخارجين والبغاة إذا ما لجئوا إلى الحرم، فالماوردي يقول" من خصائص مكة أن لا يحارب أهلها..فلو بغوا على أهل العدل فأن أمكن ردهم بغير قتال لم يجز- أي لا يجوز قتالهم- وإن لم يكن إلا بالقتال فيقاتلون لأن قتال البغاة من حقوق الله فلا يجوز إضاعتها.. وهو رأي الجمهور. واعترض ببعض الفقهاء على قتال السلطات للائذين ببيت الله مثل النووي وغيره ولم يجوزا قتالهم بل يضق عليهم إلى أن يرجعوا إلى الطاعة. أما عن حمل السلاح داخل الحرم فلم يجوزه الفقهاء إلا بالضرورات الملحة مثل حفاظ الأمن وتأكيد سلامة رواد بيت الله." ولهذا فأي عمل يؤدي لانتهاك حرمة البيت الحرام هو عمل مرفوض ومدان ومستنكر ويمثل كارثة حقيقية على صورة الإسلام والمسلمين.