سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الدكتورة مونية رحيمي (الباحثة في نزاع الصحراء والمتخصصة في العلاقات المغربية الأمريكية) ل"التجديد": لا يكفي أن نأمل في كسب قضيتنا الوطنية فحسب بل علينا التحضير لما بعد النزاع
الدكتورة مونية رحيمي متخصصة في العلاقات الدولية، وقد حصلت على شهادة الدكتوراه سنة 2006 من جامعة محمد الخامس في موضوع نزاع الصحراء في إطار السياسة الأمريكية، الذي تابعت فيه السياسة الأمريكية وموقفها من النزاع حول الصحراء، ووقفت من خلال مسار هذه السياسة على المحددات الرئيسة التي تحكم الموقف الأمريكي من هذا الملف. وانتهت في أطروحتها إلى خلاصة كبيرة مفادها استمرار الوضع على ما هو عليه إلى أجل غير مسمى في انتظار حصول تحول محكوم بمتغيرين أساسيين، يتعلق الأول بتغير القيادة الجزائرية من القيادة العسكرية النافذة والمتنفذة إلى قيادة ديمقراطية، ويتعلق الثاني، بالتزام المغرب لمقاربة تمزج بين الديمقراطية والتنمية، تلك المقاربة التي من شأنها حسب الدكتورة تفادي الأخطاء السابقة وتشكيل قطب جدب واستقطاب لكل مغترب عن وطنه لاسيما الذين يعانون في مخيمات تندوف. في هذا الحوار، تقيم رحيمي مجمل التطورات التي عرفتها قضية الصحراء بعد أحداث العيون الأخيرة، وترصد نقاط قوة وضعف الموقف المغربي، وتقيم الدبلوماسية الجديدة التي اعتمدها المغرب لمواجهة التحديات والتداعيات التي نتجت عن أحداث العيون. كما ترصد في هذا الحوار المواقف الدولية من التطورات الأخيرة، وتخلص إلى أن أحداث العيون لم تساهم في تغيير موقف المجتمع الدولي من نزاع الصحراء كما كان يتوقع خصوم الوحدة الترابية، على اعتبار أنها لم تخلف تداعيات لها علاقة بالأمن والاستقرار الدوليين، كما أنها لم تخلق لدى الدول مفارقات في رؤية الأحداث من شأنها أن تنتج مواقف جديدة أو تكرس المواقف المناصرة للانفصال، كما خلصت في تقييمها للتدبير الدبلوماسي المغربي إلى أن المغرب قد بذل أقصى مجهوداته رسميا وشعبيا لاحتواء تداعيات أحداث العيون وضواحيها، وأنه قد نجح إلى حد بعيد في فرض مصداقية قضيته الوطنية وتوضيح حقيقة الأوضاع للرأي العام الوطني والدولي. حاورها بلال التليدي قام المغرب بتحريك آليته الدبلوماسية بجميع مستوياتها ، الرسمية من خلال المداخلة القوية لوزير الخارجية في البرلمان الأوربي، والشعبية من خلال المسيرة المليونية التي نظمت في البيضاء، والحقوقية من خلال تشكيل لجنة من العديد من الجمعيات الحقوقية لتقصي الحقائق، والبرلمانية من خلال تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، والإعلامية من خلال استثمار الأخطاء التي انزلق فيها الإعلام الإسباني، بل وحتى المعركة القضائية. كيف تقيمون هذه الآليات، وهل يمكن أن تعود على الموقف المغربي بالدعم الدولي لمقترحه في الحكم الذاتي؟ مما لاشك فيه أن المغرب قد بذل أقصى مجهوداته رسميا وشعبيا لإحتواء تداعيات أحداث العيون وضواحيها، وقد نجح بالتأكيد إلى حد بعيد في فرض مصداقية قضيته الوطنية وتوضيح حقيقة الأوضاع للرأي العام الوطني والدولي...غير أن هذا لا يمكن أن يشكل بأي حال من الأحوال معبرا أو وسيلة للحصول على الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي، علما أن هذا المقترح قد حصل فعلا على دعم دولي خلافا لجميع المقترحات الفارطة والتي باءت بالفشل..ويظل المشكل الوحيد هو موافقة البوليساريو عليه، وبالتالي مصادقة الأممالمتحدة على بنوده... وما هي حصيلة الموقف الدولي من مبادرة الحكم الذاتي؟ من الناحية المبدئية، نستطيع القول أن هناك إجماعا دوليا حول ضرورة إيجاد حل سياسي عادل ودائم لنزاع الصحراء الذي طال أمده ولم تتبين أية ملامح حل نهائي لحد الآن... وإذا أخذنا نموذج الدول الأساسية التي يهمنا موقفها من هذا النزاع، سنجد أن موقف الحكومة الإسبانية مثلا (رغم كل ما يمكن ملاحظته من ازدواجية في المواقف بسبب الضغوطات التي تمارسها المعارضة خاصة الحزب الشعبي وحزب اليسار الموحد والحزب الباسكي، والمجتمع المدني المناصر لأطروحة البوليساريو) فإنه موقف يصب في نهاية المطاف بالترحيب بمقترح الحكم الذاتي لأهالي الصحراء وهو ما يبدو جليا من خلال تصريحات رئيس الحكومة الإسبانية لويس ثاباتيرو، ووزير خارجيته السابق ميغيل أنخيل موراتينوس الذي اعتبر أن مقترح الحكم الذاتي المقدم من طرف المغرب (والذي شكل أساس الجولات الأربع من المفاوضات التي احتضنها منتجع مانهاسات بضواحي نيويورك) يقدم أطروحة جديدة تكتسي أهمية بالغة من شأنها أن تمنح دينامية جديدة للخروج من المأزق الحالي للنزاع. وإذا أخذنا محتوى وثائق ويكيليكس بعين الإعتبار، فإن هذه الأخيرة من جهتها كشفت بجلاء أن إسبانيا تؤيد مخطط الحكم الذاتي، وأن الإشكال المطروح هو كيفية فرضه كحل للنزاع.. أما الموقف الفرنسي، فيمكن قراءته من خلال ممثلها الدائم أمام الأممالمتحدة السيد Jean Maurice Ripert خلال مداخلته أمام مجلس الأمن بتاريخ 30 أبريل 2009 الذي عبر عن مدى أهمية المقترح المغربي للحكم الذاتي الذي يشكل في نظر فرنسا قاعدة لمفاوضات ذات مصداقية ، بناءة ومحترمة لمبدأ حق تقرير المصير...ومن جهته، لا يختلف الموقف الأمريكي عن نظيره الفرنسي، إذ نلاحظ دعما للمقترح المغربي منذ بداية طرحه أمام أنظار الأممالمتحدة. أشير على سبيل المثال إلى الرسالة التي تقدم بها 173 عضوا من أعضاء مجلس النواب وعدد من أعضاء لجنة العلاقات الخارجية إلى الرئيس بوش بتاريخ 6 يونيو 2007 يحثونه على دعم المقترح المغربي، كما أن وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت وعدد كبير من مفكري السياسة الخارجية الأمريكية قد ثمنوا بقوة المبادرة المغربية. ونفس محتوى الرسالة أرسلها 233 من أعضاء مجلس النواب إلى الرئيس أوباما بتاريخ 3 أبريل 2009 يتبنون فيه موقف الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ''بيتر والسون '' الذي خلص إلى القول بأن استقلال الصحراء الغربية هو هدف غير قابل للتحقق... وحث على أن تكون الجولات المقبلة من المفاوضات قائمة على أساس موضوع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية...وقد تمنوا أن ينحو الممثل الخاص الحالي ''روس'' نفس منحى سابقه... وعبروا عن قناعتهم التامة بأن هذا المقترح يظل الحل الفعال الوحيد لحل نزاع الصحراء الغربية.... وبتاريخ 16 مارس 2010 بعث 54 سيناتور أمريكي على غرار أعضاء مجلس النواب برسالة إلى الرئيس أوباما يحثونه على دعم مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب ... وطبعا نفس الأمر ينطبق على تصريحات مسؤولي الحكومة الأمريكية بما في ذلك وزارة الخارجية والبيت الأبيض الأمريكي لا يتسع المجال لذكرها كاملة.... يلاحظ كثير من المحللين أن أحداث العيون تم التخطيط لها بدقة من قبل الجزائر والبوليساريو وذلك من خلال الرهان على العائدين، واستثمار الورقة الاجتماعية والحقوقية والإعلامية. كيف تقيمون تعاطي المغرب مع هذه الاستراتيجيات لاسيما وأنه كان حديث عهد بالخروج من أزمة أمينتو حيدر التي تؤشر على وقوع تحول نوعي في مناورات خصوم الوحدة الترابية؟ إن ما حدث في العيون هو مؤامرة مدبرة بكل ما تعني الكلمة من معنى لإثارة الفتنة وزعزعة الأمن والإستقرار، وتغليط الرأي العام الوطني والدولي حول حقيقة الأوضاع في أقاليمنا الجنوبية... ويبدو من وتيرة هذه الأحداث المتوالية والمستجدة على الساحة المغربية أننا أصبحنا أمام معطيات نوعية لم نعهدها من قبل، مما يضعنا أمام تحديات جديدة وحقيقية عنوانها ''بوليساريو الداخل'' إن صح التعبير، وهو ما يفسر تذبذب استراتيجية تعامل المسؤولين المغاربة معها وسوء تدبيرهم لها من البداية، والسؤال المطروح: أين اختفى الهاجس الأمني للمسؤولين المغاربة حينما سمحوا بتنصيب هذا الكم الهائل من الخيام الذي آوى ما يزيد عن 12 ألف شخص؟ وأين كان المخزن المغربي حينما سمح بانتقال هذه ''الإنتفاضة'' من ضاحية مدينة العيون إلى قلب المدينة بكل تلك السهولة؟ واسمح لي أن أستغل محتوى سؤالك هذا لكي أؤكد على مبدأ أساسي هو أن احترام حقوق الإنسان لا يعني البتة الإذعان لضغوطات الآخرين على حساب كرامة شعب بأكمله، وتعريض استقرار الدولة وأمنها من أجل تقديم مجاملة في غير محلها أو دفع ابتزاز.. وعليه فإن حقوق الوطن تسمو فوق حقوق الأفراد، ولا ثبات لدولة الحق والقانون دون ترسيخ مقومات الأمن والإستقرار... راهن المغرب مؤخرا على سياسة دبلوماسية هجومية تعتمد من جهة طرح القضية الحقوقية (محتجزي تندوف) واستثمار الورقة الإعلامية (أزمة الصحافيين المغاربة في الجزائر) ومحاولة فضح الواقع الحقوقي في مخيمات تندوف (قضية مصطفى ولد سلمي) كيف تقيمون أداء هذه الدبلوماسية وما المكاسب التي حققتها على الأرض؟ لا أملك إلا أن أقول بأن المغرب قد وفق في هذا الرهان إلى حد بعيد، وأن هذا ما يجب أن يتم فعلا.. فللأسف الشديد، وطوال هذه المدة الطويلة من النزاع كان هذا الملف حكرا على وزارة الداخلية، ولم يكن الإعلام المغربي يسرب من الأخبار والمعلومات إلا بما تسمح به هذه الأخيرة.. كما أن المنطق الأمني والمخزني كان هو الطاغي في تدبير هذا الملف.. غير أنه مع هذا الأسلوب الجديد وإثارة الجانب الحقوقي على الخصوص في تدبير الملف..نستطيع أن نتفاءل خيرا على مستوى مستقبل السياسة الداخلية للمغرب خلافا لما كان عليه الأمر من قبل...وأهم مكتسب: تعريف الرأي العام الوطني والعالمي بحقيقة الأوضاع والدفع بعجلة حقوق الإنسان إلى الأمام بصورة تحفظ بها كرامة الشعب المغربي والمصالح الحيوية للمغرب دون أن نضطر للوقوع في مستنقع التنازلات والإستهانة بتطلعات الرأي العام المغربي بهيئاته السياسية والمدنية. من النتائج التي تم استخلاصها من أحداث العيون الأخيرة أن التدبير الناجع لملف الصحراء وتحصين الوحدة الترابية لا يمكن أن يتم من غير اعتماد مقاربة تزاوج بين البعد الديمقراطي، والبعد التنموي. في نظركم إلى أي حد يمكن للمغرب أن ينجح في هذا التحدي المزدوج لاسيما وأن خصوم الوحدة الترابية أصبحوا يجعلون من المسألة الاجتماعية والعدالة الاجتماعية الورقة الرئيسة في مناوراتهم ضد المغرب؟ سيكون من المؤسف جدا إذا تم استخلاص هذه النتيجة إثر أحداث العيون فقط... لأن هذه حقيقة جوهرية في التعامل مع ملف الصحراء الغربية، ومع جميع مناطق المملكة دونما أي استثناء.. وكان يجب التنبه إلى ذلك منذ زمن بعيد خلال تدبير هذا الملف.لأن من شأن تنمية حقيقية أن تشكل قطب جذب واستقطاب لكل مغترب عن وطنه سواء ممن يعانون شظف العيش في مخيمات تندوف، أو ممن يحملون حتفهم على أكتافهم في قوارب الموت. وعليه، فإن إلزامية تنمية أقاليم الجنوب، بكل ما يعنيه مفهوم التنمية من دلالات اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية، يعتبر تحديا حقيقيا للمغرب...إن الدولة المغربية مطالبة بأن تصب جام اهتمامها على تنمية الإنسان الصحراوي، وليس المجال الصحراوي فحسب، لأن تنمية جدية من هذا النوع هي وحدها الكفيلة بإعادة الإحساس بالهوية الوطنية المغربية بدلا من اللهث وراء جمهورية صحراوية دون بطاقة هوية..كما أنه من المؤكد أن إقرار الحياة السياسية الديمقراطية في الدولة المغربية سيظل السبيل الأمثل لتطعيم القوى السياسية الشعبية والرسمية بالطاقة الرافعة التي ستمكن من تجاوز أزمة أقاليمنا الجنوبية الراهنة. تتبعتم عبر كتابكم ''النزاع حول الصحراء في إطار السياسة الأمريكية'' الذي صدر مؤخرا الموقف الأمريكي من قضية الصحراء منذ سنة ,1974 في نظركم ما هي المحددات الكبرى التي تؤطر هذا الموقف؟ وما هي الخيارات التي يملكها المغرب لدفع الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى دعم قوي لمقترح الحكم الذاتي؟ بناء على عدد من المعطيات والمؤشرات، خلصت إلى اعتبار أن السياسة الخارجية الأمريكية قائمة على أساس اتباع أسلوب التوازن الذي يخضع في جوهره لتجاذب مصالح الولاياتالمتحدة بين المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية. وما سعي هاتين الدولتين إلى تعزيز علاقاتهما بواشنطن إلا من أجل تفادي فرض حل ما لا يتماشى مع مصلحة أحد الطرفين. فكان من أهم نتائج هذه السياسة هو استمرار الوضع القائم على ما هو عليه دون أن تتوضح معالم مستقبل هذا النزاع ودون أن يكون للدور الأمريكي تأثيره المباشر في تسويته. وعليه، فإن حل نزاع الصحراء ظل يدور في حلقة مفرغة بحيث كلما خطا خطوة إلى الأمام إلا وتراجع خطوات إلى الوراء. وهنا تجدر الإشارة إلى مسألة أعتبرها من الأهمية بمكان، ذلك أنه لا توجد ''سياسة صحراوية'' للولايات المتحدةالأمريكية، بمعنى ليس لها سياسة خاصة تجاه ''الصحراء الغربية'' كمنطقة قائمة بذاتها كما تدعي كل من البوليساريو والجزائر، بل إن السياسة المنتهجة لحد الآن تخضع في جوهرها لتجاذب مصالحها بين المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية. وهنا أفتح قوسا آخر لأميز بين أمرين: الموقف الأمريكي من النزاع حول الصحراء والسياسة الأمريكية تجاه هذا النزاع، فحينما نتحدث عن الموقف الأمريكي، فإن الأمر يرتبط باعتقاد ثابت في الرؤية الأمريكية إزاء هذا النزاع، أساسه الإعتراف باتفاقيات مدريد الثلاثية عام ,1975 وما يستتبعه ذلك من اعتراف بالسلطة الإدارية للمغرب على إقليم الصحراء دون الإعتراف بالسيادة عليه. أما فيما يخص السياسة الأمريكية المتبعة إزاء ''ملف الصحراء، فإننا في محصلة الأمر نجد أنفسنا أمام سياسات عديدة ومختلفة من إدارة إلى أخرى حسب الأسلوب الذي تراه الأنجع للتعامل مع مثل هذه النزاعات. وقد لاحظنا على مدار الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عهد فورد، أنه وإن كان جوهر الموقف لم يتغير، فإن سياسة كل إدارة اختلفت عن سابقتها وتميزت عن لاحقتها حسب الظروف الدولية والإقليمية ومدى تأثيرها على نهج سياسة دون أخرى. إلا أنه يمكنني القول أن النقطة المركزية في الموقف والسياسة الخارجية الأمريكية من هذا النزاع، هو رفض الولاياتالمتحدة لحد الساعة لإستقلال الصحراء، لأن من شأن خلق دويلة صغيرة في فضاء مغاربي يعاني مسبقا من تراكم النزاعات والتوترات أن يكرس عدم الإستقرار، مما سيكون عائقا أمام الإستراتيجية الأمريكية الخاصة بالمنطقة. وستصبح دولة صحراوية في هذه المنطقة مرادفا لنزاعات دائمة بين دول المغرب العربي.. وهو ما يفسر مساندة واشنطن للمقترح المغربي الخاص بالحكم الذاتي. وعليه، فإنه من أجل تعزيز الدعم الأمريكي وضمان استمراريته، يلزم المملكة المغربية أن توجه تحركاتها ليس على المستوى الدبلوماسي فحسب، بل إن إقناع الرأي العام الأمريكي من خلال التمكن من إقناع أعضاء الكونغرس بالرؤية المغربية للنزاع وعدالة قضيته الوطنية كفيل على الأقل بتخفيف حدة معارضة الكونغرس. وأفضل السبل لتحقيق هذا المبتغى إلى جانب تكوين لوبيات الضغط، هو تشجيع مراكز البحث العلمي في وطننا وخارجه على خدمة الأطروحة المغربية ودحض مزاعم الانفصاليين ومن يساندونهم من النخب السياسية والفكرية. لأن من شأن هذا النوع من التحرك أن يخلق مجالات واسعة وآفاقا واعدة لمناقشة الموضوع على مستوى هذه النخب، لا أقول النخبة المغربية، لأن هذه الأخيرة لا ينتابها أي شك في مغربية الصحراء رغم تحفظاتها على التدبير الرسمي للملف، ولكني أقصد النخبة الأجنبية الأوربية والأمريكية على الخصوص. تتبعتم عبر أطروحتكم للدكتوراه الموقف الأمريكي من قضية الصحراء منذ سنة ,1974 في نظركم ما هي المحددات الكبرى التي تؤطر هذا الموقف؟ وما هي الخيارات التي يملكها المغرب لدفع الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى دعم قوي لمقترح الحكم الذاتي؟ أقترح عليك الإشارة إلى كتابي الذي صدر حديثا عوض الإشارة إلى الأطروحة.. من قبيل الإشهار.. في ختام هذا الحوار، كيف تنظرين إلى سيناريو مستقبل نزاع الصحراء المغربية؟؟ يعتبر الحديث عن مستقبل هذا النزاع، واستبصار آفاقه ونهايته من انشغالات الرأي العام المغربي قيادة وشعبا نظرا لصعوبة إدراك مآلية الوضع واستقراء الآتي. والحالة هذه، فإنني أرى أن مستقبل النزاع يتأرجح بين سيناريوهان أساسيان: ] السيناريو الأول: ما يسمى ب statu quo أي استمرار الوضع على ما هو عليه(على الأقل على المدى القريب والمتوسط) في انتظار تحول هذا الأمر الواقع، شريطة بروز عدد من المتغيرات أحصرها في عنصرين أساسيين: أما وأن الجزائر هي الطرف المعني بهذا النزاع مباشرة ومن جميع النواحي، وكون البوليساريو أداة طيعة في أيادي الجنرالات التي تحكم الجزائر بالدم والحديد رغم الهالة التي اكتسبتها جراء الدعاية الدبلوماسية والإعلامية.. فإن تغير قيادة الجزائر من الطغمة العسكرية النافذة والمتنفذة في مصير الجزائر، إلى قيادة ديموقراطية تحكم بالحق والقانون واحترام حقوق الدول والشعوب هي الدعامة الأساسية لتحلحل هذا النزاع عن موضعه. وما تجربة بوضياف ببعيدة عن هذا التطلع، فلقد أرسل تعيينه كرئيس للجزائر واغتياله بسبب مشروعه الإصلاحي الوطني والمغاربي رسالة بليغة إلى من يهمه الأمر في المجتمع الدولي رغم أن الرسالة لم تصل بعد. إلزامية تنمية أقاليم الجنوب، بكل ما يعنيه مفهوم التنمية من دلالات اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية، مع حرص النظام السياسي المغربي على تفادي أخطاء الأمس القريب والتي لاتزال قائمة في بعض جوانبها، لأن من شأن تنمية حقيقية أن تشكل قطب جذب واستقطاب لكل مغترب عن وطنه(كما سبق توضيح ذلك سابقا).. وفي ارتباط مع هذا المعنى، فإن الدولة المغربية مطالبة في مجهوداتها المبذولة من أجل تسوية النزاع أن تتجاوز الإفراط في استعمالها لمنطق الهاجس الأمني، رغم أهميته الإحترازية في تدبيرها للملف، لأن تجربة هذه السنوات العديدة كافية لإبراز ضئالة نتائجه وخفوت مصداقيته، ذلك أنه إذا أمكن للدولة أن ترصد تحركات الأشخاص وتراقب نشاطاتهم، فإنه يستحيل رصد الفكر الإنفصالي الذي يستمد قيمه من ظروف الواقع الإقتصادية والسياسية والإجتماعية. وعليه، فإن خطورة نزاع الصحراء الغربية يتمثل في ما تفرضه من رهانات استنساخ الفكر الإنفصالي في مناطق أخرى من الدولة المغربية، وما هيمنة المقاربة الأمنية للنزاع واحتكارها من طرف وزارة الداخلية، ونهج سياسة ''فرق تسد'' بين القبائل الصحراوية عوض استغلال وحدتها والتعامل معها بمنطقها السوسيوثقافي وليس بمنطق ''المخزني فالمخزني''... سوى مؤشرات تهدد ليس فقط سلامة الحدود الوطنية، ولكنها تدق ناقوس الخطر عاليا في وجه التدبير الرسمي للملف إزاء تسرب داء النزعات القبلية بين المجموعات السكانية للشعب المغربي. ] السيناريو الثاني: يتمثل في فرض حل أممي على أطراف النزاع دون انتظار قبولها بعدما استنفذت الأممالمتحدة جميع السبل لحل النزاع، وأنفقت أموالا طائلة من أجل رعاية نزاع استعصى حله وتسويته، بحيث كلما وافق طرف على حل ما رفضه الطرف الآخر...وبسبب عدم قابلية أطراف النزاع على تقديم أية تنازلات خاصة جانب البوليساريو...فإن الأممالمتحدة ستكون ملزمة على فرض الحل الذي تراه الأنسب بعد الكم الهائل من التوصيات والقرارات التي صدرت بشأن الصحراء الغربية دون أن تؤدي إلى أية نتيجة. وإن الخوف كل الخوف ليس من النتيجة النهائية للحل الأممي، وإنما لما بعد مرحلة النزاع أو ما يسمى في قاموس العلاقات الدولية ب Post conflict، إذ لا يكفي أن نأمل في كسب قضيتنا الوطنية فحسب..بل إن الأمر يتطلب تحضيرا في غاية الدقة لمرحلة ما بعد النزاع، لأننا بالتأكيد سنكون أمام مستجدات وتحولات جد معقدة سمتها الأساسية تهديد الأمن الداخلي والاستقرار للمملكة المغربية.. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: هو هل الدولة المغربية مستعدة لإستقبال الآلاف المؤلفة من أهالينا في مخيمات تندوف....؟؟؟ وهل هيأت السلطات المغربية المناخ الفكري الذي سيمكن من احتضان وتعايش فكرين متنافرين: الإنفصالي والوطني في أقاليمنا الجنوبية؟