أثار عدد العقوبات والقرارات التي أصدرتها الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ''الهاكا''، خلال السنوات الأخيرة في حق عدد من الإذاعات الخاصة ''سجالات كبيرة'' في الوسط الإعلامي والسياسي المغربي. كما أن حصول عدد من التجاوزات''الأخلاقية'' على أثير بعض المحطات الإذاعية، التي رفعت شعار تجسيد إعلام القرب، جعل من موضوع الإذاعات الخاصة بالمغرب ملفا مجتمعيا بامتياز. لاسيما أن مجمل هاته الإذاعات تستقطب كمتوسط يومي حوالي مليونين من المستمعين المغاربة. إن أربع سنوات من اشتغال الإذاعات الخاصة تعتبر فترة تسمح بمراجعة الحصيلة. حصيلة مدى مساهمة هذه الوسائل الإعلامية في تطوير مجهود الإعلام الوطني في خدمة التنمية المجتمعية الشاملة بمختلف أبعادها. وكذلك فترة زمنية تسمح باستشراف المستقبل، بعد الوقوف على ايجابيات التجربة وعثرات المسار. ومن القضايا المثارة في التجربة الإذاعية الخاصة أربع قضايا رئيسية: قضية اللغة الإذاعية، ومضامين البرامج، مدى احترام التعددية، وعلاقة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري بهذه الإذاعات من خلال ضبط دفاتر التحملات. في هذا السياق، يتضح من القرارات التي أصدرتها ''الهاكا'' في حق عدد من الإذاعات الخاصة( ستة قرارات عقابية في غضون أربع سنوات) أن طبيعة الخروقات المسجلة تجلت أساسا في تطرق بعض البرامج لمواضيع حساسة- طابوهات- دون الالتزام بالضوابط الإعلامية الملزمة أثناء التطرق لتلك المواضيع. هناك أيضا استهداف بعض ثوابت المملكة: الملكية، الدين... إضافة إلى استهداف عنصر الهوية من خلال مصادمة عدد من الأخلاق: عدم احترام الناشئة، وضرب مبدأ قرينة البراءة. في قضية اللغة الإذاعية، توزعت الإذاعات الخاصة إلى مسارات: بعض الإذاعات اختارت بشكل حاسم استعمال اللغة الفرنسية كلغة غالبة على برامجها، ثم هناك من اهتدى إلى استعمال الدارجة أو إحدى اللهجات المحلية. كما أن بعض الإذاعات تستعمل خليطا هجينا من اللغة العربية واللغة الفرنسية والدارجة. و هناك من ابتدع لغة إذاعية خاصة به يمكن أن نسميها ''لغة الشارع''. بالمقابل تسجل بعض الاجتهادات التي بصدد البحث عن لغة إذاعية معيارية تمتحي مفرداتها من العامية المغربية كلغة وسيطة. ويسجل من خلال عملية إحصاء البرامج الإذاعية، طغيان برامج الترفيه والتنشيط والألعاب الموسيقية ضمن الشبكة البرامجية لغالبية الإذاعات الخاصة، بالمقابل هناك قلة البرامج ذات أدوار مجتمعية تأطيرية وحوارية سياسية. كما أن هناك توجه تشترك فيه هذه الإذاعات وهي كثرة برامج الخدمات. إضافة إلى شبه غياب للبرامج الدينية داخل الشبكات البرامجية لهذه الإذاعات. أما فيما يخص احترام التعددية، فقد أقر التقرير التركيبي الذي أصدرته ''الهاكا'' سنة2009 (والمخصص لمدى احترام التعددية داخل نشرات الأخبار والمجلات الإخبارية و البرامج الأخرى )، بأن مبدأ الإنصاف وضمان تعددية الفكر والرأي إخترق داخل جل الإذاعات الخاصة. وهذا ما يطرح سؤال جدلية السياسي والإعلامي في تجربة تحرير قطاع السمعي البصري في المغرب. أمام هذا الرصد، ومع ضرورة تقييم التجربة بشكل علمي بعيد عن ''السجال''، فإن رصد التجربة تكشف أن إعادة النظر في الرسالة الإعلامية للإذاعات الخاصة مسألة ''مستعجلة''. مراجعة تتطلب استحضار وظيفة الخدمة العمومية لهاته الوسائل، إضافة إلى دعم الحاجيات الروحية للمستمعين من خلال برامج تلك الإذاعات. وكذلك الالتزام بدفاتر التحملات التي وقعتها الإذاعات مع ''الهاكا''، لا سيما فيما يخص حصص اللغة العربية في البرامج وباقي التعهدات. مع استحضار الدور الرقابي ''الهاكا'' في ضبط أخلاقيات البرامج.