يحيل التقويم الهجري على الانعطافة الأساسية في مخاض ميلاد الأمة الإسلامية التي تضم اليوم أزيد من مليار ونصف مسلم يمثلون أزيد من خمس سكان المعمورة. ويؤكد التاريخ أن الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة هي بحق الحدث البشري الأساسي في بناء الدولة الإسلامية. غير أن المفارقة التي يطرحها حلول رأس السنة الهجرية الجديدة كل سنة، والتي تعتبر أبرز عناوين الهزيمة الحضارية للأمة الإسلامية، هي خفوت احتفاء المسلمين دولا وشعوبا بميلادها. ولا يتعلق الأمر فقط بتراجع التقويم الهجري لصالح التقويم الشمسي على مستوى التعامل الإداري فقط في معظم تلك الدول بل يتعداه إلى كون الحدث، الذي يؤرخ لأكبر أمة في العالم اليوم، تمر مناسبة حلولها بصمت غريب في وسائل الإعلام العمومية والبرامج الرسمية مقابل نشاط فريد لكل الجهات عند إحياء السنة الميلادية! وتعتبر مثل هذه المناسبات أحد عوامل المحافظة على وحدة الأمة وربط الأجيال بقيمهم وتاريخهم وهويتهم الحضارية. ولا يشكل المغرب استثناء في مفارقة خفوت الاحتفاء بالسنة الهجرية فحسب، بل يشكل استثناء في المبالغة في الاحتفاء بالسنة الميلادية حد الاستلاب القيمي. وتتحمل وسائل الإعلام العمومية والسياسات التعليمية وعموم السياسات ذات العلاقة بالهوية الوطنية والتنشئة الاجتماعية مسؤولية التهميش والتجاهل اللذان يطبعان حلول هذه المناسبة كل سنة.