القنيطرة... اختتام دوري أكاديميات كرة القدم    القيمة السوقية للدوري السعودي تتجاوز عتبة المليار يورو    باب برد: تفكيك عصابة إجرامية متورطة في سرقة وكالة لتحويل الأموال    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    نادٍ نرويجي يتبرع بعائدات مباراته ضد فريق إسرائيلي لدعم غزة    التوقيع على مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون والشراكة بين مدينة طنجة ومدينة القدس الشريف    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب    حكومة أخنوش تتعهد بضمان وفرة المواد الاستهلاكية خلال رمضان ومحاربة المضاربات    هذه توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    ابتداء من غد الاثنين.. ارتفاع جديد في أسعار المحروقات بالمغرب    هكذا يخطط المغرب لتعزيز أمن منطقة الساحل والصحراء    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج شهدت ارتفاعا بنسبة 2.1 في المائة    الرجاء البيضاوي يتجه إلى إلغاء الجمع العام مع إناطة مهمة الرئاسة إلى بيرواين حتى نهاية الموسم    "هِمَمْ" ترفض التضييق والتشهير بمديرة جريدة "الحياة اليومية"    نزار بركة يترأس الدورة العادية الموسعة للمجلس الإقليمي لحزب الاستقلال في العيون    مقتل مغربي بطلقات نارية في إيطاليا    الإعلام في خدمة الأجندات السياسية والعسكرية    كريستينا.. إسبانية سافرت للمغرب لاستعادة هاتفها المسروق بمدريد والشرطة المغربية أعادته إليها في أقل من ساعة    تجميد المساعدات الأميركية يهدد بتبعات خطيرة على الدول الفقيرة    الرئاسة السورية: الشرع يزور السعودية    تحذير من تساقطات ثلجية وأمطار قوية ورعدية مرتقبة اليوم الأحد وغدا الاثنين    تفكيك شبكة صينية لقرصنة المكالمات الهاتفية بطنجة    روبرتاج بالصور.. جبل الشويحات بإقليم شفشاون وجهة سياحة غنية بالمؤهلات تنتظر عطف مسؤولين للتأهيل    السلطات الأسترالية تعلن وفاة شخص وتدعو الآلاف لإخلاء منازلهم بسبب الفيضانات    حريق مُهول يأتي على ورش للنجارة بمراكش    المغرب يعزز موقعه الأممي بانتخاب هلال نائبا لرئيس لجنة تعزيز السلام    "رسوم ترامب" الجمركية تشعل حربًا تجارية .. الصين وكندا والمكسيك ترد بقوة    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    استئناف المفاوضات بين حماس وإسرائيل الاثنين بعد رابع عملية تبادل للرهائن والمسجونين    ائتلاف حقوقي: تجميد "ترانسبارانسي" عضويتها من هيئة الرشوة إعلان مدوي عن انعدام الإرادة السياسية في مواجهة الفساد    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    الجمعية المغربية لدعم إعمار فلسطين تجهز مستشفى الرنتيسي ومستشفى العيون باسطوانات الأكسجين    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    طنجة تتأهب لأمطار رعدية غزيرة ضمن نشرة إنذارية برتقالية    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    ريال مدريد يتعثر أمام إسبانيول ويخسر صدارة الدوري الإسباني مؤقتًا    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    حجز أزيد من 700 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة بطنجة    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظاهرة الإسلام فوبيا في الغرب
نشر في مرايا برس يوم 24 - 06 - 2010

بدأت العديد من مراكز الدراسات الإستراتيجية والإستشراف المستقبلي في الغرب بإجراء دراسات معمقّة تتعلّق بمستقبل المسلمين في الجغرافيا الغربيّة , وقد تناولت بعض هذه الدراسات عدد المسلمين وحجمهم الحقيقي في سنة 2050 وما سوف تكون عليه الجاليات العربية و المسلمة في تفاصيل الحياة الإجتماعية و الإقتصادية والسياسيّة .
و يذهب باحث سويدي إلى القول بأنّ نصف سكّان السويد في سنة 2050 سيكونون من المهاجرين وتحديدا من العرب والمسلمين حيث سيصبحون قوة بشرية مؤثرّة في المعادلة السياسيّة الغربيّة .
و الذي دفع هذه المراكز إلى إجراء مثل هذه البحوث هو الأحداث الأمنية الأخيرة التي عرفتها بريطانيا والتي كان يقف وراءها أشخاص ولدوا في بريطانيا و تلقوا تعليمهم في مدارسها و شبّوا وترعرعوا ضمن قيمّها الإجتماعيّة , بالإضافة إلى ذلك فإنّ بعض المراكز الإسرائيليّة المتخصصّة في مجال الدراسات الإستخباراتية أرسلت أكثر من رسالة إلى عواصم القرار في الغرب مفادها أنّ الوجود الإسلامي خطر على أوروبا في المستقبل وخطر على الدولة العبرية نفسها .
و قد كشف تقرير أعدّه مركز المعلومات الإستخباراتية و الإرهاب والذي يقع في مدينة جليلوت في فلسطين المحتلة : أنّ الجيل الحالي من الساسة الأوروبيين مازال يتذكّر أهوال الحرب العاليمة الثانية ويعرف كيف قامت دولة إسرائيل وعلى أيّ أساس , و لذلك فهو يفهم تعقيد الصورة الإسرائيلية – الفلسطينية أكثر من فهم الرأي العام الأوروبي لها , ولا يزال هؤلاء الأوروبيون المتقدمون في العمر ملتزمين بأمن إسرائيل وبشرعية الدولة اليهودية , و يضعف هذا الإلتزام لدى جيل الشباب والذي يكتسب لنفسه مكانة سياسية وصوتا سياسيّا في أوروبا ... وجاء في التقرير أيضا : قد نشهد بعد سنين قليلة أوروبا تختلف عن تلك التي إعتدنا عليها , أوروبا التي تنظر بعين الإعتبار إلى العنصر الإسلامي والعربي أكثر مما تفعل الآن , أوروبا التي يكثر فيها الساسة من أتباع محمّد ... إنتهى التقرير .
و مما زاد في شرعنة هذه المخاوف لدى صنّاع القرار في الغرب هو الدراسة التي نشرها المجلس الأوروبي حيث أكدّت هذه الدراسة أنّ عدد سكّان أوروبا سيتراجع و أنّ الشعب الأوروبي سيصبح شعبا مسنّا بنسبة تتراوح بين 13 بالمائة و 22 بالمائة بحلول العام 2050 , كما أشارت الدراسة إلى تراجع مؤشّر الخصوبة والذي سيفضي إلى تراجع عدد الأوروبيين بنسبة 564 مليون نسمة كما قدرّ خبراء المنظمّة الأوروبية , و تعليقا على هذه الدراسة قالت شارلوت هون رئيسة اللجنة الأوروبية حول السكّان أنّ عدد الأوروبيين في تراجع و إرتفاع عدد سكّان القارة الأوروبية ناجم عن الهجرة من العالم الثالث – والعالم الإسلامي ضمنا – إلى أوروبا .
عدد المسلمين في الغرب
تشير بعض التقديرات غير الرسميّة بأنّ عدد المسلمين في الغرب – أوروبا على وجه التحديد – وصل إلى ثلاثين مليون مسلما , و الواقع أنّ هذه التقديرات غير دقيقة وغير رسميّة لعدم وجود إحصاء رسمي لعدد المسلمين في الغرب , غير أنّ عدد المسلمين ليس بعيدا عن هذا التقدير المبدئي والذي تحول الصعوبات السياسية والفنية دون معرفة العدد الحقيقي للمسلمين في الغرب , حيث تخشى بعض الدوائر الغربية إن هي قدمّت الرقم الحقيقي للمسلمين في الغرب تحفيز اليمين المتطرّف في الغرب ليتحرّك في الإتجاه المعاكس للسياسات الغربية الرسمية المؤمنة بمبدأ الهجرة من أجل إحقاق التوازن السكاني وخصوصا في دول شمال أوروبا .
بالإضافة إلى ذلك فإنّ عشرات الآلاف من الأوروبيين قد أسلموا وبتوا يحسبون بحكم عقيدتهم الجديدة على الوجود الإسلامي في الغرب , بل أصبح هؤلاء المسلمون الجدد من الغربيين يديرون المعاهد والمساجد والمؤسسات الإسلامية .
و يضاف إلى ذلك فإنّ الوجود الإسلامي في الغرب ليس وليد الهجرات الأخيرة التي إنطلقت قبل 50 سنة من العالم الإسلامي و إلى الغرب , بل هيّ قديمة تعود إلى وصول المسلمين إلى فرنسا سنة 716 ميلاديّة عندما فتحوا مدينة ناربون , ثمّ مدينة تولوز سنة 721 ميلاديّة , ومدينة ليّون سنة 726 ميلادية ومدينة بوردو سنة 731 ميلاديّة .
كما أنّه وإبّان الإحتلال الفرنسي لإفريقيا الذي بدأ في القرن السادس عشر فإنّ جيش الإحتلال الفرنسي إستقدم آلاف الأفارقة المسلمين للعمل في المناجم والمصانع الفرنسية , تماما كما إستقدم القراصنة الأمريكان آلاف الأفارقة المسلمين إلى أمريكا لبيعهم لاحقا في أسواق النخاسة والرّق و الذين كان الكثير منهم يجهر بإسلامه وكتب عن تجربة العبودية الجديدة في أمريكا .
أمّا هجرة الهنود و الباكستانيين المسلمين إلى بريطانيا فقد كانت مزامنة للإحتلال البريطاني لشبه القارة الهنديّة , و في مرحلة الإحتلال البريطاني للهند تدفقّ عشرات الآلاف من الهند وباكستان وبعض دول آسيا إلى بريطانيا وهو يشكلّون الرعيل الأول من المسلمين في المملكة المتحدة .
ولذلك من الخطأ المنهجي ربط عدد المسلمين في أوروبا بتاريخ محددّ و الإنطلاق منه لإجراء مسح ديموغرافي لعددهم الحقيقي أو الإكتفاء بسجلاّت دوائر الهجرة حول أعداد الحاصلين على اللجوء السياسي والإنساني من المسلمين .
و أولّ من أشار إلى عدد المسلمين في الغرب وأنّهم يقدرّون ب25 مليون مسلما كان الرئيس البوسني المسلم علي عزّت بيغوفيتش . و تشير إحصاءات أخرى إلى أنّ عدد المسلمين في الغرب تجاوز الثلاثين مليون مسلما أي ما نسبته 6 بالمائة من مجموع سكان أوروبا البالغ 705 مليون نسمة .
والتقديرات المبدئية المتوفرّة حول عدد المسلمين في الغرب قامت بها المؤسسات الإسلامية والمؤسسّات غير الرسميّة وأحيانا المؤسسات الكنسية والبحثية , و بالتأكيد فإنّ دوائر الأبحاث الإستخباراتية لها دراساتها الخاصة في هذا المجال غير أنّها ليست للنشر كما هو معروف .
ففي فرنسا يبلغ عدد المسلمين 6 ملايين مسلما وهو الأمر الذي جعل الإسلام هو الديانة الرسمية الثانية بعد الكاثوليكية و سبعون بالمائة منهم قدموا إلى فرنسا من المغرب العربي , وحسب دراسة للمجموعة الأوروبية صدرت في العاصمة البلجيكية بروكسل في سنة 2001 فإنّ المهاجرين يساهمون بنسبة 14,7 بالمائة من الناتج المحلي الفرنسي , و للشارة فإنّ عدد سكّان فرنسا يبلغ 57 مليون نسمة .
أما في ألمانيا فإنّ عدد المسلمين قد تجاوز 3 ملايين نسمة ونصف المليون من أصل 80 مليون ألماني , و في بريطانيا تجاوز عدد المسلمين فيها مليون و 700 أل مسلما , و في إيطاليا تجاوز عدد المسلمين مليون مسلما , و فييي هولندا فقد بلغ عدد المسلمين 900 ألف مسلما , وفي بلجيكا 600 ألف مسلما , و في السويد نصف مليون مسلما , وفي سوييسرا 400 ألف مسلما , وفي إسبانيا قرابة 4000 ألف مسلما , وفي النمسا قرابة النصف مليون وفي اليونان 700 ألف مسلما , و في الدنمارك قرابة 200 ألف مسلما وفي فنلندا أزيد من 60 ألف مسلما , هذا بالإضافة إلى وجود مئات الآلاف من المسلمين في الدول الأوروبية التي إنضمت أخيرا إلى الإتحّاد الأوروبي .
و المسلمون في الغرب قسمان مسلمون وافدون جرّاء الهجرات إلى الدول الأوروبية , ومسلمون أصلاء كشأن المسلمين في ألبانيا و البوسنة و كوسوفا و مقدونيا وكرواتيا وسلوفينيا وأوكرانيا و صربيا , فالمسلمون هم أبناء البلاد الأصلية إعتنقوا الإسلام منذ قرون طويلة وقبل الوجود العثماني في بعض هذه الدول .
بالإضافة إلى ذلك فإنّ المسلمين الوافدين الذين قدموا إلى أوروبا قبل عشرات السنين أصبح أبناؤهم متأصلين في البلاد الغربية ولا يعرفون لهم بلادا غير البلاد التي ولدوا فيها وتعلموا في مدارسها .
وقد كشفت هذه الأعداد الهائلة من المسلمين في مختلف الدول الأوروبية أنّ حركة الإنجاب بين المسلمين كبيرة للغاية , وحسب الخبراء الذين درسوا هذه الظاهرة – قوة التناسل والإنجاب وسط الأقليات المسلمة في الغرب – فإنّ ذلك يعود إلى التقاليد الإسلامية الحريصة على مفهوم العائلة الكبيرة المتضامنة , أو أنّ ذلك يعود إلى رغبة هذه العوائل المسلمة على الإستفادة من الإمتيازات التي يوفرها الضمان الإجتماعي الأوروبي للعوائل الكبيرة من خلال ما يعرف بنقدية الأطفال .
وحسب هؤلاء الخبراء فإنّ نسبة الإنجاب بين المسلمين كبيرة للغاية وهو الأمر الذي جعل الدوائر المتخصصّة تحفّز السكّان الأصليين على الإنجاب و الإكثار من النسل ليس حفاظا على التوازن السكّاني هذه المرة بل حفاظا على التوازن العقائدي و الحضاري والديني .
و يذهب الباحث السويدي في شؤون الإسلام يان سامويلسون في كتابه الشهير : الإسلام في السويد سيصبحون قوة فاعلة في المعادلة السويدية سنة 2020 وخصوصا إذا ترك الجيل الحالي نهائيا البطالة والمخدرات ...
ولعلّ من الأسباب المباشرة التي جعلت الجيل الأول من العرب والمسلمين غير قادر على التأثير الفعلي في السياسة الأوروبية هو ضعف المستوى الثقافي للغالبية العظمى من هذه الشريحة , غير أنّ الجيل الثاني و الثالث يتمتّع بثقافة عالية ومستوى تعليمي جيد وإتقان كامل للغة الغربية والتحدث بها بدون لكنة كما هو ديدن الجيل الأوّل , و هو الأمر الذي جعل هذا الجيل مؤثرا ويغزو بإحكام المؤسسات البرلمانية و السياسية والحزبية والنقابية و الأكاديمية و الإعلامية .
و هذه المعطيات وغيرها بدأت تقلق الدوائر الغربية خصوصا وأنّ كما هائلا من الدراسات التي أنجزها خبراء في مجال قراءة المستقبل و تحليل الثقافة الرقمية المبنية على الإحصاء و الإستطلاع الموسّع تؤكّد أنّ المسلمين قد يصبحون نصف سكان القارة الأوروبية بعد خمسين سنة وخصوصا إذا إستمرّ إنجابهم على الوتيرة التي هم عليها الآن , كما أنّ المستوى التعليمي الكبير للأجيال المسلمة الجديدة و إنتشار حركة الأسلمة بيبن الغربيين أنفسهم حيث أصبح المواطن الغربي المسلم هو الذي ينقل الإسلام إلى بقية المواطنين الأوروبيين , بل إنّ بعضهم بات يعلن أنّه صاحب الشرعية في تمثيل ونشر الإسلام في الغرب وهو الإختراق الخطير الذي رصدت له ميزانيات ضخمت و كلفت جهات بحثية وأمنية لدراسة أبعاد هذه الظاهرة ورصد منحنياتها , إذ أنّ إتساعها قد يفضي إلى تقوية الوجود الإسلامي في الغرب و يجلعه محصنّا
و من الملفات المفتوحة والساخنة في الغرب ملف الاسلام وعلاقته بالغرب ومستقبله وديناميكيته الماضية والراهنة والمستقبليّة , و تولي دوائر القرار ومراكز الدراسات الاستراتيجية والاستشرافية حيزا كبيرا من اهتماماتها للاسلام وكل ما يرتبط به من ثقافات واجتهادات وحركات و مسلكيات سياسية واجتماعية وكل ما يمت اليه بصلة من قريب أو بعيد وقد ازدادت الاهتمامات بالاسلام بعد الأحداث التي عصفت بأمريكا . و في الغرب خمس اتجاهات أو مدارس تضطلع بعملية تشريح الاسلام لتحقيق أهداف قريبة المدى ومتوسطة المدى وبعيدة المدى , و هذه المدارس هي المدرسة الأمنية وهي الملتصقة بدوائر الأمن القومي ومكافحة الارهاب , وتقوم هذه المدرسة بتشريح كامل ودقيق وتفصيلي للحركات الاسلامية وتحديدا تلك التي لها قواعد في الغرب و عشرات التنظيمات الاسلامية التي لها قواعد في الغرب أو تحاول التحرك في العواصم الغربية ضمن حيّز الحرية الموجود ,وتتعاون الأجهزة الأمنية الغربية فيما بينها لرصد تحركات الأشخاص المشتبه بانتمائهم الى هذه الجماعات ,وقانون الاتحاد الأوروبي في بعض بنوده ينص على ضرورة التنسيق الأمني وتبادل المعلومات والتعاون قائم في أعلى مستواه في هذا المجال , وتستعين هذه الأجهزة بخبراء من العالم العربي والاسلامي في فهم المنطلقات الفكرية و الفقه الخاص بهذه الحركات وأفاق تفكيرها واستراتيجياتها , وغرض هذه الأجهزة من تشريح حركات الاسلام السياسي هو الحفاظ على الأمن القومي ومنع تكرار ما يحدث في العالم العربي والاسلامي على أراضي الغرب , و الحؤول دون تحويل الغرب الى قواعد للراغبين في الاطاحة بنظمهم واقامة مشاريع فكرية وسياسية في العالمين العربي والاسلامي مغايرة للعلمانية الغربية وقد تكون هذه المشاريع معادية للغرب بالأساس , ويجري ها هنا التنسيق كاملا مع الأجهزة الأمنية العربية للحصول على معلومات عن الأشخاص والتنظيمات الاسلامية ,والأرشيف الأمني العربي دائما مفتوح للغربيين خصوصا فيما يتعلق بالخصوم الاسلاميين . لكن لم يسبق للأجهزة الأمنية الغربية أن تعاملت مع الاسلاميين على أراضيها بالطريقة التي يتعامل بها معهم رجال المخابرات العرب , فما دام هؤلاء في نطاق المعارضة الفكرية والسياسية فلا أحد يستطيع أن يطالهم لأنّ حرية التعبير مكفولة في كل الدساتير الغربية , لكن في حال أراد أحدهم التلاعب بالأمن القومي الغربي فيكون بذلك قد جنى على نفسه ,لأن الأمن القومي مقدّس في الغرب . والمدرسة الثانية هي المدرسة المرتبطة بوزارات الهجرة ودوائر الاندماج حيث لدى هذه الدوائر مراكز للبحث والدراسات و تضطلع هذه المراكز بتشريح ثقافة المسلمين وعاداتهم و تقاليدهم والغرض منها ليس أمنيا على الاطلاق بل الغرض منها فهم المسلمين عن قرب في محاولة لادماجهم في المجتمعات الجديدة المستقبلة لهم ولوضع قوانين تتماشى مع توجهات المسلمين و لتجنيب المجتمعات الغربية التصادم مع من يمثلون الظاهرة الاسلامية الوافدة , وتستعين هذه الدوائر أيضا ببعض الباحثين العرب والمسلمين , ولها أيضا باحثوها الأصليون والذين يقومون في أحايين كثيرة بزيارات الى عواصم عربية واسلامية لفهم أسلوب حياة المسلمين وعاداتهم وتقاليدهم .
والمدرسة الثالثة هي المدرسة الأكاديمية والتي قوامها مجموعة كبيرة من المستشرقين والباحثين في قضايا العالم العربي والاسلامي ومجموعة من المعاهد والكليات التي تعنى بالحضارة الاسلامية و الحوار الاسلامي- الغربي , وتضم هذه المدرسة ثلات اتجاهات اتجاه منصف للحضارة الاسلامية ومتفهم للخلل الحاصل في حياة المسلمين والفرق الشاسع بين مسلكيات المسلمين و تعاليم الاسلام السمحة , واتجاه حاقد يهمه الانتصار لمنطلقاته الايديولوجية ويحمّل الاسلام كل خيبات العالم العربي والاسلامي ويصوره أنه الخطر المحدق بالمنظومة الغربية , واتجاه ثالث عقلاني واقعي يحاول تفسير الأمور تفسيرا ابستمولوجيّا وعلميّا .
والمدرسة الرابعة قوامها مجموعة من مراكز الدراسات الخاصة والتي تسوّق منتوجها البحثي لحساب وزارات خارجية ودوائر قرار ودوائر حساسة وحسب الطلب, وتوظف هذه المراكز خليطا من الباحثين من مختلف الجنسيات والبلدان , ويمكن القول أن السرعة هي طابع الدراسات عن الاسلام السياسي التي تصدر عن هذه المراكز ذات البعد التجاري .
والمدرسة الخامسة و قوامها مراكز محدودة لبعض أصحاب النفوذ الديني من مسيحيين ويهود , والغرض منها اشعال نار الفتنة بين المسلمين والمسيحيين بالنسبة للفريق الأول , ورسم منهجية علمية للتنصير من خلال فهم المسلمين وكيفية التسلل الى عقلياتهم بالنسبة للفريق الثاني .
و يبقى القول أن المسلمين في الغرب صحيح أنهم تخلصوا من قمع سلطاتهم وباتوا يعيشون في وضع سياسي واقتصادي متميّز , الاّ أنّه ومما لا شك فيه أنّهم قد أصبحوا حقل تجارب في مختبرات الأفكار والدراسات ومن خلالهم تمكنت الدوائر الغربية وبامتياز الغوص في شعور ولاشعور مليار مسلم موزّعين بين طنجة وجاكرتا , وكل ذلك تم لها بأبخس الأثمان !
بقلم / يحي أبوزكريا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.