ما تزال أحداث العيون ومخلفاتها تفرض نفسها على الرأي العام الوطني والدولي، وذلك بالرغم من مرور أزيد من أسبوعين على حدث تفكيك المخيم، فمن جهة يستعد المغرب لخوض معركة جديدة على مستوى البرلمان الأوروبي انطلاقا من اليوم حيث سيعقد جلسة خاصة للموضوع ،كما قررت لجنة العلاقات الخارجية بهذه المؤسسة استدعاء وزير الخارجية المغربي لمناقشة ما حصل في العيون، وهي تطورات تحمل مخاطر جمة للتطورات الإيجابية في علاقة الاتحاد الأوروبي بالمغرب. ومن جهة أخرى يفرض تدبير مخلفات الأحداث اجتماعيا وقضائيا وسياسيا تحديات جديدة على ضوء النقاشات الجارية في العيون، وهي النقاشات التي تكشف وجود حالة من الفراغ في توحيد وتأطير الموقف الشعبي إزاء ما وقع في ظل النشاط المحموم للدعاية المضادة، وهو الفراغ الذي يوفر شروط تغذية نزوعات توتر جديدة في المدينة، فضلا عن الخطوات الخاصة بتشكيل لجنة تقصي الحقائق في الأحداث من قبل مجلس النواب، والحاجة الملحة للإسراع بانطلاقها رغم أن المشروع مطروح منذ أزيد من أسبوعين. من الواضح أن مخلفات الأحداث تضع بلادنا في مواجهة جبهات متوازية ومعقدة والتعاطي الفعال معها يتطلب درجة عالية من التعبئة والحسم وعدم التردد، وذلك للخروج بأقل قدر من الخسائر على المستوى الداخلي وتعزيز دائرة المكاسب المسجلة، فبلادنا نجحت لغاية اللحظة وبصعوبة بالغة في كسب معركة المخيم والأحداث التي تلته لكن حرب الاستنزاف الكامنة والتي كشفت أبعادها عملية تفكيك المخيم لم نتمكن بعد من كسبها، وسيكون من السابق لأوانه الحديث عن وجود تقدم كبير في هذا الصدد. ذلك أن المتابع للتطورات الميدانية في العيون يكشف آليات جديدة للاستنزاف وإبقاء القضية مشتعلة، وآخرها قضية المعتقلين والسعي لتأطير حركة احتجاج للإفراج عنهم دون تمييز ودون تمحيص وذلك عبر آلية تنظيم اعتصام للعائلات والأسر أمام المؤسسة القضائية بالعيون، بما يؤدي إلى تكريس حالة من الإفلات من العقاب للجميع وإعادة المنطقة إلى حالة استثناء قضائي بل والمساعدة على تكرار ما حصل في المستقبل، وهو الأمر الذي يتنافي ومقتضيات الحق والعدل والإنصاف، وهنا ينبغي توجيه التحية إلى الموقف الصحراوي الوطني الذي عبر في تجمع العيون في الأحد الماضي عن رفض الدعوة إلى الإفراج الجماعي لاسيما وأن الوثائق السمعية البصرية لا تدع مجالا للشك في حصول جرائم بشعة. قد يبدو من المبالغة اعتبار ما يقع حرب استنزاف في الصحراء موجهة من الخارج وتمكنت من استغلال التناقضات القبلية والملفات الاجتماعية والحسابات السياسية والحزبية الضيقة لاختراق بنية الجسم المغربي عامة والصحراوي خاصة، لكن النجاح في مواجهة ما وقع وما قد يقع يبدأ من التشخيص السليم، والمطلوب هو أن القطع مع التردد في تنزيل الإجراءات المعلنة وآخرها إطلاق عمل لجنة التقصي، ذلك أن حروب الاستنزاف لا تنجح في تحقيق أهدافها إلا في حالة هيمنة التردد على المستهدفين بها.