انطلاقاً من التحليل السابق العلمي الأكاديمي الهادئ، ندعو حكامنا و الصفوة المثقفة في بلادنا إلى ضرورة الوعي بالمسؤولية التاريخية في اتخاذ الموقف اللغوي المطلوب للإسهام في التنمية الشاملة لشعبنا. والموقف الحازم الاستراتيجي في هذه المسالة اللغوية هو الدعوة إلى التعريب الراشد المتدرج والكامل. والموقف الاستراتيجي الراشد يتطلب المواقف الحازمة التالية: أولاً:إن التعريب لا يعني إطلاقاً تعريب الحياة العامة كما زعم البعض. لأن ذلك مستحيل ويتعارض مع السنن التاريخية التي تحكم تطور الظواهر اللغوية. فالدارجة أو اللهجات المحلية أمر قائم ومستمر، ولا يمكن تجاوزه بموقف إرادي محض، مهما كان عزم أولي أمرنا. لكن التعريب المطلوب هو ممارسة اللغة العربية للوظائف العليا للسان في القطاع العام وشبه العام والقطاع الخاص. تكون اللغة العربية في هذه القطاعات الثلاثة هي لغة التواصل الكتابي و الشفوي في الإدارة والاقتصاد و التعليم العمومي و الإعلام العمومي. و أن تكون العربية الوسيلة الرسمية لإشاعة و تعميم و تبليغ الخبرة والعلم ومنتجات البحث العلمي إلى المجتمع المغربي المنتج. بعبارة صريحة، علينا الإعلان على أن سيطرة اللسان الفرنسي على الوظائف العليا للسان بالمغرب وبالغرب الإسلامي لم تحدث في وسطنا لا ثورة علمية ولا تكنولوجية. و لم تحقق التنمية المنشودة، بعبارة أبلغ إن سيطرة اللغة الفرنسية على الوظائف العليا لمدة 100 سنة كانت كارثة على التنمية الحقة. والأمر مفهوم حتى عند الأقل ذكاء، فتعميم العلم و الخبرة ومخرجات البحث العلمي على شعب لا يتقن اللغة الفرنسية يعني عدم وصول تلك الخبرة والعلم إلى ذلك الشعب المنتج.وبالتالي عدم استفادة المنتجين من مخرجات البحث العلمي والخبرة، فلا تنمية بدون لسان القوم، ولسان قومنا المالك لكل شروط اللسان هو اللغة العربية بلا منازع. هذا طبعاً لا يعني تغييب باقي الألسن المحلية كاللسان الأمازيغي، فأنا أفضل لساننا القومي الثاني رغم ما ينقصه من خبرة و تجربة على لسان فرنسا رغم اكتمال بنائه، لأن الأول لسان قومي يمكن تطويره ليقوم بمهمة التبليغ و التعميم أم اللسان الفرنسي فهو عاجز عن التبليغ لأنه ليس بلسان قومي. ثانياً:التعريب لا يعني الانغلاق على اللغات الحية العالمية ومنها الإنجليزية و الفرنسية والألمانية واليابانية والصينية وغيرها، فالحكمة ضالة المسلم؛ أتذكر هنا زيارة لي للعراق الجريح سنة 1995برفقة المرحوم الحبيب الفرقاني الأمازيغي الأصل، المتيم في اللغة العربية إلى حد أبعد حد، وفي حفل غذاء علمت من وزير الثقافة العراقي أن الثورة العلمية و التكنولوجية بالعراق قطعت أشواطاً هامة. إذ أكد لنا الوزير أن حجم المجتمع العلمي العراقي يقارب 500 ألف عضو، بين عالم ومهندس و تقني. فسألته عن موقع اللغة العربية من هذا التقدم العلمي و التكنولوجي؟ فأجاب أن اللغة العربية هي لغة الوظائف العليا للسان، وتشاركها باقي اللغات في البحث العلمي، لكن تعميم نتاج البحث العلمي على المجتمع العراقي لا يتم إلا باللغة العربية. أتمنى من تيار الفرنكفونية و التيار الدارجي أن يطلعا على مثل هذه التجارب علها تساعدهما في استرجاع بعض من الوعي التاريخي بالمستقبل، المفقود عندهما الآن مع الأسف الشديد. ثالثاً:لكن التعريب يعني أيضاً إكمال التعريب العمودي للتعليم بتعريب الجامعة المغربية في العلوم المادية والتقنية، والتعريب الجاد الأفقي بتعريب الإدارة والإنتاج في القطاع العام وشبه العام والخاص، إن أردنا مردودية فعلية في باب التنمية ببلادنا. لقد أكدت تجربة تعريب المواد العلمية في التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي ارتفاع الحصيلة المدرسية للتلاميذ في هذه المواد. لقد ارتفعت نسبة الفهم لمضامين المواد العلمية و حصيلة المعارف لها. وعدم تعريب الجامعة والاقتصاد يدفع الطلبة وأولياءهم دفعاً نحو المعاهد التي تعنى باللسان الفرنسي، لأنها اللغة المتداولة في عالم الشغل بالمغرب. لكن لو كانت اللغة العربية هي لغة عالم الشغل لأقبل عليها المجتمع بلا تردد. إن عدم تعريب الجامعة و محيطها الإنتاجي عقبة كبرى أمام التنمية الشاملة ببلادنا.