خلافا لكثير من التحليلات التي تستصعب القدرة على إستشراف خطوط السياسة في المغرب وقراءة نوايا الفاعلين الرئيسيين في المشهد السياسي في المغرب، فقد ظهرت في الآونة الأخيرة ثلاث معالم أساسية يمكن من خلال دراسة تطورها وتتبع التفاعلات الممكنة فيما بينها، أن يتم ترجيح السيناريوهات بعضهاعلى بعض مع التحديد الدقيق للتجاذبات الكبرى التي يتوقع أن تحصل قبل إنتخابات .2012 فمن جهة، نرصد الحركية التنظيمية التي عرفها حزب التجمع الوطني للأحرار والتي انتهت بالقطع مع مرحلة مصطفى المنصوري، وبداية الحديث عن القطب الليبرالي في المغرب ومركزية هذا الحزب في بنائه. ومن جهة ثانية، نسجل الإنحسار الكبير الذي عرفه حزب الأصالة والمعاصرة، والذي يرجع بالأساس إلى الصراع الداخلي بين أجنحته ورموزه، والذي انعكس بشكل سلبي على الحزب في العديد من المواقع لاسيما في مدينة طنجة التي خسر فيها الحزب عمودية المدينة ويحاول اليوم أن يستعيدها من خلال رمز جديد. ومن جهة ثالثة، نرصد ثلاث تجاذبات أساسية: 1 تعبير حزب العدالة والتنمية عن رغبته في تحصين تقاربه مع الاتحاد الاشتراكي ورفع سقف نضاليته.(تصريحات عبد الإله بنكيران في مؤتمر جمعية مستشاري العدالة والتنمية وفي كل الجموع الجهوية التي أطرها) 2 بروز ردود فعل قوية من قبل وزارة الداخلية ضد حزب العدالة والتنمية (بلاغ وزارة الداخلية) 2 ظهور تعبيرات إستقلالية تدعو إلى التقارب مع العدالة والتنمية (شباط، عادل حمزة في جريدة العلم). هذه المعالم الثلاثة وإن كانت غير كافية، إلا أنها باجتماعها وتفاعل بعضها مع بعض، تقدم صورة واضحة عن نوايا الفاعلين الرئيسيين في المشهد السياسي، والتي تكاد تعكس النوايا الرسمية التي يتم التعبير عنها عادة بفكرة تشكيل أقطاب سياسية واضحة ومنسجمة، لكن في اتجاه يضمن إستمرارية التحكم في الخريطة السياسية واستبعاد القوى الديمقراطية عن دائرة التأثير. إذ يبدو أن السيناريو الذي يتم الاشتغال عليه حاليا بكل قوة هو أن يتم من خلال ثلاث اتجاهات رئيسة: 1 محاولة تفجير العلاقة بين حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، وقد كانت تصريحات شباط في السابق محسوبة على هذا الجهد أو مسايرة له، لولا أن تم تطويقها من قبل الحزبين بسبب تداعياتها على الائتلاف الحكومي. ويرجح أن يتم تسخين هذه الجبهة حتى يتم فك العلاقة بين الحزبين. 2 محاولة تفكيك التقارب بين العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي، وقد تم الاشتغال على هذا أكثر من مرة من خلال محاولة إستدعاء الخلاف الإيديولوجي بين الطرفين على أكثر من مستوى (محاولة استثمار النقاش التربوي حول رواية محاولة عيش لمحمد زفزاف لإفساد العلاقة بين الحزبين، محاولة استثمار ملف الفتاوى الذي نشر في ''التجديد'' ومحاولة استثمار مواقف أحد قادة اليسار في هذا الاتجاه....)، ويرجح أن يتم الاشتغال مجددا على هذه الجبهة ومحاولة تعميق الخلاف الإيديولوجي بين الطرفين ومحاولة إستثماره لتفجير الخلاف بين المجالس المنتخبة التي وقع فيها تحالف بين العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي. 3 محاولة حزب الاستقلال التقارب مع العدالة والتنمية (ملف الخمر في فاس، التأكيد على المرجعية الإسلامية، مواقف شباط من التقارب مع العدالة والتنمية، مقال نشره عادل حمزة في الديوان السياسي للوزير الأول ). بكلمة، إن السيناريو التي يتم الاشتغال عليه اليوم وبكل قوة لا يختلف عن السيناريو الذي تم التلويح به مسبقا، والذي كان يراهن فيه على تشكيل تحالف رئيسي بين حزب الأصالة والمعاصرة واليسار (الاتحاد الاشتراكي )وعلى أن يقود هذا التحالف المغرب السياسي، على أن ينتظم حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال معا ضمن القطب المحافظ. أي، أن السيناريو الذي تم الفشل في الوصول إليه بسبب موقف الاتحاد الاشتراكي المتريث ثم المناهض، يتم اليوم الاشتغال على إعادة إحيائه، بعد محاولة تجاوز بعض الأخطاء التي كان التقدير أنها شكلت عائقا أساسيا دون نجاح هذا التحالف (إدخال إدريس لشكر إلى الحكومة). الجديد اليوم، والذي يمثل تحديا حقيقيا أمام نجاح هذا السيناريو هو الصراع الداخلي العميق الذي يعرفه حزب الأصالة والمعاصرة والذي من المرشح أن تزيد حدته مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، إذ أن الحسم الذي انتهى إليه الحزب بخصوص التدبير التنظيمي والإيديولوجي للحزب، يمكن أن يحل مؤقتا بعض المشاكل، لكن مؤكد أنه سيتحول إلى بحر من الخلافات التي ستزداد حدتها مع اقتراب المحطة الانتخابية. أضف إلى ذلك تحد آخر يتمثل في موقف الاتحاد الاشتراكي، والذي يعتبر محددا أساسيا في نجاح هذا السيناريو أو فشله، إذ هذه المرة، يطلب من الاتحاد الاشتراكي أمران كلاهما يتناقض مع البيان السياسي الذي انتهى إليه الحزب في مؤتمره الثامن، ويتعلق الأول بتفجير الكتلة، ويتعلق الثاني بالسكوت عن العبث السياسي والتدخل الفوقي لصناعة الخرائط الانتخابية ناهيك عن إيقاف مطلب الإصلاحات السياسية. في التجربة السابقة، أي عقب انتخابات ,2007 كان موقف الاتحاد الاشتراكي محكوما بطابع الدراسة والتريث، ثم ما لبت أن تحول بعد ذلك إلى مناهضة للسيناريو، تم تصريفه من خلال الاصطفاف إلى جانب العدالة والتنمية في خط النضال الديمقراطي (التحالفات لتشكيل المجالس المنتخبة). اليوم، ترتسم ثلاث قضايا رئيسة تجعل من إنحياز الاتحاد الاشتراكي إلى هذا السيناريو أمرا صعبا، من ذلك صعوبة الإقدام على قتل الكتلة، ثم الأثر المتوقع على الجبهة الداخلية للحزب من جراء إنحياز الاحزب إلى هذا السيناريو خاصة وأن الحزب نجح بصعوبة في تطويق الخلاف العميق الذي سبق المؤتمر الثامن، ثم موقع الحزب في التشكيلة الحكومية، خاصة وأن التجارب السابقة أثبتت أن عملية تحجيم مواقع الحزب حكوميا وسياسيا بعد مرحلة التناوب إنما تمت ضمن هذا السيناريو. الخلاصة، أن السيناريو الذي يتم الإشتغال عليه اليوم بقوة، يتوقف من جهة على القدرة على إعادة العلاقة بين الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية إلى ما قبل 2007 أي تحديدا إلى أجواء ما بعد 16 ماي 2003بما يعنيه ذلك من تعميق الخلاف الإيديولوجي واستدعائه بقوة إعلاميا وثقافيا وفنيا وهو أمر يبدو صعبا اليوم بسبب جو الثقة والتعاون السائد بين الحزبين ، كما يتوقف من جهة ثانية على إعادة أجواء الاحتراب بين الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال، لكن هذه المرة بوتيرة أسرع وأخطر حتى يتم دق آخر إسفين في نعش الكتلة الديمقراطية وهو أيضا أمر لا يقل صعوبة عن سابقه بسبب مركزية الكتلة في تحالفات الحزبين، كما يتوقف من جهة ثالثة على قابلية الأطراف خاصة العدالة والتنمية على أن تستدرج في معارك ذات طابع إيديولوجي مع اليسار، مع تعميق الخلافات ذات الطابع الشخصي والمصلحي في المجالس المنتخبة التي تشكلت من تحالف العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي، ومحاولة إستثمار ذلك كجزء من عملية الإقناع التجيييش لفك الإرتباط بين الحزبين، وهو أمر صعب أيضا بسبب تنبه حزب العدالة والتنمية إلى هذا التحدي وإعلانه عزمه تحصين تحالفاته وعدم الإنجرار إلى الأجندة التي تضعف خط النضال الديمقراطي.