الإشكالات المسطرية للطلاق الطلاق! هذه الظاهرة الاجتماعية التي تستهدف عددا من الأسر المغربية، وتنجم عنها عدة آثار سلبية تمس بالخصوص أبناء الزوجين المنفصلين... كان ولا يزال مثار جدل ونقاش ساخن في الأوساط القضائية والحقوقية والسياسية والنسائية، وكان ولا يزال محل تقنين وضبط دائمين من أجل الحد من أعداده المتصاعدة وآثاره الاجتماعية والنفسية الممتدة باستمرار... وعلى الرغم من ذلك فإن ثمة ثغرات كثيرة تصاحب مسطرته سواء قبل الإذن به من قبل قاضي التوثيق أو بعده، ومن جملة الإشكالات التي تعترض مسطرته نذكر ما يلي: عدم تحديد آجال معينة لايداع الواجبات المترتبة عن الطلاق الرجعي. لقد أحسن المشرع صنعا حين أكد على ضرورة ايداع المبالغ المترتبة عن الطلاق الرجعي والمتعلقة بنفقة العدة ومتعة المطلقة وكالئ الصداق إن وجد ونفقة الأبناء في حال وجودهم، وذلك لأن كثيرا من المطلقين يتملصون من أداء ما حدد لهم من مبالغ بمجرد حصولهم على إذن بالطلاق مما يعرض المطلقة وكذا أبنائها للإهمال والضياع ، فتتضاعف بذلك نكبتها النفسية الناجمة عن صدمة الانفصال عن الزوج... إلا أن هذا الإجراء يظل عديم الفاعلية أحيانا لكونه غير مقيد بأجل معلوم للإيداع بصندوق المحكمة مما يجعل المطلق في حل من أمره وعلى الخيار المفتوح... بل إن بعض المطلقين، وإمعانا منهم في إذلال مفارقاتهم، يعمدون إلى المماطلة في أداء ما ترتب عن الطلاق من واجبات فيذرون المطلقات معلقات وهن يترددن على أقسام التوثيق دون معرفة مصيرهن النها ------------------------------------------------------------------------ ئي.. وتلجأ طائفة أخرى من المطلقين إلى هذا الأسلوب من أجل مساومة الزوجة قصد التنازل عن هذه الواجبات خاصة إذا كانت باهضة!! ويقع صنف آخر من المطلقين في هذا المطب" بحكم جهلهم بالمسطرة المسلوكة في الطلاق إذ يعتبرون مجرد إذن القاضي بالطلاق شفهيا موقع له دون الحاجة إلى الاشهاد عليه أو أداء ما بذمتهم من واجبات لفائدة المطلقات... ومن أجل تفادي أي مماطلة عفوية أو قصدية من قبل الأزواج نقترح ما يلي: أ إعلام المطلق مباشرة بعد صدور الإذن بالطلاق من قاضي التوثيق بأن الإشهاد على طلاقه زوجته موقوف على ضرورة ما حدد له من واجبات. ب تحديد أجل معقول لايداع هذه الواجبات في صندوق المحكمة لا يتجاوز شهرا ابتداء من تاريخ الإذن الشفهي بالطلاق. د حفظ الملفات التي لم يقع فيها الايداع حفظا نهائيا بعد تذكيره الأجل المحدد للإيداع.. ه إشعار المطلق بضرورة إيداع وصل الأداء بالملف قصد الحصول على الإذن الكتابي قصد الإشهاد على الطلاق أمام عدلين، لأن بعض المطلقين يحتفظون بوصل الأداء ويعتبرونه دليلا على الطلاق. ج إرسال تذكير إلى المطلق لاعلامه بانصرام الأجل المحدد للايداع مع إشعاره بأجل ثان لا يتعدى أسبوعين.. و السماح للمطلقة بسحب المبالغ المودعة بمجرد إيداعها في الصندوق لأن أمر تحديد الالتزامات المترتبة عن الطلاق (ف 179من المسطرة المدنية ) لا يقرر عادة إلا بعد الإشهاد على الطلاق أمام عدلين.. وبين العمليتين أجل يتفاوت طولا وقصرا بين المطلقين.. التنازل عن نفقة الأبناء في حال طلاق الخلع يعد طلاق الخلع أكثر أنواع الطلاق شيوعا في المغرب وذلك لجملة أسباب منها: أ جهل كثير من النساء معنى الطلاق الخلعي، بحيث يعمد كثير من الأزواج إلى بذل قسط من المال للزوجة أو لوليها بدعوى أن ذلك هو أقصى ما يمكن أن تحصل عليه في حال لجوئها إلى قاضي التوثيق.. فتقبل بذلك العوض مقابل تنازلها عن جميع الواجبات المترتبة عن الطلاق.. فيكون الزوج هو الباذل هنا وليست الزوجة المختلعة مع أن العكس هو الصحيح.. !! ب الإيذاء المفرط الذي تتعرض له المرأةقصد دفعها إلى التنازل عن حقوقها، وهو أمر لا يجوز شرعا حتى لا يجتمع على المرأة فراق الزوج والخسارة المالية، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن (أي تضيقوا عليهن وتمنعوهن) لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) (النساء 19). ولقوله سبحانه: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا اتأخذونه بهتانا وإثما مبينا) (النساء 20). وينص الفصل 63 من مدونة الأحوال الشخصية على ما يلي: >يشترط لاستحقاق الزوج ما خولع به أن يكون خلع المرأة اختيارا منه لفراق الزوج من غير إكراه ولا ضرر<،، من تم "لزم" قضاة التوثيق التحقق من عدم حصول الإجبار والإكراه في الخلع وخاصة وأن بعض الحالات يظهر فيها، الاجبار بوضوح كوجود آثار للضرب والعنف على جسد المرأة مثلا. ج إعسار وعدم قدرته على الإنفاق على زوجته وأولاده. د إيعازبعض العدول للراغبين في الطلاق إلى سلوك مسطرة الخلع لبساطتها وسرعة البت فيها خلافا لمسطرة الطلاق الرجعي التي تحتاج إلى جلسات متعددة.. وذلك بغية تلقي الإشهاد على الطلاق في أسرع وقت ممكن!! إلى غير ذلك من الأسباب الذاتية والموضوعية التي تدفع النساء إلى الاختلاع من عصمة أزواجهن. أما الإشكال الذي نود إثارته هنا فيتعلق بحقوق الأبناء في حال طلاق الخلع خاصة نفقتهم وأجرة حضانتهم، ذلك أن معظم طلبات طلاق الخلع تشير إلى أن الزوجة تتنازل عن جميع مستحقاتها من نفقة عدة ومتعة و كالئ صداق وعند وجود الأبناء تتنازل عن نفقتهم مع أن الفصل 65 من مدونة الأحوال الشخصية ينص صراحة على أنه >لا يجوز الخلع بشيء تعلق به حق الأولاد إذا كانت المرأة معسرة<.. فإذا كان من حق المرأة التنازل عن واجباتها المترتبة عن الطلاق لتعلقها بذاتها،فإنه لا مسوغ أن تتنازل عن نفقة أبنائها لأن من شأن ذلك أن يعرضهم للإهمال والضياع المادي ولأن نفقة الأب على أبنائه تستمر شرعا وقانونا إلى حين زواج الأنثى وبلوغ الذكر وقدرته على الكسب (الفصل 126 من مدونة الأحوال الشخصية)، وعليه فإن اجتهاد بعض قضاة التوثيق في إلزام أو إقناع المطلق خلعيا بضرورة بذل شيء من المال مقابل نفقة أبنائه له ما يبرره شرعا وقانونا. مراجعة الزوجة دون إشهادها على ذلك معلوم أن الزوج إذا طلق زوجته طلاقا رجعيا يحق له أن يرتجعها قبل انصرام عدتها أو بعد ما لم يكمل الثلاث لقوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر، وبعولتهن أحق بردهن في ذلك (أي أثناء العدة) إن أرادوا إصلاحا) (البقرة 229) وقد اختلف الفقهاء في اشتراط رضا الزوجة وعلمها بهذا الارتجاع، فذهب معظمهم إلى أن ذلك حق للزوج ولا يلزم إعلام الزوجة بذلك أو إشهادها عليه. وذهب آخرون إلى أنه يستحب إعلامها خشية إنكار الزوجة فيما بعد، أنه راجعها. وذهبت طائفة من الفقهاء ومنهم ابن حزم إلى لزوم إعلام الزوجة قبل مراجعتها وإشهادها على الرجعة يقول ابن حزم: >فإن وطئها لم يكن بذلك مراجعا لها حتى يلفظ بالرجعة ويشهد، ويعلمها بذلك قبل تمام عدتها، فإن راجع ولم يشهد، فليس مراجعا لقول الله تعالى: >فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف، وأشهدوا ذوي عدل منكم) (الطلاق 2). فرق عز وجل بين المراجعة، والطلاق والإشهاد فلا يجوز إفراد بعض ذلك عن بعض، وكان من طلق ولم يشهد بذوي عدل، أو راجع ولم يشهد بذوي عدل متعديا لحدود الله< انتهى كلامه. و أخرج أبو داود وابن ماجة والبيقهي، والطبراني عن عمران بن حصين: >أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها، ولم يشهد على طلاقها، ولا على رجعتها فقال: طلقت لغير سنة، وراجعت لغير سنة، أشهد على طلاقها، وعلى رجعتها ولاتعد<. وإذا كان إجماع الفقهاء على عدم ضرورة إشهاد المطلقة على رجعتها يجد مستنده في كون المطلقة طلاقا رجعيا تعتد ببيت الزوجية ومن تم فإنها تعلم بارتجاعها بمجرد وقوعه.. فإن الأقرب إلى الصواب والأليق بالأخذ في هذا العصر هو الأخذ بقول القائلين بضرورة الإشهاد على الرجعة لاعتبارات منها:1- أن العرف الذي جرى به العمل بين الناس، ومنذ زمن ليس باليسير، هو أن المطلقة تعتد في بيت أهلها سواء كان قريبا أم نائيا من بيت الزوجية، وإن كان السادة القضاة، وبناء على مقتضيات الفصل 179 من قانون المسطرة المدنية وخاصة الفقرة الثالثة منه، يعينون محل سكنى المطلقة خلال فترة العدة ببيت الزوجية.2-لأن كثيرا من الأزواج يتعسفون في استعمال هذا الحق فيذرونه حتى آخر أيام العدة فيقدمون عليه، وبعد انصرام أجل العدة بأيام يشهرونه في وجه الزوجة إما لعرقلة زواج جديد لها أو لمجرد إشعارها بقدرته على التحكم في مسار حياتها...!! 3 لأنه يجنب العدول الإشهاد على الطلاق دون التأكد من سنيته. ومن تم ينبغي إشعار السادة العدول بعدم تلقى إشهاد الزوجة على المراجعة إلا بحضور الزوجة وإن اقتضى الحال إخضاع هذا الأمر لرقابة قاضي التوثيق وضرورة الحصول على إذن منه من أجل المراجعة تفاديا للنزاعات التي تنجم عن هذه المسألة. إشكالية العدة العدة من الآثار الناجمة عن الطلاق، وقد شرعها الحق سبحانه في محكم كتابه العزيز في قوله: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وقوله في مطلع سورة الطلاق: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهم وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم). وقد شرعت لعدة غايات وحكم منها تحقيق استبراء الرحم وتفادي اختلاط الأنساب، وإعطاء مهلة للمنفصلين قصد التفكير من جل مراجعة بعضهما البعض. وإذا كان الفقهاء قديما قد اختلفوا في معنى القرء (الطهر أو الحيض) ومن ثم اختلفوا في مدة العدة، فإن الإشكال الذي يطرح مع العدة في مسطرة الطلاق اليوم يكمن في تاريخ ابتداء هذه العدة، ذلك أن الفصل 78 من مدونة الأحوال الشخصية جاء فيه: >تبتدئ العدة من تاريخ الطلاق...< دون تحديد المراد بهذا التاريخ على وجه الدقة. فهل المقصود به تاريخ الإذن الشفهي الصادر من قاضي التوثيق؟ أو تاريخ الحصول على الإذن الكتابي؟ أم تاريخ تلقي الاشهاد على الطلاق أمام العدول؟ فلو أخذنا بما جرى به العمل اليوم وهو اعتبار تاريخ الإشهاد على الطلاق هو تاريخ ابتداء العدة،فإن ذلك يعد إجحافا في حق كثير من المطلقات لأنهن يعتددن بذلك عدة غير شرعية قد تصل أحيانا إلى ثلاثة أضعاف العدة المنصوص عليها شرعا... ومن تم فإن الأليق بابتداء العدة هو تاريخ صدور الإذن بالطلاق عن القاضي، بغض النظر عن تاريخ تلقي الاشهاد عليه طال أمده أم قصر، وأن يتم التنصيص على ذلك في ديباجة رسم الطلاق على النحو التالي "الحمد لله وحده بناء على الإذن بطلاق رجعي عدد:... في الملف عدد... وتاريخ.... الصادر من السيد قاضي التوثيق بالمحكمة الابتدائية..." وذلك من أجل تفادي الخلط أو الإبهام الذي قد يحصل بين هذا التاريخ وتاريخ تلقي الإشهاد الذي يضمنه العدلان في ديباجة الرسم.. التطليق لغيبة الزوجة نصت المدونة في الفقرة الأولى من الفصل 57 على أنه "إذا غاب الزوج في مكان معروف مدة تزيد على سنة بلا عذر مقبول جاز لزوجته أن تطلب إلى القاضي بتطليقها بائنا إذا تضررت من بعده عنها ولو كان له مال يستطيع الانفاق منه". ويستفاد من هذه الفقرة أن الزوجة يحق لها اللجوء إلى القضاء قصد استصدار حكم من أجل تطليقها في حال غياب زوجها عنها مدة اتصال تزيد عن السنة... بينما سكتت عن ما ينبغي القيام به في حال غياب الزوجة!! ذلك أن حالات كثيرة من المرغوب في طلاقهن يغبن عن بيوت الزوجية أكثر من المدة المنصوص عليها في المدونة دون أن تعرف لهن وجهة معلومة... مما يجعل الأزواج في حكم المعلقين لا هم من المتزوجين ولا من المطلقين!! إذ أن هذه الحالة تجعل الزوج في حال لا يحسد عليه بحكم أنه لا يستطيع طلاق زوجته ما لم تتوصل باستدعاء الحضور إلى مجلس محاولةالصلح ولا يستغني عن حضورها إلا إذا ضمن بالملف ما يفيد توصلها على الأقل مرتين إحداهما بواسطة السلطة المحلية.. كما أن هذه الحالة لا تمكنه من الحصول على إذن بالتعدد لأن مسطرة التعدد تلزم بضرورة إشعار الزوجة الأولى أي الغائبة في هذه الحال وورود ما يثبت توصلها وإشعارها بملف التعدد!! وأمام هذه الوضعية التي يغبن فيها حق الزوج في معاشرة زوجية مستقرة بحكم غيبة زوجته عنه فإننا نقترح أحد أمرين: إما سلوك ذات المسطرة المتخذة في حال غياب الزوج. أو مراسلة السلطة المحلية من أجل التأكد من غياب الزوجة والاكتفاء ببحثها في الموضوع وبالتالي تلبية طلب الراغب في طلاق الزوجة الغائبة، دون اللجوء إلى مسطرة القيم التي قد تستغرق مدة زمنية أخرى تضاعف محنة طالب الطلاق!! . محمد إكيج