رأينا في الحلقة الماضية مشروعية المسح على الخفين وشرعنا في الحديث عن شروط هذه الرخصة، ومن آخر ما رأيناه في ذلك التزام المدة المحددة للمسح، وأصل تحديدها ما جاء في الحديث، من ذلك ما رواه مسلم بسنده عن شريح بن هانئ قال: أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين، فقالت :عليك بابن أبي طالب فسله فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. (وفي رواية قالت:ائت عليا فإنه أعلم بذلك مني) فسألناه فقال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم وروى الترمذي في سننه بسنده وصححه الألباني عن زر بن حبيش قال: أتيت صفوان بن عسال المرادي أسأله عن المسح على الخفين، فقال: ما جاء بك يا زر؟ فقلت: ابتغاء العلم، فقال: إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب. فقلت: إنه حك في صدري المسح على الخفين بعد الغائط والبول، وكنت امرأ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فجئت أسألك هل سمعته يذكر في ذلك شيئا؟ قال: نعم، كان يأمرنا إذا كنا سفرا أو مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، لكن من غائط وبول ونوم. فقلت: هل سمعته يذكر في الهوى شيئا؟ قال: نعم، كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فبينا نحن عنده إذ ناداه أعرابي بصوت له جهوري، يا محمد فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من صوته هاؤم. فقلنا له: ويحك اغضض من صوتك فإنك عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد نهيت عن هذا، فقال: والله لا أغضض. قال الأعرابي: المرء يحب القوم ولما يلحق بهم؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب يوم القيامة. فما زال يحدثنا حتى ذكر بابا من قبل المغرب مسيرة سبعين عاما عرضه أو يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين عاما قال سفيان قبل الشام خلقه الله يوم خلق السموات والأرض مفتوحا يعني للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه فتحديد مدة المسح واضحة، للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن وللمقيم يوم وليلة، والمشهور عند المالكية عدم تحديد مدة في ذلك، واستندوا على أحاديث ضعيفة في الموضوع منها ما رواه أبو داود وضعفه الألباني عن أبي بن عمارة قال يحيى بن أيوب وكان قد صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم للقبلتين أنه قال: يا رسول الله، أمسح على الخفين؟ قال: نعم، قال: يوما، قال: يوما، قال: ويومين؟ قال: ويومين، قال: وثلاثة؟ قال: نعم، وما شئت ومنها أيضا ما رواه أبو داود وضعفه الألباني عن أبي بن عمارة قال فيه حتى بلغ سبعا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم وما بدا لك وقال أبو داود نفسه في الحديث :وقد اختلف في إسناده وليس هو بالقوي وأقوى ما وقفت عليه للمالكية في عدم التحديد، قول مأثور لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، رواه ابن ماجة وصححه الألباني عن عقبة بن عامر الجهني أنه قدم على عمر بن الخطاب من مصر، فقال: منذ كم لم تنزع خفيك؟ قال من الجمعة إلى الجمعة. قال: أصبت السنة قال السندي في شرحه على سنن ابن ماجة: قَوْله ( أَصَبْت السُّنَّة ) الْمَشْهُور أَنَّ الصَّحَابِيّ إِذَا قَالَ كَذَلِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ رَفْع الْحَدِيث، فَهَذَا يَدُلّ عَلَى عَدَم التَّوْقِيت إِلَّا أَنْ يُقَال هَذَا لَا بِقُوَّةِ صَرِيح الرَّفْع فَيُقَدَّم عَلَيْهِ صَرِيح الرَّفْع، أَوْ يُحْتَمَل أَنْ يَكُون السُّؤَال وَالْجَوَاب عَنْ لُبْس الْخُفّ مَعَ مُرَاعَاة التَّوْقِيت وَاَللَّه أَعْلَم . وقال ابن العربي من المالكية في عارضة الأحوذي 1451 بخصوص تحديد مدة المسح: والصحيح التوقيت، لأن الأصل غسل الرجلين، والتوقيت ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق في الحضر والسفر، وحديث عمر ليس بنص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالنص عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى من قول عمر المطلق وهذا الذي انتصر له ابن العربي في تحديد توقيت المسح، هو رواية أيضا عن أشهب عن مالك، ولم يبق للقائلين من جمهور المالكية بعدم التوقيت إلا قول مالك رحمه اللهليس عند أهل بلدنا في ذلك توقيت أي الاستناد إلى عمل أهل المدينة.