الدراسة التي أنجزها فريق بحثي بكلية الطب والصيدلة بفاس تعيد إلى الواجهة طرح التهديد الذي يشكله التدخين على مستقبل الصحة في المغرب. فاليوم تتأكد من جديد نتائج الدراسات والأبحاث الوطنية التي قامت بها وزارة الصحة ما بين سنة 2000 و 2006 والتي انتهت إلى أن حوالي 34,5 في المائة من الذكور من 20 سنة فما فوق يدخنون، وهو رقم مخيف يفسر إلى حد كبير فشل السياسة الصحية في المغرب في التقليص من نسبة التدخين، وبالتالي التقليص من نسبة الإصابة بسرطان الرئة والتي تشير المعطيات الصحية التي توفرها منظمة الصحة العالمية إلى أن 90 في المائة من المصابين بهذا الداء العضال إما من المدخنين أو سبق لهم التدخين أو يعيشون في بيئة ملوثة بسبب التدخين. حسب معطيات سجل الرباط- وهو يمثل نموذج قابل لأخذ نظرة عن المغرب ككل- فإن عدد حالات الإصابة بسرطان الرئة الجديدة يقدر بحوالي 20 في كل 100 ألف في السنة الذكور، 2,8 في كل 100 ألف النساء، و يشكل سرطان الرئة السرطان الأول عند الرجال في المغرب بحوالي 20 في المائة، واعتمادا على هذه الأرقام، فيمكن أن تقدر الحالات الجديدة للإصابة بسرطان الرئة في المغرب بحوالي 3400 حالة ! الخطر الأكبر اليوم يتركز في الوسط المدرسي، إذ في غياب دراسة جديدة تتابع تطور السياسة الصحية في هذا الوسط، تبقى الأرقام التي خرجت بها الدراسات والأبحاث الوطنية التي أنجزتها وزارة الصحة على التلاميذ ما بين سن 13 و 15 سنة ما بين سنة 2001 و 2006 جد دالة، فالبحث الوطني الأول كشف أن 13,5 في المائة من التلاميذ حاولوا التدخين، و 4,2 في المائة يدخنون السجائر، و13,9 يدخنون جميع أشكال التبغ و 24,3 في المائة بدؤوا في التعاطي للتدخين قبل سن 10 سنوات، في حين كشف البحث الوطني الثاني عن تطور متسارع للتعاطي للتدخين في الوسط المدرسي، إذ نسبة تدخين التبغ بجميع أشكال في وسط التلاميذ إلى 15,5 في المائة كما ارتفعت نسبة المدخنين للسجائر إلى 6,4 في المائة. الجديد في الدراسة التي أنجزها الفريق البحثي من كلية الطب والصيدلة بفاس بالإضافة إلى تأكيد نتائج الدراسات والأبحاث السابقة هو الربط بين ارتفاع نسب التعاطي للتدخين والانهيار الأخلاقي والقيمي (ممارسة الدعارة بالنسبة إلى النساء) والتفكك الأسري (الطلاق) وحدة التوتر النفسي والاجتماعي (التداعيات النفسية والاجتماعية للفقر وتدني الدخل). هذه الخلاصات التي توفرها كل هذه الدراسات والأبحاث بالقياس إلى الآثار التربوية والاجتماعية والصحية التي تترتب على ارتفاع نسب التعاطي للتدخين لاسيما في الوسط التعليمي، تطرح إشكالين كبيرين، يتعلق الأول بالجانب القانوني ومسؤولية الحكومة في حماية النشء، ويتعلق الثاني بالجانب السياسي ونوع المقاربة التي تنهجها الحكومة في التقليص من خطر التدخين الذي يتوسع بشكل مخيف. فمن الجهة القانونية، لحد الآن، لم تصدر الحكومة النصوص التنظيمية لتطبيق القانون رقم 91 15 المتعلق بمنع التدخين والإشهار والدعاية للتبغ في بعض الأماكن العمومية رغم أن وزير الصحة السابق الشيخ بيد الله أكد في جلسة برلمانية ردا على سؤال شفوي سنة 2005 أن مشروع المرسوم الذي يحدد التدابير اللازمة لتفعيل أحكام القانون المذكور يوجد في مسطرة المصادقة. طبعا من المستحيل أن نصدق أن يبقى مشروع المرسوم هذا في مسطرة المصادقة لمدة خمس سنوات مما يعني أن هناك لوبيات منتفعة تعمل على أن لا تخرج هذه المساطر التنظيمية إلى حيز التطبيق، إذ أن هذا القانون لم يثر أي ردة فعل مجتمعية سلبية كما فعلته مشروع القانون المتعلق بمدونة السير، ومع ذلك، تم وضع القوانين التنظيمية المتعلقة بمدونة السير بعد أن تم المصادقة عليها، في حين تأخرت مسطرة المصادقة خمس سنوات ولا زالت تنتظر إذا ما صدقنا رواية وزير الصحة السابق. المفروض في حكومة، أنجزت وزارتها المختصة في الصحة دراسات وأبحاث لمدة 7 سنوات كلها تنبه على خطورة التدخين وسرعة انتشاره في الوسط المدرسي، المفروض عليها أن تنتج سياسة صحية تترجم في إجراءات قانونية ومالية وضريبية تعكس قلقها من هذا التهديد، وتعتمد خطة متكاملة لمحاصرة التدخين والتقليص من نسبة انتشاره .