كشفت النتائج المالية التي حصلتها الأبناك المغربية خلال السنوات الست الأخيرة عن مفارقة كبيرة يعيشها الاقتصاد الوطني، ذلك أنه في الوقت الذي يعرف فيه الاقتصاد الحقيقي أزمة وركودا في تلك الفترة، نجد الأبناك تحقق أرباحا كبيرة. ونظرة سريعة إلى أهم المؤشرات الاقتصادية تفرض وقفة معالجة الوضع باستعجال كبير.فالتجارة الدولية للمغرب سجلت تراجعا بنسبة 11,9 بالمائة سنة .2009 كما تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر 26,3 بالمائة سنة .2008وتقلص نمو الاستهلاك النهائي للأسر سنة 2009 بنسبة 3,12 بالمائة. و انخفض الناتج الداخلي الإجمالي بنسبة 2,46 بالمائة سنة.2009 وفي ظل هذه المؤشرات الكارثية نجد أن الناتج الصافي الخام للبنوك المغربية ارتفع بشكل صاروخي لا يفسر بالمعادلات الرياضية إلا باستفادته من ظروف الأزمة الاقتصادية العامة. وهكذا سجل ذلك الناتج للمجموعة التجاري وفا بنك ارتفاعا ب 12,8 في المائة، خلال الستة أشهر الأولى من 2010 ليمر من 3,326 مليار درهم إلى 3,753 مليار درهم. كما حققت مجموعة البنك المغربي للتجارة الخارجية خلال ذات الفترة ناتجا بنكيا صافيا بمبلغ 12,8 في المائة. أما حصيلة الناتج الصافي لمجموعة البنك الشعبي خلال نفس الفترة فقد بلغت 1,7 مليار درهم مسجلة نموا نسبته 7,3 بالمائة مقارنة مع نفس الفترة من سنة .2009 وتكشف تلك المفارقة، وبشكل صارخ، استحالة اندماج المنضومة البنكية المغربية في التنمية. ذلك أن ذلك النظام يعاني من عدة أمراض وعاهات. من جهة أولى، يعتمد النظام البنكي المغربي على منظومة قانونية عتيقة وتقليدية مما لم يسمح للقطاع بالتطور، وظل منحصرا فقط في التعاملات الكلاسيكية المرتبطة أساسا بنظام القروض. والكل يتذكر تلك المقاومات التي باشرها لوبي القطاع للحيلولة دون الانفتاح على التجارب البنكية الأجنبية. من جهة ثانية، نجد أنه نظام مبني على الريع، ذلك أن الأبناك المغربية من حيث المنشأ ارتكزت على منطق الريع، وهو منطق يشكل عائقا أمام تطور القطاع نحو القبول بمنطق المخاطرة، وكذلك فسح المجال للتعاملات البديلة. من جهة ثالثة، نجد أنه نظام يشجع على الاستهلاك، ذلك أن النشاط البنكي في المغرب أصبح يعرف تراجع حجم الودائع مقابل تسارع في وتيرة نمو القروض. بل إن سعار الاقتراض أدى بمختلف البنوك إلى فتح نوافذ متخصصة لتشمل قروض التجهيز، السكن، السيارات، الاستهلاك المنزلي، السلفات الصغرى، كبش العيد... مما أدى إلى تداعيات اجتماعية خطيرة. من جهة رابعة، نجد أنه نظام لايساهم في البناء التنموي، فالنظام البنكي المغربي يستمد ارتفاع أرباحه من هوامش نظام القروض التي يتبناه. بالمقابل وبدافععدم المخاطرة لا نجد القطاع يساهم في المشاريع التنموية الكبرى المفروض أن يساهم فيها. من جهة خامسة، نجد أنه نظام ربوي بامتياز مترددج في الانفتاح على البدائل البنكية المعتمدة في كثير من الدول. والغريب أن بعض الاقتصاديات الغربية اقتنعت بجعل نسبة الفائدة صفر بالمائة، من أجل تشجيع تمويل المشاريع الصغرى والمتوسطة ، يصر النظام البنكي الوطني على تكريس المنطق الربوي. من مظاهره منع كل محاولة لإنشاء أبناك إسلامية تقطع مع نظام الفوائد البنكية المحرمة شرعا وغير المجدية اقتصاديا. إن النظام البنكي المغربي مطالب بتجاوز هاته الحالة، والقطيعة مع منطق البحث عن الأرباح السهلة منطق نتيجته إغراق الشرائح الاجتماعية بالقروض الربوية. كما أن القطاع مطالب بإعادة النظر في آليات اشتغاله، لكي يساهم في العملية التنمية بشكل يفتح فيه عقليته لمنطق المغامرة. والهدف أن يساهم بقوة في معالجة أدواء الاقتصاد الوطني من تدني معدل النمو وارتفاع البطالة وضعف الاستثمار وارتفاع معدل الفقر والهشاشة الاجتماعية.