الدكتور إبراهيم السعيدي يشغل حاليا مهمة أستاذ بجامعة لافال وشربروك بكندا، يدرس الرهانات الأمنية المعاصرة، الجغرافية السياسية المعاصرة، وتصورات الأمن القومي بالمغرب العربي والشرق الأوسط وكذا المشكلات السياسية بالشرق الأوسط.، وقد حصل على شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة كيبك بمنتريال، وقد حصل على الماجستير في نفس المجال من جامعة لافال، وكان حصل على دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في الدراسات الإستراتيجية وسياسة الدفاع من المدرسة العليا للدراسات الدولية بباريس، كما حصل على دبلوم من الكلية العسكرية للحلف الأطلسي بروما في مجال تدبير النزاعات المسلحة. ويعتبر من المتخصيين الدوليين في شؤون الحلف الأطلسي وفي السياسات الدفاعية والأمنية بالعالم العربي . وقد صدرت له عدة أعمال أكاديمية متخصصة في هذا المجال. في هذا الحوار، الذي سننشره في جزءين، يتعرض إبراهيم السيعدي لأهم الإشكالات التي تعترض الإتحاد من أجل المتوسط وما يمثله حضور إسرائيل في هذا الاتحاد، ومستقبله هذا الإطار، وحساب الربح والخسارة بالنسبة إلى مشاركة المغرب فيه، كما يتعرض لاستراتيجية الحلف الأطلسي في المنطقة والعوائق الأمنية التي يواجهها والخيارات التي طرحها لتجاوز هذه العوائق، كما يناقش في هذا الحوار الإشكالات السياسية التي تعيق التعاون على المستوى الأمني في المنطقة خاصة النزاع في موضوع الصحراء بين المغرب والجزائر واختلاف مصالح كل من الطرفين، وأثر هذا النزاع واختلاف المصالح بين البلدين في إعاقة استراتيجية مكافحة الإرهاب في المنطقة لاسيما في منطقة الصحراء جنوب الساحل. منذ الإعلان عن ولادة الإتحاد من أجل المتوسط كان هناك تخوف كبير من طرف الدول العربية من أن تكون إسرائيل هي القنبلة التي ستفجره من الداخل، وأظهرت التطورات صدق هذه التخوفات، إذ تجمد هذا الإطار منذ الإعلان عنه، وفشل في عقد دورته رغم المساعي التي تبذلها اليوم إسبانيا لإحيائه، هل تتوقعون أن يكون لهذا الاتحاد دور في المستقبل أم أن ولادته كانت ميتة منذ البداية بسبب مشاركة إسرائيل فيه؟ الإتحاد من أجل المتوسط هو في الأساس مشروع فرنسي طرحه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي خلال شهر مايو ,2007 وتبناه المجلس الأوربي في مايو 2008 ليصبح بذلك مشروعا أوربيا اتحاديا من أجل تكملة الشراكة الأورومتوسطية أو ما يسمى بمسلسل برشلونة الذي تعود بدايته إلى عام .1995 وتقوم فكرة هذا الإتحاد على منهجية توافقية تترك الخلافات السياسية جانبا، وتعطي الأولوية للتعاون في المجالات التي تلتقي فيها مصالح الجميع ( البيئة، الماء، الطاقة البديلة، النقل، التربية والتكوين..)، وفي حالة تعميق التعاون ومأسسته في هذه المجالات ستخلق أرضية جاهزة لحل الخلافات السياسية سواء تعلق الأمر بالنزاع العربي الإسرائيلي أو بنزاع الصحراء الغربية... وتنتمي هذه الفكرة إلى المدرسة الليبرالية المؤسساتية (في إطار العلاقات الدولية)التي تنادي بالتعاون من أجل درء نشوب النزاعات وحلها ومما لا شك فيه أن وجود إسرائيل في هيأة الإتحاد ومركزية النزاع العربي الإسرائيلي في كل سياسات الأمن المتوسطي تعتبر من بين نقاط ضعف هذا الإتحاد.. غير أنه ليس بالسبب الوحيد والمحوري، إذ هناك عوامل أخرى سياسية وتقنية جديرة بالإعتبار ساهمت في فشل الإتحاد من أجل المتوسط، أولها، أن هذا الإتحاد لا يشكل أية قيمة مضافة مقارنة مع مبادرات التعاون المتوسطي الأخرى: سياسة الحوار الأوربي، الشراكة الأورومتوسطية، حوار 5+,5 حوار المتوسط الذي يطرحه الحلف الأطلسي، مبادرة منظمة الأمن والتعاون الأوربي (OSCE)، بمعنى آخر أن هذا الإتحاد لا يحمل أي جديد. ثانيا، أن هذا الإتحاد لا يحظى بإجماع ودعم جميع أعضاء الإتحاد الأوربي (28 عضوا) الذي بات يعاني من سياسة التوسيع من مشكل الجهوية ، بحيث سطرت كل دولة أوربية أولوياتها الإستراتيجية الخاصة بها حسب موقعها الإستراتيجي وعلاقاتها التاريخية بدول الجوار. فالدول ذات الواجهة المتوسطية كفرنسا وإيطاليا وإسبانيا تدعم مبادرات التعاون المتوسطي، في حين أن دولا مثل بولونيا وألمانيا تتجه نحو الإهتمام أكثر بأوربا الشرقية، ونفس الأمر ينطبق على الدول الإسكندنافية.. مما يفسر غياب التوازن في السياسة الأوربية بين محيطها الأطلسي والمتوسطي. ثالثا، وفي ارتباط مع العامل الثاني، فإن القاعدة العامة في التعاون الدولي، هي أن الدول تقدم الدعم المالي والسياسي للمنظمات الدولية أو التجمعات عبر الوطنية حسب أولوياتها وبرامجها المرحلية.. في حين أن الإتحاد من أجل المتوسط لا يتمتع بالدعم الكافي خاصة في ظل الأزمة المالية العالمية التي دفعت عددا من الدول إلى مراجعة اعتماداتها المالية الممنوحة لمثل هذه التجمعات. رابعا، نستطيع الحديث بإسهاب عن غياب الإنسجام داخل هذا الإتحاد بين دول أوربية تشكل مجموعة أمنية مندمجة ومتطورة، وبين دول جنوبية منقسمة ومتصارعة تفتقد لأدنى شروط التوافق وبالأحرى التضامن أو الوحدة.. ومثل هذا الوضع لا يساعد أبدا على تطوير رؤية مشتركة لمصادر التهديد الأمني لمنطقة البحر الأبيض المتوسط... كل هذه الإعتبارات تفسر في نظري فشل الإتحاد من أجل المتوسط منذ ولادته، ولذلك يمكن القول أنه اتحاد لا مستقبل له رغم محاولات إسبانيا لإحيائه. ما الذي كسبه المغرب من هذا الإطار، وما الكلفة السياسية والدبلوماسية التي قدمها؟ أعتقد أن هذا الإتحاد لا يحمل أي جديد للمغرب ولا يقدم له أية قيمة إضافية مقارنة مع علاقاته التقليدية بالإتحاد الأوربي. والحالة هذه، فإنه لا يمكن الحديث عن الكلفة السياسية أو الدبلوماسية بالنسبة لدولة مثل المغرب التي تدعم مبادرات التعاون المتوسطي باعتبارها جزءا من هويتها المتوسطية. فعلى خلاف ليبيا التي اعتبرت هذا الإتحاد مشروعا لتمزيق الوحدة الإفريقية والعربية وكذا إضعاف التجمعات الموجودة.. والجزائر التي أبدت تحفظات على وجود إسرائيل وعلى الموقف الفرنسي من نزاع الصحراء، وطالبت بإعطاء بعد إنساني للعلاقات المتوسطية خاصة في مجال تنقل الأفراد..فإن غرض المغرب من انخراطه في الإتحاد من أجل المتوسط هو دعم موقعه المتقدم الذي يتمتع به في علاقاته مع الإتحاد الأوربي اعتقادا منه أنه شريك ليس كبقية الشركاء. فنحن إذن أمام خلفية التميز خاصة عن الجزائر، وهي ذات خاصية عامة تعتمدها عدد من الدول العربية في علاقاتها مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوربا لتقدم نفسها على أنها الشريك الأمثل والأكثر حظوة. ويجب التذكير ههنا أن ما يسمى بالوضع المتقدم ليس إلا رمزا لصداقة سياسية أو تاريخية، ولا يقدم للمغرب أية مصالح حقيقية وملموسة سواء من الناحية السياسية أو الإقتصادية أو الأمنية..وبناء عليه، فإن المملكة المغربية مطالبة بتنويع تحالفاتها الإقتصادية والأمنية حتى لا تبقى رهينة أحادية الوجهة: الإتحاد الأوربي خاصة فرنسا، والولاياتالمتحدةالأمريكية. فمثلا النفوذ الذي يمارسه اللوبي الفرنسي في إطار تحديد العلاقات المغربية الفرنسية لا يرى أنه من مصلحته انفتاح المغرب على شركاء جدد لأن من شأن ذلك أن يعزز تنافس الأطراف الأخرى مع فرنسا وكسر النفوذ الفرنسي داخل المغرب سيما على المستوى الثقافي والإقتصادي...وعليه، فإنه في اعتقادي الشخصي، أن المغرب سيربح كثيرا إذا عزز علاقاته مع إفريقيا السوداء ودعم إطار التعاون جنوب-جنوب، والحالة هذه، فإن المملكة المغربية مطالبة بتعزيز وضعها داخل الإتحاد الإفريقي.. ويمكن أن تشكل علاقات الدانمارك بالإتحاد الأوربي نموذجا يستعان به في هذا الإتجاه. كما يمكن للمغرب أن يعزز مكتسباته السياسية والإقتصادية إذا اهتم بتطوير علاقاته مع الدول الصاعدة خاصة الصين، تركيا والبرازيل على أساس أن يكون محدد العلاقة هو تحقيق المصلحة النفعية بأبعادها المختلفة وليس بالضرورة موقف هذه القوى من نزاع الصحراء. قمتم بدراسة متخصصة عن دور الحلف الأطلسي في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وأشرتم إلى أن التطور الذي حدث من خلال عقد الحلف لاتفاقيتي شراكة مع دول المنطقة لا تزال تعترضه عوائق سياسية على الرغم من الحاجة الملحة للجواب على إشكالية الأمن في المنطقة، هل يمكن الحديث عن فشل استراتيجية الحلف في المنطقة خاصة على المستوى الأمني، أم أن هناك خيارات لاستيعاب هذه العوائق وتجاوزها؟ أعتقد أن مبادرات التعاون التي يطرحها الحلف الأطلسي على خلاف الإتحاد من أجل المتوسط لم تفشل. فمبادرة الحوار المتوسطي التي أطلقها سنة 1994 وكذا مبادرة اسطنبول للتعاون سنة 2004 تشكلان رغم تواضعهما إطارا للتعاون السياسي والعسكري بين الحلف الأطلسي من جهة ودول جنوب المتوسط والدول الخليجية من جهة أخرى. فالحلف نجح بفضل هذه المبادرات في تبديد تخوفات النخب الحاكمة في هذه الدول بشأن حقيقة أهدافه في المنطقة. فهو لا يبحث عن عدو جديد ، ولم تعد توجهات المنظمة كما ورثها الحلفاء عن الحرب الباردة، وأن الحلف قد شهد تحولا وظيفيا من منظمة تهتم بالأمن الدفاعي إلى منظمة تعطي أهمية أكثر لقضايا الأمن الجماعي. ولهذا السبب، أعتقد أن الحوار مع الحلف الأطلسي سيتطور تدريجيا ومرشح لأن يتخذ أبعادا جديدة في المستقبل.. إلا أنه على مستوى الرأي العام، لازالت صورة الحلف الأطلسي سلبية لإرتباطها بقتامة وسلبية سورة الولاياتالمتحدةالأمريكية في العالم العربي والإسلامي. وإجابة عن الشق الثاني من السؤال، فإنه صحيح أن هناك معوقات عديدة كانت وراء النتائج المتواضعة للحوار المتوسطي الذي يطرحه الحلف الأطلسي، أهمها، استمرار النزاع العربي الإسرائيلي، واختلاف وجهات النظر بين أعضاء الحلف الأطلسي حول الأهمية التي يجب أن يوليها الحلف للعلاقات مع دول هذه المنطقة، أو ما يسمى في أدبياته بما وراء الحدود التقليدية hors zone.. إلا أن قمة لشبونة الأطلسية التي ستنعقد في نونبر المقبل ستحدد آفاق هذه العلاقة التي ستتبنى مفهوما استراتيجيا جديدا. ومهما يكن الأمر، فإني أعتقد أن المغرب سيستفيد كثيرا من تجربة الحلف الأطلسي فيما يتعلق بتدبير النزاعات وتدبير القدرات التدريبية للجيش المغربي خاصة فيما يتعلق ب التقارب العملياتي الذي يعتبر أهم مظهر من مظاهر تحول السياسات الدفاعية في إطار السياق الإستراتيجي لما بعد الحرب الباردة. كما يمكنه أن يستفيد من ما يسميه الحلف الأطلسي بالبرنامج الإنفرادي ليقترح المجالات التي يراها ذات أهمية سواء تعلق الأمر بالدفاع المدني أو الشؤون العسكرية .. من بين الإشكالات السياسية التي تعيق التعاون على المستوى الأمني في المنطقة النزاع في موضوع الصحراء بين المغرب والجزائر واختلاف مصالح كل من الطرفين، إلى أي حد كان لهذا النزاع ولاختلاف المصالح بين البلدين أثر في إعاقة استراتيجية مكافحة الإرهاب في المنطقة لاسيما في منطقة الصحراء جنوب الساحل؟ لا ينحصر تأثير نزاع الصحراء على استراتيجية مكافحة الإرهاب فحسب، بل يعتبر المحدد الرئيسي للعقيدة الأمنية والدفاعية لكل من المغرب والجزائر. وأعتقد أنه رغم المشاكل السياسية المعقدة، فإنه لا يمكن تجاهل أهمية قنوات التعاون الأمني بين البلدين في مجال الإرهاب والهجرة السرية رغم تواضعها..وهنا أشدد على فكرة ضرورة تعزيز هذه القنوات وبذل مجهود أكبر لتطويرها من أجل احتواء التحديات الأمنية الكبرى في المنطقة، وأخص بالذكر، تجارة السلاح، الهجرة السرية، المخدرات والإرهاب...التي أصبحت تطرحها منطقة الساحل والصحراء والمجموعات الإرهابية سواء تعلق الأمر بتنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي أو تنظيم إمارة الصحراء التي تستفيد من شساعة هذا المجال الصحراوي الواسع وغياب التعاون بين دول المنطقة.. والدول المؤهلة لإيجاد صيغة جهوية مشتركة من أجل مواجهة هذه التحديات هي بالتأكيد كل من المغرب والجزائر لإمتلاكهما المؤهلات الأمنية والدفاعية والإستخباراتية الكفيلة بالتدخل لوضع حد لهذه الإشكاليات الأمنية أو على الأقل التقليل من حدتها... وفي قضية الأمن بمنطقة الساحل والصحراء نجد أنفسنا أمام ما بات يصطلح عليه في نظريات العلاقات الدولية بالدولة العاجزةالتي بحكم تركيبتها ومقوماتها الضعيفة لاتمتلك القدرة على مراقبة حدودها، وتعتبر لذلك هدفا متميزا للشبكات الإرهابية والإجرامية..وهذه حقيقة تنطبق على أغلبية دول الحزام الساحلي بما في ذلك: موريتانيا، مالي، النيجر، بوركينافاسو والتشاد.. إلا أن الذي يعيق التعاون بين المغرب والجزائر هو ظهور مؤشرات عديدة تدل على ارتباط عدد من عناصر البوليساريو بتنظيم القاعدة المتمركز بالمغرب الإسلامي، وانتشار تجارة السلاح في مخيمات البوليساريو...ورغم خطورة مثل هذا الوضع، فإن الجزائر ترفض هذه الأطروحة وتعتبرها مجرد ادعاءات لتوريط البوليساريو ليس إلا...وفي اعتقادي، أنه رغم هذه الخلافات، يمكن البحث عن صيغة مشتركة للتعاون ولتكن البداية مثلا بتقديم مشروع لدى الأممالمتحدة لتجريم تعويض مختطفي ومحتجزي الرهائن..وهذا مشروع تتبناه الجزائر بقوة... يطرح موضوع استعمال الطاقة النووية في منطقة المغرب العربي العديد من الإشكالات، منها ما يتعلق بالموقف الدولي خشية أن يتحول الأمر إلى تسلح نووي، ومنها ما يتعلق بالبعد البيئي، ومنها أيضا ما يتعلق بالخطر الإرهابي، في نظركم ما الذي يجعل مشروع الطاقة النووية في المغرب متأخرا في مجال التنمية المستدامة على الرغم من أن هذا المشروع بدأ مع سنة 1980 وتم إنشاء أول مفاعل نووي سنة 2007 من قبل الشركة العامة الذرية الأمريكية؟ من وجهة نظر الدراسات الإستراتيجية تدخل الطاقة النووية في إطار ما يسمى بالتكنولوجيا ذات الإستعمال المزدوج، بمعنى أنه يمكن استعمالها لأغراض مدنية وأخرى عسكرية (أي امتلاك السلاح النووي بهدف الردع وتحقيق التوازن العسكري). ومن الناحية التاريخية، فإن الصناعة النووية المدنية قد تطورت بفضل التكنولوجيات التي استعملت لصناعة القنبلة النووية. ويعتبر الإستعمال السلمي للطاقة النووية حقا مشروعا يضمنه الفصل الرابع من معاهدة الحد من الانتشار النووي التي تم التوقيع عليها سنة 1968 ودخلت حيز التنفيذ عام .1970 والإمتلاك السلمي لهذه الطاقة له ما يبرره في ظل ندرة موارد الطاقة على المستوى الدولي، خاصة التحضير لمرحلة ما بعد البترول والغاز، والبحث عن الإستقلال الطاقي بفعل الإضطرابات التي يعرفها سعر البترول، إلى جانب الإعتبارات الإقتصادية الملحة كتحلية المياه، والصناعات الغذائية، دون أن ننس الإعتبارات الطبية بالتأكيد... وتعتبر الأخطار الثلاثة التي طرحتها في سؤالك حول استغلال الطاقة النووية لأغراض عسكرية، والإعتبارات البيئية خاصة النفايات النووية، وكذا الخطر الإرهابي..جوهر النقاش السياسي على المستوى الدولي فيما يتعلق بالإعتراف لعدد من الدول بحقها في الإمتلاك السلمي لهذا النوع من موارد الطاقة خاصة بالنسبة للدول العربية والإسلامية. وفي منطقة المغرب العربي، يمكن التمييز بين نوعين من الدول: الدول التي تثير شكوك المنتظم الدولي وهي ليبيا والجزائر، والدول التي تتمتع بقدر من الثقة وهي تونس والمغرب. وكل هذه الدول تمتلك تجارب بقدرات متفاوتة فيما يخص بناء محطات الطاقة النووية. وبالنسبة لأنشطة المغرب بهذا الخصوص، فإنه لا يثير أية شكوك من طرف الدول المانحة لهذه التكنولوجيا، وتحترم مقتضيات الوكالة الدولية الذرية فيما يتعلق بإجراءات التفتيش والمراقبة وشفافية المعلومات.. خاصة وأن السياسة الدفاعية للمغرب لم يكن لها أية طموحات للحصول على أسلحة الدمار الشامل، ولايمتلك الصواريخ المتوسطة أو البعيدة المدى الحاملة للرؤوس النووية. وعلى المستوى العملي، يمكن وصف هذه الأنشطة من الناحية الزمنية بالقديمة إذ ترجع إلى عام 1980 في إطار التعاون الثنائي مع الولاياتالمتحدةالأمريكية (التي كانت وراء تأسيس المفاعل النووي سنة 2007 بفضل شركة جنرال أتوميكس). ويعتبر المركز الوطني للعلوم والتقنيات النووية الذي تم تأسيسه سنة 1986 الهيئة التي تشرف على الأبعاد التقنية لهذه الأنشطة... إلا أنها أنشطة جد متواضعة تسير بخطوات حثيثة ومحسوبة رغم تأخرها في أن تتحول إلى رافد من روافد التنمية المستدامة...ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى الرؤية الإقتصادية للدولة ومدى توفرها على حكامة جيدة في المجال السياسي. وحينما ننظر إلى المخطط الإستراتيجي لإستغلال الطاقة الذي سيعتمده المغرب خلال السنوات القادمة ما ببين 2020 -0302 نستخلص أن الدولة قد قررت رفع التحديات الكبرى لتكنولوجيات المستقبل، أي البحث في قضايا الطاقة البديلة والمستدامة والتحضير لما بعد المحروقات.. وأعتقد أن المغرب ليس له خيار آخر لأنه يعاني من عجز تام في هذا الميدان مادام أن 96% من موارده من الطاقة تستورد من الخارج، وأنه يواجه ارتفاعا متزايدا على طلب الطاقة بنسبة ما بين 8% إلى 10% في السنة. يضاف إلى هذا، رغبة المغرب الإستفادة من البرنامج الجهوي للوكالة الدولية للطاقة الذرية المرتبط باستعمال الطاقة النووية لتحلية مياه البحر، أخذا بعين الإعتبار أن الإنتاج الفلاحي يساهم ب 7,17% من الدخل الوطني الخام. ومن جهة أخرى، لا ننس أن المغرب قد أصبح محط استقطاب دولي لإمتلاكه مخزونا هائلا من الفوسفاط يقدر ب 75% من الإحتياط العالمي ، مع التنبيه إلى أن الفوسفاط مادة استراتيجية في الصناعات النووية باعتباره مصدرا خاما لمادة اليورانيوم. ولهذا السبب عقدت المجموعة الفرنسية Areva اتفاقا مع المغرب سنة 2007 (وهي من أكبر المجموعات في إنتاج الطاقة النووية على المستوى الدولي)، إلى جانب المجموعة الروسية Atomstroyexport التي تسعى إلى تعزيز موقعها في السوق المغربي. وأمام هذا الوضع، فإنه لابد من التشديد على أنه من مصلحة المغرب تنويع شركائه وتقوية استراتيجيته بخصوص الإستخدام المدني للطاقة النووية حتى لا يفوته الركب، وليحافظ على موقعه التنافسي مع دول الجوار.. سيما وأن أنشطة المغرب في هذا المجال تعتبر محط اهتمام استخباراتي كبير من طرف إسبانياوالجزائر.