دعا الباحث السوسيولوجي الدكتور محمد جسوس اليوم الجمعة بالرباط إلى ضرورة إعادة هيكلة الجمعية المغربية لعلم الاجتماع لتكون وسيلة لتنظيم النقاشات الكبرى حول الأطروحات السوسيولوجية الراهنة. واعتبر الأستاذ جسوس، خلال ندوة علمية نظمتها مجموعة الأبحاث والدراسات السوسيولوجية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط حول " السوسيولوجيا والمجتمع: قراءة في كتابات ومسار محمد جسوس"، أن أسس فكر الحداثة تتمثل على الخصوص في العقلانية والتنوع والنقد والمدينة. وأشار إلى غياب مراجع كبرى وجيل جديد من المنتجين في مجال السوسيولوجيا، مشددا في هذا السياق على أنه لا يمكن أن يكون هناك تطور ورقي إلا عن طريق التنوع والتعدد والحوار، على اعتبار أن الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة بصدد التحول إلى أزمة فكرية على الصعيد العالمي. وتطرق إلى قلة الدراسات المونوغرافية حول القضايا الكبرى، داعيا إلى تنويعها حسب الطروحات، باعتبار المونوغرافيا وسيلة لضبط المعلومات وإنجاز الدراسات المقارنة، التي تمكن بالتالي من تطوير القواعد العامة المعتمدة داخل المجتمع. كما ركز على أهمية تنظيم منجهية البحث، وكذا بناء أسس النظريات في المجال السوسيولوجي من خلال البحث الميداني وجمع المعطيات والبحث المقارن باعتبار هذا الأخير جوهر علم الاجتماع، وأن المعرفة تنبني انطلاقا من المقارنة. وبخصوص الانتماء المغاربي، دعا الأستاذ جسوس إلى إعادة النظر في جدول الأعمال وطريقة التعامل مع القضايا السياسية من قبيل اندماج المغرب في المغرب العربي وكذا الانفتاح على إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط. وخلال افتتاح هذا اللقاء الذي نظم تكريما ووفاء للمسار العلمي لمحمد جسوس وتعريفا بأعماله، ذكر رئيس جامعة محمد الخامس بالرباط السيد حفيظ بوطالب الجوطي أن محمد جسوس قام إلى جانب العمل الجماعي والسياسي والتعليمي والبحث، بجهود جبارة في بلورة ميثاق التربية والتكوين، مشيرا إلى أنه سيتم إطلاق اسم جسوس على إحدى القاعات بالكلية عرفانا بما قدمه الباحث لعلم الاجتماع المغربي وبغية تعريف الأجيال الصاعدة من الطلبة بإسهامه الفكري. وأكدت الكلمات التي ألقيت بهذه المناسبة، أن الأستاذ جسوس يعتبر بمثابة علامة فارقة في تاريخ السوسيولوجيا المغربية، وذلك بالنظر إلى الدور المتميز الذي لعبه منذ نهاية ستينيات القرن الماضي في تكوين أجيال عديدة من السوسيولوجيين، وبصفة خاصة في انفتاح الجامعة المغربية الناشئة على مقاربات نظرية وممارسات ميدانية جديدة، سمحت بتأسيس خطاب سوسيولوجي متميز بعقلانيته ونزعته النقدية من جهة، وبحرصه على التقيد بالاشتغال في حدود العلم ووفق ضوابط ومقتضيات كانت بدورها في طور التأسيس، ساهم محمد جسوس بحظ وافر في تقعيدها وترسيخها. في هذا الاطار تطرق الأستاذ محمد الناصري في مداخلة بعنوان " السوسيولوجي نائبا جماعيا، ذكريات تدبير محلي وتفكير سوسيولوجي"، إلى الدور الذي اضطلع به جسوس في التصميم المديري للرباط وسلا إلى جانب المهندسين المعماريين، من خلال تقديم نتائج البحوث السوسيولوجية الميدانية، حيث دعا إلى منح الأولوية للمحافظة على النسيج المجتمعي الذي كان يتميز آنذاك بالحضريين الجدد، أي القرويين القادمين حديثا إلى المدن. من جهته استعرض السوسيولوجي عثمان أشقرا قراءة في مسار محمد جسوس السوسيولوجي الملتزم بالاشتراكية والأخلاق، أما الأستاذ الجامعي مصطفى محسن فقد تناول المسألة السوسيولوجية والمسألة الاجتماعية في أعمال ومسار محمد جسوس. من جانبه ، تطرق السيد عبد الحي المودن أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية إلى الأطروحات السوسيو سياسية الأمريكية في الستينيات التي شكلت السياق الأكاديمي لفكر محمد جسوس، مبرزا ان الباحث المغربي تجاوز الأطروحة الوظيفية السائدة آنذاك. وتطرق الأستاذ المختار الهراس من جهته إلى المساهمات المنهجية لجسوس في دراسة النظام القبلي المغربي، فيما استعرض الأستاذ محمد زرنين الجهة الأخرى للأصول الاجتماعية والثقافية في فكر جسوس، وتطرق الأستاذ ادريس بنسعيد إلى جدلية العقلانية والحداثة في تحليلات محمد جسوس. وقد حصل الأستاذ محمد جسوس الذي ولد بفاس سنة 1938، على شهادة الميتريز في علم الاجتماع من جامعة لافال بكندا سنة 1960، كما حصل على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة برنستون بالولايات المتحدة سنة 1968، والتحق بكلية الآداب والعلوم الإنسانية كأستاذ لعلم الاجتماع سنة 1969 ، وعين كأستاذ مدى الحياة لعلم الاجتماع بجامعة محمد الخامس سنة 2004. ومن بين أعمال الباحث جسوس هناك رهانات الفكر السوسيولوجي بالمغرب، طروحات حول المسألة الاجتماعية، طروحات حول الثقافة و التربية و التعليم، فضلا عن عمل قيد النشر حول طبيعة و مآل المجتمع المغربي المعاصر.