الذي يشاهد الشريط الأمريكي الجنس والمدينة (الجزء الثاني)، لمخرجه مايكل باتريك كينج، سيفهم لماذا رفضت دولة الإمارات أن يصور جزء منه على أرضها. ليس لأن الشريط ذو الطابع الكوميدي الرومانسي يتضمن إيحاءات ومشاهد جنسية خلاعية، أو لأنه يبتدئ بزواج شاذين جنسيين، أو لأنه يعطي صورة سلبية عن الإماراتيين فقط، ولكن لأنه يسيء بشدة وبطريقة كاريكاتورية إلى الرجل المسلم وإلى المرأة المسلمة بالدرجة الأولى، وإلى الرموز الدينية للمسلمين كالحجاب والنقاب. صحيح أن الشريط ليس هو الأول، الذي يسيء إلى المسلمين (95 بالمائة من الأفلام الأمريكية تسيء إلى العرب والمسلمين)، لكن تركيزه بشكل كبير على جل الأكليشيهات، التي يروجها السينمائيين والكتاب الغربيين على العالم الإسلامي، وثقافته والسعي للنيل منها بعد أحداث 11 من شتنبر لسنة ,2001 خاصة في ما يتعلق بعلاقة المسلم العربي بالمرأة واتهامه بالشراهة الجنسية، وفي هذه الظرفية بالذات؛ حيث العلاقة المتوترة بين العالم الغربي والعالم الإسلامي، كل هذا يعد أمرا مقصودا، وفي نفس الوقت، مربحا ومستقطبا لجمهور أمريكي يستقي معلوماته، بشكل أساسي، عن العالم العربي والإسلامي من السينما والإعلام. هذا إذا علمنا أن الشريط المأخوذ عن مسلسل تلفزيوني، والذي يذكرنا بسلسلة دلاس، جد متواضع على مستوى السيناريو والمضمون، فكان على المخرج أن يغطي على هذا الضعف بالإساءة إلى العرب المسلمين. وهكذا فالشريط، الذي يحكي قصة الكاتبة والصحفية كاري برادشو ومغامراتها مع صديقتيها الثلاثة، اللاتي سيسافرن إلى أبو ظبي، يصور الفرق بين المجتمع الأمريكي كعالم متحضر ومتحرر، والعرب المسلمون كأناس يعيشون في البذخ والسيارات الفاخرة والجواري والحريم طبعا، لكن كأنهم في العصور الوسطى، كما جاء على لسان شخصية سمانطا في الفيلم، المهووسة بالجنس. فأبو ظبي تشبه قلعة ساحرة، كالتي نجد في ألف ليلة وليلة، الفندق الذي ينزلن فيه هو الآخر خيالي، فغرف النوم الفخمة تفوق الخيال. أما الخدم، فهم فتيان بلباس القرون الماضية؛ مشكوك في رجولتهم. في إشارة إلى أن العالم العربي معروف بالشذوذ الجنسي. كذلك من الأمور المستفزة في الفيلم، نظرة الصديقات الأمريكيات للحجاب، فعندما ينظرن إلى امراة بالحجاب؛ خاصة المنقبة، عادة ما تكون السخرية والاستهزاء، لا سيما في مشهد في المسبح حيث منقبة تأكل فريت من تحت النقاب. فقالت البطلة: الحجاب الذي يخفي الفم... كأنهن لا يردن التعبير. بمعنى أن المرأة المسلمة لا حرية لها للتعبير، وأنها مقموعة من طرف الرجل، وأن الحجاب الذي لا يثير الجنس عائق. وما يزكي هذا الطرح، مشهد في إحدى المطاعم الفاخرة؛ حيث توجد سامنطا مع صديق لها دانمركي، في جلسة حميمية، فرآها أحد العرب الحاضرين مع زوجته، فغطى عيون هذه الأخيرة بيديه حتى لا ترى الأمريكية وهي تحاول تقبيل صديقها. في تلك اللحظة تقول سامنطا: أبوظبي متقدمة ماديا ومتأخرة جنسياً. ذلك العربي المتهم بأنه محافظ، سينادي على شرطي الحراسة لطرد المدعووين من الفندق. وبسببه أو بسبب قبلة، كما تدعي سامنطا، سيتم طرد الصديقات من الفندق، وهن اللواتي استدعين من طرف أحد الأمراء. ولذلك ستشتم سامنطا الرجال العرب بأنهم مكبوتين، وستحاول أن تستفزهم في السوق عندما سقطت محفظتها وتجمع حولها الرجال، الذين كانوا يتوجهون إلى المسجد، كوحوش مفترسة، فأخذت تلوح بالعازل الطبي وتصرخ في وجههم بحركة جسدية جنسية. ولتكريس إحدى الصور النمطية، تظهر فتيات مسلمات في ملهى ليلي يرقصن الرقص الشرقي بلباسهن الكاشف، كما أن الصديقات؛ وهن هاربات من الرجال في السوق، سيلتقين بنساء منقبات سيساعدهن على التخلص منهم، النساء المسلمات سيكشفن حجابهن ليظهرن في لباس مثير، حسب الموضة الأمريكية. بعدها، ستضطر الصديقات الأمريكيات لوضع الحجاب عليهن للهروب، وسيتم ذلك في لقطة استهزاء بالحجاب والنقاب. ولتشويه صورة الرجل المسلم، ستكشف البطلة عن فخدها أمام سيارة، في مشهد لإيقاف صاحبها الذي سينقلهما إلى المطار، بعدما رفض أصحاب الطاكسي أن يقفوا لهن بحجابهن. كما أن الشريط يصور الأرض العربية كمكان للخيانة الزوجية، حينما التقت البطلة بعشيقها السابق وكادت أن تخون زوجها، وصرحت: شيء غريب، الشرق الأوسط يسلب العقل.... وهكذا، فالشرق الأوسط رمز الخيانة والرغبات الجنسية، لكن أيضا رمز التعاسة والقهر والكبت، إضافة إلى صور الصحراء والجمال والخيمة العربية. بالمقابل، فأمريكا رمزالسعادة والحب والتفاهم العائلي والحرية الجنسية. وهذه هي الرسالة التي ختم بها المخرج شريطه. من المؤسف أن هذه العقلية الاستشراقية لازالت تسيطر على السينمائيين الأمريكيين، لكن تشتد الحصرة عندما يتم الترخيص لتصوير مثل هذا الشريط في بلد مسلم كالمغرب، فهذا لا يخدمه في شيء. ولذلك نادينا دائما بضرورة النظر في مثل هذه المشاريع السينمائية الأجنبية، التي تعطي صورة قاتمة ونمطية على العالم الإسلامي