ثمة تساؤل مؤرق حول أسباب غياب مبادرات مغربية فعالة للمطالبة بتحرير سبتة ومليلية والجزر المحتلة، وهو الغياب الذي يكشف تراجعا مستمرا في الخمسين سنة الماضية لهذه القضية عن أجندة الفاعلين في السياسة الخارجية، والاكتفاء بمجرد التذكير بها حتى لا يطالها النسيان، مما جعل زمام المبادرة يبقى بيد الاستعمار الإسباني، وخاصة منذ تمكينه للمدينتين من نظام الحكم الذاتي ونجاحه في إدراجهما ضمن سياسات الاتحاد الأوربي الخاصة بالهجرة، وإفراغ مشروع خلية التفكير حول مستقبل المدينيتن من أي محتوى عملي، فضلا عن سياسات ديموغرافية وسكانية ممنهجة لإفراغ عناصر الإرتباط السكاني مع المغرب، والتي بدأت تختزل في مجرد روابط دينية روحية مع نظام إمارة المؤمنين، والتي تمثل حاليا ساحة المواجهة الأخيرة . في الواقع ثمة أوهام مصطنعة تحكم الجمود المغربي في طرح قضية المدينتين، وهي الأوهام التي تراكمت طيلة عقود وأخذت تضع تصفية الوجود الاستعماري في خانة المستحيلات، وذلك في تجاهل للمبادرات التي عرفتها هذه القضية منذ استعمارها قبل أزيد من 500 سنة، وهي أوهام تبدأ من التخويف من آثار ذلك على قضية الصحراء المغربية والتوجس من انقلاب الموقف الإسباني وانحيازه المطلق للبوليساريو من جهة، وتضخم هاجس التعقيدات الاقتصادية والديموغرافية والأمنية من جهة ثانية، والخوف المبالغ فيه من رد فعل إسباني مضاد على مستوى علاقات الاتحاد الأوروبي مع المغرب، وذلك للحيلولة دون تدشين تفكير بديل واستراتيجي لمعالجة القضية، وهو التفكير الذي سيفضي لا محالة إلى إعطاء هذه الهواجس حجمها الحقيقي، كما يحدد سبل احتوائها، ولاسيما في ظل التغييرات العميقة التي حصلت في المنطقة في السنوات الأخيرة، والتي توفر للمغرب أوراق ضغط مهمة استراتيجيا وأمنيا للحد من مبالغات المزايدات الإسبانية . اليوم وفي ظلال ذكرى هذا الاستعمار الغاشم، نحتاج لإطلاق حوار وطني مسؤول حول الخيارات الممكنة لبدء استراتيجية متدرجة وطموحة لكن واضحة، وأقلها التوجه بشكل رسمي لإسبانيا من أجل فتح ملف الوجود الاستعماري، وبحث الخيارات القانونية الممكنة على مستوى لجنة تصفية الاستعمار بالأمم المتحدة، والخطوات اللازمة على مستوى الاتحاد الأوروبي، مع البدء في دراسة أعمق للتغييرات العميقة التي حدثت بسبب طول الاستعمار الإسباني وأدت لتحول المغاربة إلى أقلية سكانية وسبل تجاوز هذه الاختلال، فضلا عن المبادرات الشعبية والثقافية والجمعوية اللازمة لتأسيس حركة اجتماعية للمطالبة بتصفية الوجود الاستعماري. ما سبق بعض من الأفكار التي يقتضي الاشتغال فيها التحرر من الأوهام المصطنعة والتي يبدو أن استفزازات الحزب الشعبي الإسباني المعارض تلعب دورا في تضخيمها وتجميد كل سعي مغربي للتحرك لمواجهة هذا الوجود الاستعماري في الجرح النازف لبلادنا في الشمال.