إن التقدير السياسي لعلال الفاسي تحكم فيه كذلك الاقتناع بضرورة الحفاظ على الانسجام بين الشعب والملك باعتباره الضمان الوحيد لتحقيق كل الأهداف، مما كان له أثر كبير على عدم إثارة قضية تحديد الأسس التي يتم وفقها توزيع الاختصاصات بحيث تطورت الأمور في ظرف وجيز لفائدة توقف النقاش حول السلطة التأسيسية، وكان من شأن تربع الملك الحسن الثاني على عرش المملكة الإسراع بالأمور في اتجاه خلق علاقة غير متوازنة بين سلطات الملك من جهة، وصلاحيات ممثلي الشعب من جهة أخرى، ففي دفاعه عن مبدأ الدستور الممنوح، وضع الملك الشاب حدا لكل المحاولات التي كانت تهدف إلى إرغامه على اعتماد مبدأ السيادة المزدوجة، ففي خطاب ألقاه يوم15 نونبر 1962 قال: لقد أنجزت شخصيا مشروع دستور المملكة والذي سأعرضه عليك ليحظى بتصويتك..هذا الدستور الذي أنجزته بيدي هو قبل كل شيء تجديد للبيعة المقدسة التي جمعت دائما بين الشعب والملك والتي هي شرط لكل انتصاراتنا. ومع دلك فقد ظل علال الفاسي يطالب بترسيخ دعائم النظام البرلماني الحقيقي في المغرب. فإذا كان النظام البرلماني نشأ في حضن القانون الدستوري الغربي بتعبير الفقيه الفرنسي أندريه هوريو، فإن علال الفاسي الذي كان متأثرا بالتجربة البريطانية عبر في كتاباته السياسية الأولى، وخاصة في كتابه النقد الذاتي، عن إعجابه بالنموذج الإنجليزي في الحكم منذ مرحلة الحماية، بحيث كان يرى أن مرحلة الاستقلال ينبغي أن يتم التهيء إليها منذ تلك اللحظة، بحيث نعتبر أنفسنا منذ الآن في الاتجاه الملكي الدستوري، وذلك ما يفرض علينا الالتفات إلى الذين سبقونا في هذا المضمار وهم الإنجليز(..) ولقد كررت القول بأن بقاءنا في المؤخرة يفرض علينا أن نستفيد من تجارب الآخرين. ويرجع هذا الإعجاب بالنظام البرلماني إلى النجاح الذي حققته التجربة الإنجليزية في المحافظة على الملكية باعتبارها أم المؤسسات وتاجها الأصيل على رأس قمة الهرم السياسي، كما استمرت رمزا للوحدة الوطنية وتجسيدا لآمال الأمة وطموحاتها المشتركة، وفي نفس الوقت فإن الجهاز التنفيذي ينبثق عن الأغلبية السائدة في البرلمان هذا الأخير الذي ينبثق بدوره عن الاقتراع الشعبي، ويتمتع بسلطات حقيقية تهم تدبير الشأن العام. إن مصدر إعجاب علال الفاسي كان يكمن في ذلك التوافق التاريخي الذي تحقق بين المؤسسة الملكية في بريطانيا وباقي مكونات المجتمع، وهو الذي سمح بالانتقال من ملكية مطلقة إلى ملكية مقيدة، ثم ملكية برلمانية ديموقراطية، الأمر الذي كان له الأثر العميق في استكمال النظام السياسي البريطاني لمجمل مقوماته البرلمانية. ولعل أهم سمة تميز النظام البرلماني هي مبدأ المسؤولية السياسية للحكومة التي تحظى بدعم الأغلبية البرلمانية، فبغض النظر عن المراحل التي أوصلت النظام السياسي البريطاني إلى نظام الملكية البرلمانية الديموقراطية، فإن استقرار التجربة الديموقراطية الإنجليزية ارتبط برسوخ عقيدة سياسية لدى الشعب الإنجليزي تؤمن بأن الذي يحكم يجب أن يسأل. وبما أن الملك في بداية الأمر كان يتولى حقيقة السلطة، وهو الذي يقرر شخصيا وبحرية شؤون الدولة، فإنه هو الذي يجب أن يعتبر مسؤولا إلا أن تاريخ البريطانيين العتيق خلال القرن السابع عشر، قد أقنعهم بخطورة الثورات (خصوصا ثورتي 1648 و1681) على مجرى أمورهم اليومية، وسلبيتها على علاقاتهم مع رموز تراثهم (وخصوصا المؤسسة الملكية) لذلك سعوا إلى نقل السلطة من المؤسسة الملكية إلى الوزارة، كما عملوا على إقرار مبدأ الملك يسود ولا يحكم Le roi régne mais ne gouverne pas. وهكذا، بدأت سلطة البرلمان والحكومة تتعزز على حساب الانسحاب التدريجي لسلطة الملك.