بدون لف ولا دوران، أعلنها وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان مدويةً أمام أنصار حزبه إسرائيل بيتنا: "لا إمكانية للتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين لا هذه السنة ولا حتى في الجيل المقبل" واعترف ليبرمان في خطاب له بمناسبة رأس السنة العبرية بأنه "منذ اتفاقات أوسلو قبل 17 عاماً، أغدق رجال سياسة مهمون الوعود، وأطلقوا التصريحات، وكلها لم تؤد إلى شيء". فليبرمان مقتنع بأن الملفات الأساسية: وضع القدس واللاجئين والاستيطان ومسألة الحدود ملفات تثير -حسب رأيه- "العواطف وتثير الجدل" ولن تجد لها حلولاً، ويرى أن المفاوضات يجب أن تركز فقط على الجوانب الأمنية والاقتصادية، فالرجل بقدر ما هو متطرف ومتشدد فإنه في الوقت نفسه صريح وواضح. وهنا يُطرح سؤال عما إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو جاداً في مفاوضاته مع رئيس السلطة الفلسطينية أم أن ثمة مسرحية يلعبها مع وزير خارجيته؟ الجواب قدمه موقع قضايا مركزية العبري، عندما نشر قبل ذهاب نتنياهو إلى واشنطن خطة متفقاً عليها بين نتنياهو وليبرمان حول المفاوضات المباشرة، وذكر الموقع أن الرجلين اتفقا بشكل سري على اقتسام الأدوار، بحيث يظهر نتنياهو راغباً في السلام واتفاق مع الفلسطينيين، فيما يعبر ليبرمان عن توجه وإصرار على استمرار الاستيطان ورفض تمديد قرار تجميده وأي مساومة في الموضوع. هذه المعطيات تصب في صالح اليائسين من المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، لأنها لم تحقق شيئاً ولن تحقق شيئاً للفلسطينيين، فموازين القوى مختلة بشكل صارخ لصالح إسرائيل، ولأن من يمثل الطرف الفلسطيني لا يعكس وجهة نظر وطنية مُجمعاً عليها وغير مسنود بإرادة شعبية، ولذلك قال ليبرمان إن اتفاق السلام الشامل الذي يعني نهاية الصراع ووقف المطالب المتبادلة والاعتراف بإسرائيل على أنها الدولة القومية للشعب اليهودي هو غاية لا يمكن تحقيقها، ولن يساعد في تحقيق ذلك لا تسوية تاريخية ولا تنازلات مؤلمة وهذا يؤكد مرة أخرى ما يقوله المعارضون للمفاوضات بشتى أطيافهم السياسية، من عدم وجود شروط مفاوضات حقيقية ولغياب إرادة لدى الدولة العبرية في سلام عادل ودائم كما يقولون. كل المؤشرات تقول إن المفاوضات التي أطلقت الخميس الماضي في واشنطن والمقرر أن تستمر سنة كاملة، تسعى لمجرد اتفاق إطار يحدد إجراءات انتقالية وخطوطاً عريضة للحل النهائي للنزاع، وهذا ما أكده نتنياهو للرئيس الأميركي باراك أوباما بأنه مستعد للوصول مع الفلسطينيين إلى اتفاق دائم لحل الصراع، ويسعى فقط إلى اتفاق مبادئ لأن حكومته ترغب في التأكد من مدى أهليّة الفلسطينيين وقدرتهم على إدارة مفاوضات جدية والتوصل إلى اتفاق دائم وتنفيذه، وأول هذه المؤشرات سجلت في كلمة الرئيس الأميركي باراك أوباما لما تحدث عن دولة يهودية إلى جانب دولة فلسطينية، وحمل الفلسطينيين كل العبء لتحقيق ما يسميه السلام. وثاني هذه المؤشرات أن بعض القيادات من داخل منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح تحديداً غير واثقة ولا مطمئنة للحكومة الإسرائيلية الحالية ولا رئيسها، فهذا محمد دحلان المستشار الأمني للرئيس الفلسطيني محمود عباس يصف نتنياهو بأنه نصاب لا يريد السلام ودمر العملية السلمية في السابق وسيدمر ما تبقى منها وسيجلب الخراب على كل المنطقة معتبراً في حديث صحافي أن الذهاب للمفاوضات بالطريقة التي دعت إليها واشنطن بداية غير موفقة. بالتأكيد لم تأتِ تصريحات دحلان من باب توزيع الأدوار داخل فريق السلطة الفلسطينية وحزب أوسلو، للضغط على الإسرائيليين بل لتفادي إحراق كل أوراقهم أمام الشعب الفلسطيني، هذا إذا بقي لهم أوراق. ولم يقل دحلان شيئاً جديداً، فجل المحللين والمراقبين الدوليين الذين علقوا على انطلاق المفاوضات المشار إليها، توقعوا عدم نجاحها، ومنهم من جزم بأنها ستفشل، ولن يتمخض عنها شيء وإذا حصل فسيكون لصالح الإسرائيليين، لكنهم أجمعوا أيضاً على أن الولاياتالمتحدة حققت الأهم من إطلاق تلك المفاوضات، إذ منحت من جهة الرئيس باراك أوباما نجاحاً دبلوماسياً يرفع رصيده داخلياً ويخفف من غضب اللوبي الإسرائيلي عليه، وهو مقبل على انتخابات مهمة جداً (التجديد النصفي للكونغرس) ومن جهة أخرى، أخرجت نتنياهو من عزلته الدولية وظهر بمظهر من يريد السلام، بينما زادت حصيلة الخيبات في سلة فريق عباس أبومازن. وكيف لا تزيد الخيبات وتتراكم، وقد أخبر نتنياهو أعضاء الوفد الإسرائيلي، بإبلاغه الرئيس الأميركي اقتناعه بأن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ليس الشريك الملائم لإجراء مفاوضات تؤدي إلى اتفاق يضع حداً للصراع مطالباً إياه بالضغط على الفلسطينيين ودفعهم لعدم الانشغال بوقف البناء الاستيطاني وإخلاء البؤر الاستيطانية العشوائية، لأنها حسب رأيه مسائل هامشية من شأنها عرقلة المفاوضات بلا مبرر. وطبيعي أن يتفلسف نتنياهو ويتفنن أمام مفاوض فلسطيني في موقف ضعيف، بالدعوة للتنازل عن أمور مفصلية بمطالبته بعد رجوعه من واشنطن بضرورة تفكير إبداعي في مفاوضات السلام والاستفادة من إخفاقات الماضي خلال 71 عاماً من المفاوضات، بمعنى مطالبة الفلسطينيين بالتهيؤ النفسي لتقديم التنازلات أكثر من طرف سلطة يعرف يقيناً أنها لا تملك إلا الخضوع ولو تمنعت لبعض الوقت. وما كان المفاوض الفلسطيني ليجد نفسه في هذه الوضعية المأساوية لو أخذ رأي الشعب الفلسطيني وقواه الحية قبل أن يعود لطاولة المفاوضات، ودافع عن حضور أوروبي وروسي وتفادى استفراد واشنطن بهذا الملف، في وقت لم يعد الاتحاد الأوروبي يقبل باقتصار دوره على دفع الأموال، ويسعى للعب دور سياسي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. إن مشكلة الرئيس عباس وحزب أوسلو ليست في وجود سلطة تطالب بإقامة دولة فلسطينية وإنهاء الاحتلال من داخل ما يسمى ب الشرعية والقرارات الدولية، مقابل حكومة احتلال تريد تحويلها لمجرد حارس لأمنها والاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية أو وطن قومي لليهود، وليست المشكلة في ضعف الحيلة وموازين القوى المختلة، بل في وجود قناعة راسخة لديهم بأنه لا بديل عن المفاوضات -بغض النظر عن توفر الشروط المعقولة من عدمه- لممارسة سلطة مهما كانت وهمية ومنقوصة وغير قابلة للحياة، وتبني المفهوم الأميركي - الإسرائيلي للسلام بالشرق الأوسط. وليس هذا مجرد رجم بالغيب ولا سوء نية، فقد كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت الأسبوع الماضي النقاب عن حملة إعلامية تحت شعار نحن شركاء، وأنتم؟ يقودها عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبدربه، بإشراف مبادرة جنيف في إطار تحالف السلام الفلسطيني - الإسرائيلي وبتمويل أميركي (مليون شيكل إسرائيلي) ل نشر ثقافة السلام ويقصدون ثقافة الاستسلام داخل الشعب الفلسطيني لتجفيف مشاعر الممانعة ومقاومة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي من دون إرجاع الحقوق ولا استرداد المسروق ولا.... وهذه فضيحة تفسر حجم أزمة السلطة الفلسطينية وحزب أوسلو إذا صح التعبير، كما تفسر عدم قدرتها على رفض الضغوط وهرولتها لمفاوضات لا طائل من ورائها.