من داخل الحزب الديني المتطرف شاس أحد المكونات الأساسية للحكومة الإسرائيلية، وفيما يستعد الوفدان الإسرائيلي والفلسطيني بواشنطن لإطلاق مفاوضات مباشرة بين الطرفين (اليوم)، فجر الزعيم الروحي للحزب الحاخام عوفاديا يوسف قنبلة ب دعائه الرب أن يبتلي الفلسطينيين ورئيسهم محمود عباس بوباء يقضي عليهم وقوله في درسه الديني الأسبوعي مساء السبت الماضي: ليهلك أعداؤنا ومبغضونا.. أبومازن وكل هؤلاء الأشرار، ليغربوا من العالم، ولينزل الباري عز وجل الطاعون بهم، وبالفلسطينيين الأشرار أعداء إسرائيل. كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات رأى في كلمات عوفاديا دعوة إلى إبادة الشعب الفلسطيني لكن كلام الحاخام في الحقيقة وسّع الدائرة ولم يحصرها في الفلسطينيين، بل جعلها تعم أعداء إسرائيل الذين يتزايد عددهم في العالم، والعدو عند أمثال هذا الحاخام هو كل من يرفض عربدة الدولة العبرية وظلمها ووحشيتها ويقف ضد أطماعها، ولو كان من غير العرب والمسلمين ومن اليهود العلمانيين والغربيين، وقد سبق لعوفاديا يوسف أن دعا سنة 2001 إلى إبادة كل العرب. فلا غرابة إذاً في أن يصدر كلام عنصري وفاشي من زعيم روحي لحزب ديني يعارض بشراسة أي تراجع إسرائيلي في مشاريع الاستيطان أو تجميده، فهو عنده بمثابة أمر ديني لا يمكن التنازل عنه. وإنما الغرابة في مطالبة عريقات من حكومة نتنياهو إدانة تصريحات عوفاديا واتخاذ الإجراءات المناسبة، سرعان ما رد عليها نسيم زئيف النائب عن حزب شاس في تصريح لإذاعة الجيش الإسرائيلي بقوله إن الحاخام استخدم عبارات في التلمود ليعبر عن أمله في أن يختفي أعداء إسرائيل لمصلحة السلام فيما اكتفى بيان مكتب نتنياهو بقوله إن كلام الحاخام يوسف لا يعكس مفهوم بنيامين نتنياهو ولا موقف الحكومة الإسرائيلية التي تريد التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين دون إدانة ولا استنكار. وكيف للحكومة الإسرائيلية أن تتخذ إجراءات مع حزب يضمن عدم تصدعها، وكيف لها أن تستنكر ذلك، وهي التي تمارس -كما مارست سابقاتها فعلاً- الإبادة وبأنواع مختلفة، أوَليس في حصار غزة وخنقها كل هذه الشهور محاولة لإبادة أهلها أمام أنظار العالم؟ ألم يكن ما حصل في العدوان على غزة في نهاية 2008 عملية إبادة للفلسطينيين باستعمال أسلحة محرمة دولياً؟ ماذا يعني رفض عودة اللاجئين وطرد الفلسطينيين من بيوتهم وانتزاع أملاكهم؟ أليس في ذلك نوع من الإبادة؟ وتبقى أبرز إبادة مارستها الحكومات الإسرائيلية، رغم اختلاف ألوانها السياسية وبشكل منسق، هي إبادة شرعية السلطة الفلسطينية وشرعية الخيار التفاوضي بالشكل الذي جرى ويجري منذ انطلاق المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين سنة 1993 بأوسلو، بحيث لم تحقق أي شيء يذكر فكل الملفات ما زالت مفتوحةً بل منها ما أغلقته إسرائيل نهائياً، وتقول إنها لن تفتحه من قبيل عودة اللاجئين وكون القدس عاصمة إسرائيل الأبدية، بل إنها اليوم تطرح شروطاً جديدة في الوقت الذي ترفض هي شروطاً مسبقة، وتطرح شرط الاعتراف بأن إسرائيل دولة الشعب اليهودي وما يستبطنه ذلك من طرد لما يسمى بفلسطينيي الداخل في حال رفضوا الاعتراف بيهودية الدولة وإعلان الولاء لها. لقد أباد مسلسل المفاوضات من دون نتائج ملموسة على الأرض شرعية السلطة الفلسطينية، والحكومة الإسرائيلية تعرف ذلك وسعت إليه لكي تفاوض أناساً لا يمتلكون سنداً ولا دعماً شعبياً وليس وراءهم صف وطني موحد، فلا يملكون أن يضعوا شروطهم ولا أن يرفضوا شروطها، فكثيراً ما حول رئيس السلطة عباس أبومازن لاءاته إلى نعم وتقديم المزيد من التنازلات في مفاوضات لا تتوفر لها شروط تضمن نجاحها وتحصيلها لحقوق فلسطين والفلسطينيين. وقد سبق لوزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أن قالها بوضوح وصراحة في تصريح للإذاعة الإسرائيلية العامة: لا جدوى من التفاوض مع محمود عباس لأنه لا يمثل جميع الفلسطينيين و شريكنا الفلسطيني أبومازن مشكلة، فهل هو يمثل كل الشعب الفلسطيني؟ من الواضح أنه لا يمثل غزة كما أن شرعيته بالضفة الغربية مثار شك مشيراً إلى أن توقيع اتفاق مع أبومازن هو بمثابة توقيع اتفاق مع قائد حركة فتح التي يرأسها. بالمقابل اعترف محمود عباس الأحد الماضي بأنه يتعامل مع حكومة وسلطة إسرائيلية منتخبة وتعبر عن إرادة الإسرائيليين، وقال في كلمة وجهها للشعب الفلسطيني نحن من جانبنا نؤكد أننا لم نتعامل في الماضي إلا مع حكومات ومؤسسات اختارها الشعب الإسرائيلي ولذا نقبل بالشراكة معاً على هذا الأساس مهما كان تركيبها أو طابعها. ألم يكن في تصريح ليبرمان إبادة رمزية وسياسية لرئيس سلطة وضعت كل بيضها في سلة مفاوضات يشرف عليها راع غير عادل، وبيان اللجنة الرباعية بقواعد وضمانات غير واضحة المعالم؟ ما معنى أن تصر سلطة على مواصلة المفاوضات من دون الرجوع للشعب الفلسطيني بكل تشكيلاته السياسية، ورغم الخيبات المتوالية، ومضي الدولة في مخططاتها الصهيونية وعدم التزامها بالاتفاقات الموقعة، ولا حتى بالعهود والمواثيق الدولية؟ هل أصيبت السلطة الفلسطينية بوباء المفاوضات؟