قال عبد الله باها، رئيس فريق العدالة والتنمية، إن الإدارة لا تكون خادمة للتنمية وتطوير البلاد إلا إذا كانت فعالة وصالحة، أما إذا كانت فاسدة ومتخلفة فستكون عائقا في طريق جهود التنمية. وأضاف باها، في افتتاح لقاء دراسي عقده الفريق بمقر البرلمان، بحضور الأمين العام للحزب، الدكتور سعد الدين العثماني، ونخبة من الأساتذة الجامعيين والباحثين والنواب حول حصيلة وآفاق إصلاح وتحديث المرفق العام، أنه من اللازم، لتفادي تحول الإدارة إلى عائق، أن يتم تخليصها من الرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ، بحيث تكون إدارة مواطنة ورافعة للتنمية، وليس العكس. واعتبر رئيس فريق العدالة والتنمية أن تحزيب الإدارة يساوي تخريبها، داعيا إلى إبعاد التجاذبات الحزبية من الإدراة وفي معايير التوظيف والترقية، وذلك حتى لا يشعر الأطر غير المحزبين بالغبن والظلم، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الإدارة لا يجب أن تعاقب الأطر المحزبين بشكل من الأشكال لكونهم محزبين. وشدد على ضرورة اعتماد الإدارة على معايير تعامل شفافة ترتكز بالأساس على الكفاءة والاستحقاق لتكون في خدمة المواطن والمواطنين. اللقاء الدراسي المذكور، الذي أدار أشغاله النائب سليمان العمراني، ألقيت فيه ثلاثة مداخلات متبوعة بحصة المناقشة العامة. الدكتور أحمد بوعشيق، اعتبر، في بداية مداخلته، أن موضوع اليوم الدراسي آني وحاسم بالنسبة للمرحلة الانتقالية التي يعيشها المغرب، ووضح أن مفهوم المرفق العام عرف تطورا بتطور الدولة من المرحلة الدركية إلى المرحلة التداخلية إلى المرحلة الليبرالية، مشيرا إلى أنه من المفاهيم والمصطلحات القديمة في القانون الإداري، حيث ظهر سنة ,1873 مسجلا في الوقت نفسه أن المصطلح غير دقيق وغير واضح المعالم، وتبقى مضامينه متغيرة ومتطورة بتطور وظائف الدولة. ونبه بوعشيق على أن مصطلح المرفق العام انبنى على تدخل الدولة في تدبير الشأن الاقتصادي، غير أن الأزمة الاقتصادية لسنة 1929 فرضت نوعا من التراجع لأدوار الدولة من حيث التدبير والتسيير، خاصة بعدما ظهر أنه يمكن للقطاع الاقتصادي أن يدير المرافق العمومية. وبالنسبة للمغرب، فلم يظهر مفهوم المرفق العام إلا في فترة الحماية، التي تميزت، بخاصيتين، حسب الأستاذ الجامعي بكلية الحقوق، الأولى عملت خلالها السلطات العمومية على إنشاء مرافق عمومية تكتسي طابع المؤسسات العمومية من قبيل المكتب الشريف للفوسفاط، والثانية:اتباع أسلوب الامتياز، حيث كانت المرافق العامة من قبيل تدبير أمر الماء والكهرباء والنقل، وهو الأمر الذي استفادت منه الشركات الأجنبية بالدرجة الأولى. وبعد أن تطرق لتطورات المرفق العام بالمغرب، أشار إلى أن سياسة التقويم الهيكلي أدت إلى تراجع القطاع العام بفعل تبني سياسة الخوصصة، الأمر الذي فرض إعادة النظر في مفهوم المرفق العام وأساليب تدبيره وإدارته التقليدية. وخلص بوعشيق إلى أن المرفق العام بالمغرب يعاني اليوم من تحديات على مستوى البنيات، مشيرا إلى أنه، وعلى الرغم من تراجع التدبير العمومي المباشر واعتماد التدبير المفوض في قضايا الشأن المحلي، فمازالت هناك مشاكل حقيقية. وأكد الدكتور رشيد المصدق، ممثل الوزارة المكلفة بتحديث القطاعات العمومية، في مداخلته حول المقاربة الحكومية لإصلاح وتحديث المرفق العام من خلال تأهيل الموارد البشرية، على أن الوزارة ترمي إلى تحقيق عدد من الأهداف، وعلى رأسها تطوير جودة التكوين المستمر للموظفين، والأخذ بنتائج البحث العلمي، وإشراك جميع المؤسسات العمومية، والقطاع الخاص واعتماد مقاربة جديدة لتقييم أداء الموظفين وتقدير المردودية الفعلية للموظف على أساس النتائج بالمقارنة مع الأهداف. إلا أن رشيد المصدق أوضح بأن ثمة إكراهات قد تحول دون تحقيق بعض ما سلف ذكره، من قبيل الثقافة السائدة التي تعتبر التكوين المستمر عبئا إضافيا وليس استثمارا على المدى الطويل، وكذا عدم القيام بتقييم حصيلة التكوين المنجز بالإدارة العمومية، وضعف الاعتمادات المدرجة للتكوين، والتي تتفاوت من إدارة لأخرى، بحيث أن 15وزارة فقط من بين 35 وزارة تخصص أقل من 5,0% من كتلة الأجور للتكوين. وأرجع مصدق ذلك لغياب استراتيجية واضحة شمولية ومتكاملة للتكوين المستمر وغياب مقتضيات تنظيمية تتعلق بتنظيمه بالإدارات العمومية، فضلا عن عدم ملاءمة برامج ومناهج التكوين لمتطلبات التدبير الحديث للشأن العام. وفي مجال تقييم أداء الموظف، أشار رشيد مصدق إلى أنه تم وضع نظام جديد للتنقيط يتكون من 20 نقطة بدل 3 سابقا، وتهم إنجاز الأعمال والمردودية والقدرة على التنظيم والسلوك المهني والبحث والابتكار، وفي السياق نفسه تم إعداد دليل لتقييم الأداء الخاص بالموظفين مع توصيف موجز للوظائف والقدرات والمؤهلات المطلوبة لشغل الوظيفة. أما الدكتور محمد اليعكوبي، الأستاذ الجامعي بكلية الحقوق بالرباط، فتطرق في عرضه المعنون بالمرفق العام: المقاربة والحصيلة والآفاق، للسلوكيات الماسة بالأخلاقيات في المرفق العام، وكذا المبادرات الأولية لتدبير مرتكز على الأخلاقيات، معرفا بالمناسبة بمفهوم الأخلاقيات، وكيفية إنعاش السلوكيات الأخلاقية في تسيير المرفق العام. ودعا اليعكوبي في ختام مداخلته إلى ضرروة إعمال مبدإ المراقبة بصرامة وكذا العقاب والمحاسبة وضرورة صياغة واعتماد مدونة أخلاقيات لتدبير المرفق العام، وكذا تشجيع صحافة التحقيق في هذا الباب. وقد تلت العروض فترة للمناقشة شارك فيها باحثون وأساتذة جامعيون ونواب برلمانيون، حيث ركز بعض المتدخلين على غياب نص قانوني واضح ينظم العلاقة بين الزبون (المواطن) والمكلف بتدبير الشأن المحلي، وغياب آليات لمراقبة أداء التدبير المفوض. يشار إلى أن أستاذا جامعيا ويتحمل مسؤولية التفتيش في الوزارة المكلفة بتحديث القطاعات العمومية، سجل ملاحظة لطيفة تتعلق بمفهوم المرفق العام بالرجوع إلى لسان العرب وملخصه "داء ما عليك للغير بلطف" على خلاف ما توحي به ترجمة الكلمة من الفرنسية، منبها كغيره إلى أن هناك أزمة مفهوم بالنسبة للمرفق العام، زاد من تكريسها غياب نصوص محددة للمفاهيم بدقة. محمد عيادي