نشرت الجريدة الكولومبية إيل نويفو سيغلو (القرن الجديد) واسعة الانتشار مقالا تم خلاله فضح انتهاكات حقوق الإنسان ومعاناة المحتجزين المغاربة بمخيمات تندوف بالجزائر. ونشرت الجريدة، وهي من أكبر الجرائد الصادرة في كولومبيا، المقال تحت عنوان انتهاك حقوق الإنسان لدى محتجزي تندوف بقلم كونزالو أربوليدا، وهو صحافي معروف يحظى بتقدير مختلف الأوساط الصحافية الكولومبية في الركن الأسبوعي لهذه الجريدة الرأي. وقد استهل المقال بالحديث عن الزيارة التي قام بها أخيرا وفد من منتخبي الأقاليم الجنوبية للمملكة (الكويرة والداخلة) لدولة كولومبيا، والتي حققت نجاحا منقطع النظير بفضل اللقاءات والمقابلات التي أجراها الوفد مع العديد من المسؤولين الكولومبيين على أعلى مستوى. وتطرق المقال، الذي صدر في أحد الأعداد الأخيرة لجريدة إيل نويفو سيغلو في البداية إلى الانتهاكات السافرة لحقوق الإنسان للأسرى المغاربة في غياهب تندوف بالجزائر، كما تعرض للوضع الذي تعيشه المنطقة، والذي يعود سببه في المقام الأول إلى تعنت الجزائر منذ الحرب الباردة، وبداية تحرير المناطق الرازحة تحت نير الاستعمار، مما أدى إلى مواجهة بين البلدين بخصوص الصحراء المغربية. وأشار المقال إلى أن مؤسسة فرانس ليبيرتي كانت قد قامت بزيارة لمنطقة النزاع، حيث تم تسجيل أفدح تصرفات ما يسمى بجبهة البوليساريو ضد المدنيين والعسكريين المغاربة. وقد أجرت هذه المؤسسة اتصالات مع ما ينيف عن 700 أسير واستجوبت حوالي 338 منهم في إطار من السرية والكتمان. وأضافت الجريدة أن تجربة هذه المؤسسة الفرنسية مع الأسرى المغاربة تشكل خطوة هامة لصالح حقوق الإنسان في العالم والمعاملة الإنسانية التي ينبغي أن يعامل بها أسرى الحرب. وأكد صاحب المقال من جهة أخرى أن مشكل المملكة المغربية والصحراء يضاهي إلى حد بعيد المشكل الذي تعيشه كولومبيا في الوقت الراهن، مضيفا أن المشكل، وعلى الرغم من انتهاء الحرب الباردة، فإنه >ما فتىء يعرف تدخل بلد ثان، وهو الجزائر، التي مازالت تتحرك داخل المفاهيم الجيوسياسية البائدة عند إسدال الستار الحديدي، وهو ما يحدث هنا (أي في كولومبيا) مع بعض الجماعات المتمردة والمارقة<. وأشار المقال، على سبيل المثال لا الحصر، إلى الشهادات المرعبة التي أوردها تقرير المؤسسة المذكورة، كقضية سعدي الكالي سالك، وهو أسير حرب منذ عشرين سنة من 1975 إلى,1995 الذي زج به في غياهب سجن أكسيب أونان، الذي يحكى أنه >عندما كان يلقن التدريب العسكري في أكسيب تم إلقاء القبض عليه مع خمسة عشر جنديا آخرين، حيث تم إعدام أحدهم على الفور، أما سعدي فقد تلقى ضربات ولكمات قاسية على رأسه وفي كبده. وبدون مقدمات تم تكبيله بالقيود الحديدية ورمي به في إحدى الدهاليز المعتمة، وعند الليل انقض أفراد من البوليساريو على الأسرى وطفقوا يضربونهم ضربا مبرحا خلال ساعات طويلة، وأخيرا بدأوا يرقصون على الأجساد المنهكة للأسرى المكبلين<. وأضاف المقال أنه خلال إقامة هذا الأسير في هذه الدهاليز لمدة 27 يوما كان يتعرض يوميا للتعذيب. وتابع صاحب المقال مبرزا هذه المشاهد المرعبة، قائلا >بعد ذلك أخرجوا هؤلاء الأسرى من السجن ليربطوهم إلى بعض الشاحنات التي جرتهم في منطقة وعرة وسط الرمال والوديان والأحجار تحت قيظ حرارة مفرطة وظروف فوق طاقة البشر لمسافة 480 كيلومترا<. وأضاف: >عندما وصل الأسرى إلى سجنهم الجديد، استقبلوا باللطم والضرب، وفي اليوم الثاني أرغموا على أن يعروا أنفسهم ويحفروا خنادق في الرمال، وفي هذه الظروف الصعبة ظلوا في هذا الوضع لمدة ثلاثة أيام، ثم اختير أحد الأسرى لقتله بدون أي محاكمة، حيث تم إعدامه على مرأى من جميع الأسرى الآخرين وتم العثور على عظامه في سجن آخر<. وواصل الكاتب وصفه لمناظر مرعبة ورهيبة للعذابات الأليمة واللاإنسانية التي تعرض لها هؤلاء الأسرى بشتمهم وإذلالهم وإرغامهم باللطم والضرب على حفر خنادق رملية لصنع لبنات فخارية. وأشار إلى أن نقل هؤلاء الأسرى من سجن إلى آخر يتم دائما تحت التهديد وضربات الهراوات حتى يصلوا إلى حالة احتضار، وأن القليل من هؤلاء ظل على قيد الحياة من فرط التعذيب الذي استمر لمدة عقود وحقب متوالية مضيفا أن هؤلاء الأسرى >كانوا مرغمين على الأسر من طرف رجال مقنعين، لم تعرف لا أسماؤهم ولا رتبهم العسكرية، وهو تماما ما يحدث عندنا مع بعض المختطفين من طرف بعض المتمردين<. وتابع أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر كانت إحدى المؤسسات القليلة الدولية التي اهتمت بمصير هؤلاء الأسرى المغاربة الذين أذاقهم البوليساريو سلسلة مريرة من التعذيب والتنكيل. وأضافت الجريدة أن جهود المملكة المغربية في التخفيف من وطأة هذا الوضع المزري خلال هذا الأسر الرهيب لم تلق آذانا صاغية بسبب تعنت الخصوم ومن يقفون وراءهم، مشيرة إلى أن الذي لا يمكن تصديقه في هذا الأمر أن الأسرى لا يوجدون في مكان مغلق، بل يوهمون بأنهم أحرار ويظلون داخل الخنادق التي يحفرونها هم أنفسهم وأن الذي يشرئب منهم برأسه خلال الليل يتحول إلى أهداف لرصاصات قناصيهم. وأكد صاحب المقال أن جنوب الصحراء المغربية ظل يخضع للهيمنة الاستعمارية حتى عودته سنة 1975 إلى سيادة المملكة المغربية، مشيرا إلى أنه، ونتيجة لآثار ومخلفات الحرب الباردة، فإن الجزائر ما فتئت تؤيد وتدعم انفصاليي جبهة البوليساريو، الذين لم يسيطروا قط على المنطقة. وخلص المقال إلى القول >إن مسألة الصحراء المغربية ستكون شبيهة بما يجري في كولومبيا في حالة احتمال تدخل قوة أجنبية أو بلد جار لدعم مشروع الجماعات المتمردة في تمزيق وتشتيت البلاد، وبدون أي وجه حق تهديد سيادتها بالقوة<. وأضاف أنه >مما يبعث على التعجب أن كولومبيا على الرغم من صداقتها الأخوية مع المغرب بدل أن تدعم حق المغرب في كفاحه لاستكمال سيادته ووحدته الوطنية، فإنها خلال الدورة الأخيرة الهامة للجمعية العامة للأمم المتحدة قد صوتت بشكل معاكس له<. واختتمت الجريدة مقالها قائلة >إن موقف وزارة العلاقات الخارجية في هذا القبيل هو موقف لا يمكن تبنيه ولا يحظى برضى أحد، وبكل تأكيد فإن الرئيس ألفارو أوريبي فيليز يجهل أن كولومبيا قد صوتت في الأممالمتحدة ضد المبادئ التي ينادي بها هو نفسه في حربه ضد الإرهاب<. و م ع بتصرف