أكد المصطفى سلمى سيدي مولود، المفتش العام لشرطة البوليساريو، أن الحكم الذاتي هو الحل الأفضل للصحراويين، وأضاف في كلمته التي تنشرها "التجديد" كاملة، أن التئام شمل الصحراويين مدخل ضروري من أجل إنهاء معاناتهم، ومن أجل الحوار والنقاش الضروري لبلورة رأي موحد بينهم. وقال ولد مولود إن قيادة البوليساريو لا تتصف بالمسؤولية والجدية، وأنها غير مؤهلة بمقتضى ذلك لإنهاء مأساة الصحراويين. وفيما يلي نص كلمته: السلام عليكم ورحمة الله، اسمحوا لي أن أرحب بالحضور الكريم، سواء كانوا آباء أو شباب من هذه الأرض، أو ضيوف صحفيين قطعوا مسافات طويلة ليصلوا إلينا في هذه المدينة. وأتمنى في البداية أن نتوقف جميعا، في هذا الوقت القصير، في أن ننقل الصورة كما هي للوضع القائم في هذه المنطقة التي نعيش فيها. ومن حيث المبدأ، أنا متواجد في هذه المدينة التي ازددت بها وعشت فيها تسع سنوات من طفولتي، ثم انقطعت عنها لمدة 31 سنة. لقد انقطعت ليس عن المدينة فقط، بل عن أهلي وعائلتي. وهذه قصة أريد أن أحكيها لأنها قصة كل صحراوي. هي قصة والدي وكل هؤلاء الذين يجلسون أمامي من الصحراويين. ليس هناك عائلة صحراوية ملتئمة الشمل بكل أفرادها، سواء في الصحراء أو في المخيمات بنتدوف. نحن الصحراويين علاقتنا متداخلة، وقد حكم القدر علينا بأن يتكلم كل منا بخطاب مع أننا كلنا صحراويون، نحن أبناء رجل واحد، دمُنا واحد، قبل أن نتكلم عن الأرض، إن أغلبية سكان هذه المنطقة من جدّ واحد. إن الدوافع التي جعلتني أتكلم اليوم في هذا المؤتمر، وأمام هذا الجمع بكل تناقضاته، هي أننا نحن الصحراويين عانينا من صراع ال 30 عاما، ولا يمكن أن ننسى بأننا مررنا بمرحلة عنيفة جدا. والعنف له تأثيرات سلبية علينا جميعا. في وقت من الأوقات كانت هناك حرب، واليوم توقفت، حينها كنت أنا في الجبهة الأخرى، وكان والدي يعمل دليلا للقوات العسكرية المغربية، وكان يمكن أن يقع كل شيء. لذلك فالموضوع صعب علينا جميعا، كيف وصلنا إذن إلى هذه مرحلة؟ هذا هو المدخل الذي أريد أن أبدأ منه مداخلتي. "في مدرسة شبه عسكرية" في سنة 1979، كنت تلميذا في مدينة السمارة، كنت أدرس في المدرسة الابتدائية الوحيدة والأقدم في المنطقة في ذلك الوقت. وفي صباح 06 أكتوبر من تلك السنة، وقع هجوم على السمارة، وسقطت قذيفة على منزلنا، لا أستطيع اليوم أن أجزم إن كان مصدرها من مقاتلي البوليساريو أم من القوات المغربية، كل ما أتذكره، وأنا حينها صغير السن، أن منزلنا قد دمر عن آخره. لقد أصيب والدي، وتوفي أربعة أشخاص في منزلنا من بينهم أختاي الكبرى والصغرى. وبعد ساعات اختطفنا أنا وعائلتي، منهم والدتي وإخوتي الأربعة. لم يسألنا أحد حينها إن كنا نرغب أن نذهب إلى أي مكان، من اتخذ هذا القرار؟ هذا الموضوع لا يعنيني أنا وحدين بل إن 700 شخص كانوا ضحية له، ولكن إذا كنا اليوم نريد الوصول إلى حل على أرضية حاسبني نحاسبك، لن نصل إلى حلّ. نحن في حاجة إلى تفكير جديد يكون أساسه مصلحتنا نحن الصحراويين، أعتقد أنه حين نحسم الأمر بيننا نحن كصحراويين أولا، سيحسم الموضوع كله على مستوى بقية الأطراف المعنية به. إذن أين تكمن مصلحتنا؟. بعبارة أخرى، بماذا نطالب نحن الصحراويين في المخيمات؟ ليس هناك استفتاء يوضح بدقة مطلبنا وماذا نريد. فعلى مستوى المخيمات هناك قيادة تحتكر القرارات، ولا نستطيع محاسبة تلك القيادة على قراراتها، خاصة وأنها لم تسألنا عن موقفنا وآرائنا في القضية. بل إنه منذ 1975 ومجموعة قليلة هي التي تحتكر كل القرارات، هذه المجموعة نعتبرها نحن ضيوف أكثر من اعتبارها ولاد البلاد، كما نقول باللغة الدارجة.لأنهم يشكلون المجموعة التي تعلمت خارج الصحراء إما في الجزائر أو موريتانيا أو حتى في إسبانيا، مع العلم أن إسبانيا لم تعلم أحدا داخل الصحراء، ثم تحملت هذه المجموعة قيادة هذا الشعب المسالم والبريء، والمعروف أهله بالنخوة وعزة النفس. في السبعينيات ولا أريد أن أحاكم هذه المرحلة وجد نفسه في منطقة مليئة بالرصاص، وأمام خطابات سياسية متناقضة: بين من يريد إقامة دولة في المنطقة، وبين خطاب الإسبان الذي يقول بمنح الحكم الذاتي للصحراويين، ومن يؤكد أنه بصدد استكمال الوحدة الترابية. نحن الأبرياء حينها، كانت أغلبيتنا تسكن في البوادي، وحين بدأ الصراع المسلح، كان السلاح يخيف هؤلاء السكان. والذين كانوا على الأرض هم شباب يعرفون كيفية التخاطب مع الصحراويين وباللغة التي يفهمونها، وأقنعوهم بأن هؤلاء جميعا يريدون القضاء عليكم، وليس هناك حل أمامكم سوى الهجرة. وفعلا تم هذا التهجير إلى المخيمات في تندوف. هل هذا القرار كان سليما أم لا؟، أترك الجواب لكل واحد منكم. "نريد شيئا من التميز" اليوم نحن في المخيمات، ماذا نريد؟ في نظري، كل ما نريده هو قليل من التميز، وهذا لم يكن مضمون كحل من قبل، كنا موجودين بين نقيضين: نقيض الاندماج أو الانفصال. ونحن طمّاعين إلى حد ما، أقصد نريد التميز. لأننا نحن مجموعة بشرية قليلة العدد، سكان هذه المنطقة لا يتجاوز مائتي ألف نسمة على أكثر تقدير، مع العلم أن إحصائيات الأممالمتحدة حول تحديد الهوية لم يتجاوز 84 ألف. إن هذه الفئة معرضة إذن للذوبان في حالة اختلاطها بفئات أكبر منها، فهي إذن في حاجة إلى حماية، وصيغ الحماية لم نكن نعرفها من قبل، كما لم تكن متوفرة. ونحن كأغلبية صامتة كنا نتفرج، أمام ذلك الصراع والمقترحات التي تطرح لحله، ولم نُسأل؛ لا في البداية ولا في النهاية عن رأينا، وها نحن اليوم نعيش ظروفا صعبة. ومنطقتنا اليوم هي أسوأ منطقة في العالم، فهي تتميز بكونها بيئة صحراوية قاحلة، وفي محيط جغرافي ضيّق. وحتى إمكانية الاتصال بيننا محدودة، وهذه سْفاهة، أي عقوق بلغتنا المحلية، وهي التي دفعتنا لأن يتكلم والدي بخطاب بينما أنا أدافع عن نقيض ذلك الخطاب. ولكن لم تتح لنا جميعا الفرصة لنلتقي حتى يكون لنا خطاب مشترك. لماذا لي خطاب مناقض؟ لأنني عشت في المخيمات وكبرت هناك. ولم يدخل التلفزيون إليها إلا في منتصف التسعينيات، لكن إلى اليوم ليس عندنا صحافة، والبارابول ظهر عندنا حتى بداية الألفية، كانت لدينا وسيلة اتصال وحيدة هي المنشور السياسي، يتضمن وجهة نظر أحادية، هي ما تريد القيادة أن يعرفه سكان المخيمات. هذا المصدر الوحيد لن يمدح المغرب بكل تأكيد، بل يصوره على أنه مصيبة كل الصحراويين، بينما ليس لدينا مصدر آخر للمقارنة. منذ كان عمري 10 سنوات وأنا في المدارس الداخلية، سواء في المخيمات أو في ليبيا أو حتى في الجزائر، والداخلية هي أقرب إلى المعسكر منه إلى المدرسة التربوية. عشنا في مدارس شبيهة بالمدارس العسكرية. ومن 1981 إلى ,1983 كنت أدرس في مدرسة 12 أكتوبر مثلا، وهي عبارة عن مدرسة نظامية شبه عسكرية، يُكوّنون فيه العسكريين للحرب. والتدريبات العسكرية كانت تتم في الليل، خاصة على ما يسمى بالإغارة ليلا، بحيث يتم إطلاق الرصاص لاختبار مدى جاهزية الجنود للحرب، نحن كنا حينها أطفالا صغار، نحضر هذه العمليات، على الساعة الثالثة ليلا، كان يجب أن نكون في الميدان، هذه المدرسة قولبتنا في قالب معين، والذي يعرف كل ما مرَرْنا به يظهر له كما لو أننا كنا جاهلين أو ضالين، لكن نحن نتاج تربية. ننظر بعين واحدة ونسمع بأذن واحدة، هي عين وأذن الجبهة. وبكل صراحة لطالما أحسست بالإحراج بخصوص زيارة والدي، إذ لا يمنعني شيء سوى أني مكبل يدي بنفسي، وهو تأثير الثقافة والإرث الذي اكتسبته على مدار السنوات الماضية، هذا الإرث الذي يُصور المغرب على أنه النقيض. إذن كان لا بد من جهد نفسي كبير لأكسر هذا الحاجز، وأنا اليوم سعيد لأنني فعلت ذلك، كنت أرى بعين واحدة، اليوم أتيحت لي الفرصة لأرى بعيني الاثنتين، دون أن يفرض علي أحد أيّ شيء. أنا اليوم أوجد بالمغرب منذ قرابة ثلاثة أشهر، وصلت حتى نهاية شمال المغرب، وبالمناسبة لم يطلب مني أحد وثائق وهويتي طوال رحلاتي، تجولت في مختلف المناطق بشكل طبيعي. وأنا رجل أمن، ويسمونني مُنظر البوليس في المخيمات. أعرف الإجراءات الأمنية وملحاحيتها. أنا دخلت المغرب دون أن يسجل اسمي أحد، ثم إني زرت عدة مدن، ووصلت حتى إلى طنجة، في السيارة، دون أن يوقفني أحد. مضمون الخطاب الذي كنت أسمعه هو أن المغرب دولة بوليسية. والحمد لله أنني جئت، ورأيت بعيني صورة أخرى، لا أقول أن المغرب جنة، إذ هو على كل حال دولة من دول العالم الثالث، لكنه يحاول بجد إيجاد مكان له بين الأمم، أنا أعتز بما شاهدت، بالجهد والأوراش الكبرى المفتوحة في كل مناطق المغرب. قد لا تصلني مردوديتها أنا شخصيا، لكن ستصل إلى أولادي وعائلتي وكل الصحراويين. "أولوية لم شمل الصحراويين" ما قلته سابقا كان لا بد منه حتى يقف الجميع على حقيقة الأشياء، لأنه مادام فيه خطاب يصفني بالمرتزق، وأنا أرد بخطاب أصفه فيه بالخائن، هذا لن يوصلنا إلى نتيجة. اليوم إذا كنا نريد أن نحاكم التاريخ، علينا الوعي بأننا بدل أن نخرج من المتاهة، فإننا سنغرق فيها أكثر. لا بد من أن نكون شجعان، خاصة نحن الصحراويين، بأن نتخذ القرار الذي فيه مصلحتنا جميعا. ويجب أن يكون قرار كل الصحراويين. لكن نحن اليوم بيننا مسافات، دعوني أحكي لكم نكتة صغيرة، لقد جاء معي اثنين من إخوتي كانوا معي هناك في المخيمات، وقطعوا 3 آلاف كيلومتر، وتركنا والدتنا هناك تقطن بعيدا عن السمارة بأقل من 100 كيلومتر، ونحن اضطررنا أن نقطع 3 آلاف كيلومتر، إذن هناك مسافة تفصل بيننا، ويصعب علينا أن نلتقي كعائلات تأمل بأن يجتمع شملها. ولكي تتدارس مصلحتها، وتتخذ القرار المناسب، وهذا يقتضي أن تنتهي الفرقة بيننا، إذ كل منا له رأي ويتخندق في خندق واحد، بينما نحن جميعا وفي النهاية صحراويين. وبيدنا الحلّ النهائي، مهما تعددت الأطراف، لأننا أصحاب القضية والقرار، لقد فرقتنا ظروف نريد اليوم أن نتجاوزها. وما شجعني على عقد هذه الندوة مع أهلي هو توضيح هذه الصورة، وذلك بعدما لاحظت تطورا على مستوى الحل، إن مبادرة الحكم الذاتي كخيار؛ أرى فيها ذلك التميز الذي كنت أبحث عنه، والذي يوافقنا كمجموعة بشرية قليلة العدد، ولها روابط مشتركة وتاريخ مشترك، وتبحث عن شوية تميز. إن مقترح جلالة الملك محمد السادس، رأيت فيه مبادرة جيدة، لكن للأسف لم يعط لها حقها من النقاش في المخيمات بتندوف، لأنه لا زال الناس هناك خاضعين للتأثير السياسي للقيادة، ولكني لا أرى في هذه القيادة أية مسؤولية، وأهلي يشهدون على ذلك أكثر منكم أنتم الذين لا تعرفونهم، هؤلاء كانوا قيادتنا في الحرب كما هم اليوم، إذ نبحث عن حلّ، لكنهم هم اليوم في حال مُترف، بينما نحن العامة في ظروف سيئة تماما. فهذا القائد الذي لا يصبر حتى نصل للحل المطلوب، ثم بدأ ينمّي نفسه على حسابنا نحن، لا يستحق أن يكون قياديا. دعوني أذكر قصة شخص حكى لي أنه كان تحت قيادة محمد عبد العزيز في سنة ,1976 وقد أمرهم بالهجوم على طانطان، وقال لهم نحن سننتظركم لمدة 24 ساعة في منطقة محددة، وإن لم تعودوا بعدها سنعتبركم شهداء. يحكي الشخص أنه في ذلك الهجوم كان معرضا هو ومن معه للموت، لكنه رغم ذلك فإن الشخص نفسه وقبل عامين مرض ولد له، بمرض خطير ويتطلب العلاج في الخارج، قال إنه ذهب إلى عبد العزيز من جديد، فلم يهتم بحالته. قال لي إنه قبل سنوات، أرسلني عبد العزيز للموت بينما هو كان يجلس بعيدا في الحدود مع الجزائر، واليوم أنا جد متأسف على المسار الذي سرت فيه في البداية. هذا هو الواقع هناك، وأنا أنقله لكم بكل أمانة، وهذه هي مغزى مبادرتنا يا إخواني، وأنا غدا سأعود إلى المخيمات، ونفس هذا الخطاب كنت أقوله هناك، لكن ليس عندنا وسيط إعلامي، الجبهة لها جريدة واحدة، وتلفزة واحدة، تخضع للقيادة وتروج لخطابها. ورغم أن العالم تغيّر، وتغيرت التنظيمات، إلا أن الواقع عندنا لم يتغير، منذ .1976 والقيادة هي نفسها، محمد عبد العزيز كان هو الرئيس ولا زال هو نفسه إلى اليوم، وهذه القيادة محتكرة للقرار، ولا تترك أي هامشللمشاركة والتداول على السلطة. لأنه حسب فهمي، فإن أغلبية الأشخاص يخافون من مصيرهم خارج السلطة، بحيث يمكن أن يصير شخصا مجهولا، وبالتالي حفاظهم على مواقعهم يدل على أنهم لا يحملون همّ الناس ومشاكلهم، بقدر ما يعنيهم مستقبلهم ومصيرهم، ولن يحققوا للصحراويين أي شيء.وبالتالي لا بد للأمور أن تتغير. والدي هو شيخ قبيلة من أكبر القبائل في الرقيبات، ومجتمعنا له تقاليد وقيم، لكن لا توجد به زعامة فردية، القبيلة إذا حاربت تحارب بكل رجالها، وإذا عقدت صلحا تفعل ذلك بكل رجالها، ونحن نريد العودة إلى هذه الوضعية، وهي تعني جماعتنا في المخيمات أكثر من غيرهم. لقد اخترت أن أكسر هذا الحاجز، وعازم على السير فيه إلى النهاية، وأقول لهم قناعتي هذه وأنا عائد إليهم. "الحكم الذاتي أفضل حل" إن أفضل حلّ لقضيتنا نحن الصحراويين، يمكن الوصول إليه هو الحكم الذاتي، لماذا؟ لأننا نحن في أكثر التقديرات تفاؤلا نشكل قرابة 200 ألف شخص، وهذا العدد يشكله الجيش الجزائري لوحده، وربما أيضا هو عدد القوات المسلحة الملكية المغربية، هذا يعني أننا لن يكون بمقدرونا حماية الكيان الذي نريد، وهو معرض لكل شيء. إذن لابد من قليل من المسؤولية والجدية، ولابد من الخروج من الحسابات الضيقة، سواء كانت حسابات إقليمية أو دولية، إذ أن دولاً مثل الجزائر وفرنسا وإسبانيا وأمريكا تبحث عن مصالحها، ولكن نحن الصحراويين ماذا نريد، إلى متى نظل نعاني حتى تحقق تلك الدول مصالحها، لابد من البحث عن حل واقعي، وأرى أن الحكم الذاتي هو الحل الأفضل. لقد غادرت السمارة، وهي مركز حضري صغير، اليوم هي مدينة تضاعف ما كانت عليه أربع مرات على الأقل، أما مدينة العيون بدت لي اليوم أشبه بقارة، لأننا نحن أهل البادية كنا نعرفها مركزا صغيرا، اليوم هناك تداخل بين القبائل من الصحراء والشمال، تجانست واندمجت، فكيف نفكر اليوم في فصلها عن بعض، هذا صعب جدا، ولابد من أن نكون واقعيين. لابد من تفكير جديد ونوعي، لا ينبغي أن نكون طموحين أكثر من اللازم. رغم أنني أدرك الصعوبات القائمة، لكن غير مسموح منا أننا نتخذ القرار لوحدنا، لأننا في فضاء إقليمي ودولي، رغم أن استقلالية قرارنا هو بكل تأكيد مسألة غير قابلة للنقاش، وهي من السمات التي جعلتنا نبحث عن شيء من التميز. نحن أهل كسابة وأهل بادية بطبعنا نميل إلى الحرية والتحرر. ولذلك إذا كانت بعض الجهات تعتقد أنها تتحكم في كل صغيرة وكبيرة، فإنني أعتقد ومن خلال تقاليدنا وما أعلمه وأعرفه أن أية جهة ليس بمقدورها أن تقف في وجه أي قرار نراه صائبا وفيه مصلحتنا، إلا أننا غير مستعجلين للقيام بأي خطوة قسرية، لأنه قد نخطئ، ولأن الرسالة لا تمر بيننا بشكل جيد. وأنتم سمعتم خطاب عمي حسنة ولد البشير. اليوم نحن الصحراويين مطلوب منا أن نتحلى بالشجاعة، وأن نتناظر في الرأي، ولكن ليس لنا مكان في العالم يمكننا أن نتناظر فيه، لأن كل الأمكنة ليست لنا سوى هذا المربع الصغير من العالم، الذي هو مكاننا ويتطلب الأمر منا أن نلتئم فيه، حتى يستمع كل منا للآخر. ربما لنا قيادات سيئة، وهي بالفعل كذلك، إلا أن مواطنينا بريئون. ليس هناك شخص داخل هذه القاعة من الصحراويين ليس له قريب في المخيمات، نحن عندما اختطفنا وجدنا أنفسنا في الحمادات، في وضعية صعبة تتسم بالتشتت والتمزق، والتنقل بين المخيمات صعب كما أن التواصل مع عائلاتنا داخل الصحراء أصعب، لا يوجد طريق بين تندوف والسمارة، ما يوجد هو مساحة مليئة بالألغام وبالجنود من كلا الطرفين: الجيش المغربي من هنا ومقاتلو البوليساريو من هناك، فضلا عن بعثة الأممالمتحدة. قد يجازف الشباب لأنهم لا يملكون ما يخسرون، لكن الكبار من الرجال والنساء والناس ذوي المسؤوليات لا يستطيعون المجازفة. الطريق الآمن الوحيد هو الطريق المار عبر موريتانيا، وبهذه المناسبة أود أن أشكر هذا البلد الوحيد الذي استطاع احتواء كل التناقضات، فيها المؤمنون بالوحدة والمؤمنون بالاستقلال دون أن يُسأل أحد عن قناعاتهم. "أريد أن ألعب دور الوسيط" اليوم لدينا أرضية لنلتقي هنا، وأريد لعب دور الوسيط بين هذه الضفة والضفة الأخرى، بعدما توفرت لي الفرصة لزيارة أهلي والمنطقة، وبعدما ناقشت مع أهلي أفكارهم وأفكاري، كانت تغيب عني الكثير من الأمور. ودون مبالغة، الوضع ليس مثاليا لكنه ليس سيئا أيضا، وهذا حال العالم كله، ولا يجب أن نتعقد من مثل هذه الأمور، كل العالم فيه مشاكل حتى في أعتى دول العالم أمريكا، كما في أفقر دولة وهي مالي. ونحن لسنا استثناء في هذا العالم ولكن علينا اليوم مسؤولية تاريخية. ونحن الصحراويين ساعدنا في تطور المنطقة. فحسب تحليلي أنا، مغرب السبعينات والثمانينات ليس هو مغرب اليوم. المغرب اليوم بلد منفتح وديمقراطي وتعددي، ويسير نحو الجهوية، وأعتقد أن قضية الصحراء هي التي دفعت المغرب إلى إقرار الجهوية. هذه الأخيرة ليست سلبية بل إنها أفضل ما يمكن أن يكون، يمكن أن يجد فيها المحلي ما يريد والمركزي ما يريد، ونتقاسم فيها الثروة والسلطة، وكل منّا يتحمل المسؤولية من جهته. إخواني الصحفيين، أريدكم أن تبلغوا هذه الرسالة، ما قلته لكم يشكل 80% من الصورة الواقعية بدون زخرفة، وأنا عازم على العودة إلى المخيمات، لأن لي هناك أبناء وعائلة لم أراهم لمدة طويلة، ومن يريد الالتقاء بي هناك منكم فأنا مستعد للقائه على الأرضية نفسها، وإذا لم أستطع فحتما سيجد غيري، لكنني الآن أريد الكلام عن نفسي فقط، وأريد أن تكون هذه البداية لكي نحترم آراء بعضنا البعض. وبالحوار والنقاش نصل إلى الأفضل، لكن بالعصبية لن نصل إلى شيء. أريد أن أؤكد مجددا أن لا خيار أفضل لنا نحن الصحراويين من خيار الحكم الذاتي الموسع، ينمون فيه ثقافتهم ومنطقتهم، وهو خيار لا زال مطروحا للنقاش والتفاوض. وأنا أول الصحراويين في المخيم أريد التفاوض حول هذا المقترح، وربما معي الكثير من الناس، إلا أني الآن لست ناطقا باسم أحد، وعندي رسالة أريد أن أمررها للجميع، وهي أنه لا يوجد اليوم من يحتكر قرار الصحراويين، وكل احتكار في غير مصلحة الصحراويين، ومن يريد رأي الصحراويين عليه أن يسمح لهم بهامش من الحرية، وهذا الهامش صعب في المنطقة التي نعيش فيها. إلى أين سنذهب؟ خاصة، وأن مجموعة كبيرة من الشباب غادر المخيمات، وهو يخاطر بحياته، لكن أنا عندي عائلة كبيرة ولا يمكنني أن أقامر بها، هذا الموضوع أحاول بحثه مع الجميع، سواء مع قيادة البوليساريو أو مع الأممالمتحدة أو مع المغرب، من أجل الوصول إلى حلّ، نحن اليوم معزولين وفي منطقة جغرافية خلاء، ونعيش على المساعدات فقط، لكن ليس هناك إمكانيات الاتصال لمخاطبة الناس جميعا، حتى يظهر للجميع الحل الواقعي والممكن، خاصة وأنني ابن خيمة كبيرة، وابن شيخ قبيلة، ولنا عائلات كبيرة في المخيمات. البعض يقول لماذا سأعود؟ أنا أرى عدم عودتي إلى المخيمات هي قلة مسؤولية، وأريد أن أكون هناك للمساعدة في الوصول إلى حل للجميع، وأنا مستعد للصبر معهم سنة أو سنتين وحتى عشرة من أجل الوصول على حلّ نهائي للوضع. وشكرا لكم. "نداء" المصطفى ولد سلمى إلى الصحراويين نحن جيل حكمت عليه الأقدار أن تتفتح عيونه بعيدا عن وطنه، وسط ظروف طبيعية واجتماعية واقتصادية صعبة، في مخيمات الصحراويين بتندوف، ارتسمت صورة العالم في أذهاننا ونحن صبية، بغبار المعارك وقصص الموت والتهجير والحرمان والاختفاء، وتشكل العالم حينها في مخيلاتنا الصغيرة من قطبين: جبهة البوليساريو من جهة والمغرب من جهة ثانية، كلاهما يحتكر الحق كله، وكنا ضحايا ذلك الحق ومضمونه. كبرنا وكبرت المأساة وطال أمد المعاناة، وتعددت الأقطاب وصرنا قضية كل العالم، اليوم وبصفتي عضوا من أعضاء البوليساريو وإطارا أمنيا داخل جهاز الشرطة، ومن موقعنا القيادي في قبيلتنا المرجعية، التي لا يختلف عليها كل الصحروايين، وبالتضامن والتآخي مع كافة أبناء القبائل الصحراوية نريد استرجاع سيادة قرارنا بكل حرية وديمقراطية، بعد أن كان قد سلب منا يوم تأسست البوليساريو واحتكره قادتها، أمثال: محمد عبد العزيز، ومحمد لامين البوهالي وامحمد خداد والبشير مصطفى السيد والخليل سيد أحمد. وكما قلت، بصفتي أحد أعضاء جبهة البوليساريو، أعرف أن كل يوم يمر هو يوم زائد في معاناة أهلنا في المخيمات التي لا يخفى على أحد واقعها وانطلاقا من المعطيات على الأرض، والتي أعود وأؤكد بأننا كنا نجهلها تماما على مستوى المخيمات. وكل يوم يمر هو ناقص من تنمية المنطقة بأكملها، وبالتالي هدر للإمكانيات التي نحن في أمس الحاجة إليها للرفع من مستوى المواطن المغاربي، كل هذه المعطيات دفعتني إلى التفكير بشكل جدي في مخرج مشرف لقضيتنا، ينهي هذا الصراع الذي عمّر طويلا. فنحن في المخيمات للأسف مقصيون من التفكير في حلّ لقضيتنا، فقد عودتنا قيادتنا على احتكار كل شيء حتى التفكير. وإلا فكيف لم يشارك مثلاً، أي ممثل من قبيلة البيهات في المفاوضات مع الأممالمتحدة، وكيف لم نرى أيا منهم على مدار السنوات الفائتة قريبا من مركز القرار، وهم الفئة الأكثرية داخل الصحراء الغربية وداخل المخيمات بالخصوص. اليوم وبصفتي أحد أطر البوليساريو وابن شيخ قبيلة هي الأكبر داخل الصحراء، وانسجاما مع تطلعات أهلنا في البحث عن تسوية مشرفة، وبالتضامن والتآخي مع جميع القبائل الصحراوية. فإني، وباسم أهلي، أسحب ثقتي وصفة المفاوض مع الأممالمتحدة والأطراف في قضية الصحراء من الأشخاص الحاليين الذين يديرونها في جبهة البوليساريو، وأرجو أن نجد عند السلطة في المغرب الصدر الرحب، قصد التوصل إلى حلّ يحفظ ماء الوجه للجميع. ومن هنا أتجه إلى إخواني أعيان وشيوخ وشباب كل القبائل الصحراوية أينما كانوا، أن يقفوا وقفة رجل واحد، لاختيار الحل المناسب والناجع لأهلهم وذويهم، وبهذا الصدد نعتبر كل الاقتراحات الدولية المطروحة، أرضية للنقاش والتحاور، في إطار التفاوض المباشر، ونرى في مقترح الحكم الذاتي الموسع حلا وسطا ومناسبا لحل هذه المشكلة، كما نطلب من جميع الدول التي يتواجد الصحراويون المعنيون بالقضية على أرضيها، مساعدتنا في التواصل مع أهلنا حتى نصل إلى هذا الحل بمشاركة كل الصحراويين دون إقصاء.