نص الكلمة الأخيرة التي كان من المنتظر أن يلقيها الأستاذ المصطفى المعتصم -أمين عام حزب البديل الحضاري - في الجلسة الأخيرة أمام هيأة محكمة الاستئناف، لكن رئيس الهيأة منعه من ذلك *** بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه، السيد الرئيس، السادة المستشارين، السيد ممثل النيابة العامة.. السلام عليكم ورحمة الله. بداية أتوجه إلى رجال كرسوا أنفسهم لخدمة العدالة والدفاع عن حقوق الإنسان، أتوجه إلى تلك الهامات الشامخة.. إلى السادة النقباء والأساتذة من هيأة دفاعي: النقيب عبد الرحمن بنعمرو، النقيب عبد الرحيم الجامعي، النقيب عبد الرحيم بنبركة، ذ. خالد السفياني، ذ. المصطفى الرميد، ذ. أحمد الحمزاوي الرغيوي، ذ. السداتي ماء العينين، ذ. عبد المالك الزعزاع، ذ. محمد الصبار، ذ. خليل الإدريسي، ذ. جلال، ذ. عبد العزيز النويضي، ذ. ادريس لشكر .. وإلى كل الأساتذة الذين تجشموا عناء الدفاع عني في هذه المحاكمة الماراطونية، أيها السادة لقد جسدتم النبل والوفاء للمبادئ، وكنتم مدرسة وقدوة، أعطيتم المثل بانضباطكم وحضور بديهتكم، بشجاعتكم وحرصكم على كشف الحقيقة. دمتم سندا للمظلومين والمستضعفين، ولكم مني كل الشكر والامتنان والتقدير. أتوجه بالشكر أيضا إلى هيأة دعم المعتقلين السياسيين الستة، برآسة المناضل الكبير محمد بنسعيد آيت إيدر، وإلى المنظمات الحقوقية والأحزاب السياسية وهيآت المجتمع المدني وكل الفعاليات الفكرية والسياسية الذين ساندونا ودافعوا عنا. إلى كل هؤلاء الذين سيسجل التاريخ أنهم أسسوا لمغرب جديد في ظل الجراح والألم .. فكان لهم، إلى جانب أجيال أخرى من الشرفاء، شرف الانعطاف ببلادنا نحو زمن ديمقراطي انتظرناه طويلا.. الشكر والامتنان لرجال ونساء الصحافة على دعمهم وتنويرهم للرأي العام في هذه القضية، الشكر والتقدير لتنسيقية أسر المعتقلين السياسيين الستة..وتحية خاصة لرجال ونساء البديل الحضاري. الامتنان والتحية لزوجتي وأبنائي وبناتي وإخواني وأخواتي وكل أفراد عائلتي، وأقول لهم إنما صمدت بصمودكم واستمددت قوة عزيمتي من هممكم وعزائمكم. السيد الرئيس.. يقول الله سبحانه وتعالى في سورة النور: إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم، لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم، لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم، والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم، لولا إذ سمعتموه ظن المومنون والمومنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين، لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون. النور الآية 1311 . أنا بريء ومظلوم.. ومع ذلك أؤكد أني كلي استعداد لتحمل مسؤوليتي إن ثبت في حقي ما يدينني.. من جهتي أقسم برب العزة والجبروت أني ما خنت بلادي ولا هددت أمنها واستقرار أهلها ونظامها السياسي.. ولعنة الله علي إن كنت أكذب عليكم أو أكذب على هيأة دفاعي وعلى كل الأخيار والفضلاء الذين دافعوا وما زالوا عن براءتي. لقد كان شعاري دائما رفض ازدواجية الخطاب والممارسة، فأنا لا أقول ولا أعمل في السر ما أخاف أو أكره أن يعرفه الناس أو لا أقدر عن الدفاع عنه في العلن. السيد الرئيس.. لست من الذين يمنون على الله تعالى أو على وطنهم أو شعبهم بما يقومون به من أعمال في خدمة الدين والوطن والأمة.. ولكن يشهد الله أني ما قصرت في واجبي، بذلت الوسع وانخرطت بصدق في الحراك الذي كانت تعرفه بلادي، خصوصا منذ مجيء الملك محمد السادس لإنجاح الانتقال الديمقراطي وإقرار دعائم نظام ملكي ديمقراطي مواطن، في ظل أجواء من الحرية والكرامة والعزة والاستقرار. في 14 سنة أي بين 1994 و,2008 قطعت مليون وأربعمائة ألف كيلومتر سواء في داخل المغرب أو خارجه، وبحكم عضويتي في العديد من المؤتمرات والجمعيات والمنتديات، فقد شاركت في عدد لا يحصى من الملتقيات والندوات والمحاضرات والمؤتمرات السياسية والفكرية والعلمية والعديد من اللقاءات لحوار الثقافات والحضارات والأديان والمذاهب.. في مثل هذا المسار الطويل لابد أن يزل لساني ولو مرة واحدة فيكتشف تآمري وخيانتي ويفضح سري.. وإنكم لتعلمون، علم اليقين السيد الرئيس، درجة اليقظة والحيطة والترقب الذي تتميز به أجهزتنا الأمنية، خصوصا في علاقتها بالمعارضة والمعارضين. فليأتوا بدليل مادي واحد على إساءتي لسمعة بلدي أو سمعة رموزها أو دليل واحد على تآمري وتهديدي لأمن بلادي واستقرارها.. فإن لم يستطيعوا، ولن يستطيعوا يقينا، فليستعينوا بمخابرات الدول الصديقة والحليفة للمغرب في هذا الأمر !! فبالتأكيد لن يجدوا ما يدينني. إن ما فاجأ العديدين في الداخل كما في الخارج، هو الكذب والبهتان الذي جاء في صك الاتهام، فهؤلاء يعرفون من خلال لقاءاتي الخاصة والعامة مدى حرصي على سمعة بلادي واستقرارها ووحدتها، ويعلمون إلى أي مدى أرفض العنف وأدين الإرهاب ويعرفون أني أنتمي إلى جيل الإسلاميين الديمقراطيين المعتدلين الوسطيين.. هؤلاء لن يصدقوا الرواية الرسمية أبدا !! السيد الرئيس.. كرّه إلىّ ربي أن أظلم كما كره إلى أن أظلم.. وكره إلي أن أخون كما كره إلي أن أخان.. وليس هناك في الوجود شيء أكرهه كالظلم والخيانة.. لهذا تألمت كثيرا على ما حل بي وبحزب البديل الحضاري.. ولم أجد من ملجأ سوى الله ولم أجد من عزاء سوى الدعم والتضامن الكبير الذي لقيته من الفضلاء الديمقراطيين ببلادي، كان كلما اشتد بي الألم تذكرت تلك القصيدة الرائعة لهاشم الرفاعي، التي يقول فيها: يهزني ألمي فأنشد راحتي üüü في بضع آيات من القرآن قد عشت أومن بالاله ولم أذق üüü إلا أخيرا لذة الإيمان في السجن فهمت أني سلبت حريتي لأني رفضت أن أكون شاهد زور على مرحلة أو كومبارس، فهمت أني أؤدي فاتورة الشعار الانتخابي باراكا الذي خضنا به حملتنا الانتخابية.. باراكا أو كفى من الفساد وإطلاق اليد للمفسدين، كفى من الريع ومن احتكار السلطة والثروة إلخ.... فهمت أني في السجن أدفع ثمن اختياراتي الفكرية واصطفافاتي السياسية وتحالفاتي الميدانية واستعصائي على التوظيف، فهمت أني دخلت السجن بناءا على مقتضيات ترتيب بئيس للساحة السياسية المغربية لم يكن لي ولا لحزب البديل الحضاري موقع فيه. السيد الرئيس.. يمر المغرب بمرحلة رمادية، مرحلة تعثر فيها المسلسل الديمقراطي الذي انطلق سنة ,1994 وتسارعت وتيرته سنة ,1999 قبل أن تبدأ في التراجع، إننا اليوم أمام أسئلة ملحة حرجة ليس في مقدورنا القفز عليها أو تجاهلها، أسئلة ناتجة عن تفاعلات وتحولات عرفتها بلادنا والعالم من حولنا زهاء عقد ونصف من الزمن، إن أكثر المتشائمين بيننا ما كان ليتوقع الضعف الذي أصبح عليه المشهد الحزبي ببلادنا وعجزه عن مسايرة وتيرة التحولات التي تعرفها البلاد، بل إن هذا المشهد قد أصبح في العديد من الأحيان معيقا حقيقيا لتطور الحقل السياسي المغربي، ولم يكن أحد يتوقع مدى البوار الذي لحق النخب السياسية التي أصبحت تتهافت على سقط المتاع السياسي، في وقت كان من المفروض عليهم أن يقودوا مسلسل الإصلاحات السياسية والدستورية ويقودوا قاطرة التحولات الديمقراطية في بلادنا، ولم يكن أحد يتوقع استمرار تدهور الأوضاع الاجتماعية ومؤشرات التنمية بالمغرب، بالرغم من كل المجهودات المبذولة والأوراش المفتوحة التي أطلقها بالخصوص القصر، كما لم يكن أحد يتصور مدى التطور الذي عرفه المجتمع المدني المغربي، وتطور أداء وتحديات، بل ومطالب الصحافة الوطنية نحو المزيد من المطالبة بالديمقراطية والحرية، ولم يكن أحد يتصور عمق التحولات التي عرفتها الساحة الإسلامية، سواء من خلال تطور بعض المكونات السلفية نحو العنف أو من خلال ظهور نقيض لها، ويتمثل في تيارات الإسلاميين الديمقراطيين أو من خلال تحولات وبراغماتية حزب إسلامي انتقل بسرعة من المطالبة بالحق في المشاركة إلى المطالبة بأن يكون شريكا كامل الشراكة في اللعبة السياسية، من خلال التداول على السلطة والمساهمة في اتخاذ القرار.. لكل هذه الأسباب، ولأسباب أخرى يمكن القول أننا إزاء أزمة نمو، فأسئلة منتصف التسعينات من القرن الماضي لم تعد هي ذات الأسئلة المطروحة اليوم في الأجندة السياسية المغربية، فإما أن نتصدى لها بكل جرأة وواقعية أو نفشل في هذا الأمر فنصير إلى ردة حقيقية عن الخيار الديمقراطي، نعم نحن اليوم في حاجة إلى البحث عن سبل لإعادة تأهيل الحقل السياسي المغربي، لمواجهة حالة الجمود والفراغ الذي يعاني منه حتى نعيد الثقة للجماهير في العمل السياسي، ونحن في حاجة إلى بحث في سبل إعداد نخب سياسية وغير سياسية لتطلع بدورها في هذه المرحلة وفي حاجة إلى البحث عن وسائل دعم الانتماء إلى الهوية الوطنية في أقاليمنا الجنوبية، حتى ننجح في تفعيل مقترح الحكم الذاتي كحل سياسي لمعضلة دامت أزيد من خمسة وثلاثين سنة، وفي حاجة إلى تفعيل جهوية حقيقية في ظل نظام مركزي ديمقراطي.. فالجهوية في غياب دمقرطة المركز ستكون فارغة من كل مضمون جهوي حقيقي، نحن أيضا في حاجة إلى تأهيل الحقل الاقتصادي ومؤسساته لمواجهة تحديات العولمة الليبرالية المتوحشة وللرقي بها إلى مستوى التنافسية المطلوب، وفي حاجة إلى الجواب عن أسئلة المجتمع المدني والصحافة الوطنية وفي حاجة إلى تحديد واضح للعلاقة مع الحركات والأحزاب الإسلامية في أفق التصدي للتوجهات العنيفة، تصديا شاملا في أبعاده الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية، وإدماج التوجهات الديمقراطية إدماجا كاملا، باعتبارهم شركاء حقيقيين في لعبة سياسية واضحة المعالم ومحددة الشروط.