يحاول المغرب في العشرية الأخيرة استدراك النقص الحاصل في تدبير ملف الجالية المغربية المقيمة بالخارج، أمام المتغيرات الديمغرافية والسوسيوثقافية المتسارعة بأجيال جديدة، ومشاكل متنوعة، واحتياجات ومطالب عديدة، ورهانات استراتيجية ومصالح حيوية، من خلال هندسة مؤسساتية متعددة الأطراف؛ الوزارة المكلفة بالجالية المغربية ووزارة الخارجية ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة القاطنين بالخارج. إلا أن الجالية بالرغم من المجهودات التي تبذل لم تتوفرعلى أجوبة واضحة وملموسة، ولو نسبيا، على مستوى مطالبها المستعجلة ولا على مستوى انتظاراتها الاستراتيجية، وهي التي ظلت صمام أمان الاقتصاد الوطني لعقدين من الزمن، فتتحويلاتها وكما تجمع معظم التقارير تتجاوز أحيانا مداخيل السياحة، كما أنها تسهم بشكل أكبر في تغطية العجز التجاري علاوة على كونها تشكل ثاني مصدر للعملة الصعبة، وثاني مصدر للدخل بالمملكة بعد الصادرات. المطالب المستعجلة: أما هذه الهندسة المؤسساتية والموارد المرصودة هل تحس الجالية المغربية المقيمة بالخارج بتقدم ولو نسبي: 1. على المستوى الإداري: ما عرفته القنصليات في الفترة الأخيرة من فوضي وإرباك وإكتظاظ وتدخل أمني على اثر اعتماد الجواز البيومتري أضر بمصالح هذه الفئة من المواطنين، وهي تطرح التساؤل حول التكامل المندمج بين مختلف السلطات والمؤسسات والهيئات المكلفة بقضايا المغاربة المهاجرين. 2. على المستوى الاجتماعي: ارتفاع نسب الهشاشة في صفوص النساء والقاصرين وتعدد مظاهر عدم الاستقرار الأسري وتداعيات الأزمة الاقتصادية المعمقة لكل هذا، وتضاعف أرقام الأسر المغربية التي تنتزع منها أبناءها الصغار تطبيقا لقانون يقضي بانتزاع الأطفال القاصرين من الأسر المغربية التي تعيش أوضاعا صعبة، مثال إيطاليا، وما يمثله هذا من تهديد للهوية وللقيم الدينية ولثقافتهم اللغوية. 3. على المستوى الاقتصادي والمالي: ماذا عن تقييم حصيلة تجربة بنك العمل والانخراط المحدود للمؤسسات البنكية والمالية الوطنية في دعم البرامج الموجهة للجالية المغربية بالخارج، التي اغتنت بفضل أموال العمال المهاجرين، والتي تتنافس فقط في إغرائهم. الانتظارات الاستراتيجية : 1. الملف التعليمي و الثقافي: المفروض أن يفتح نقاش حقيقي متواصل، نظريا وفكريا، من قبل كل المتدخلين حول الرؤية الموحدة المندمجة بعدما أبانت التجربة المغربية وبإجماع الكل أنها لم تبلع الأهداف المرسومة لتعليم الأجيال اللغة العربية كمطلب أساس وملح للجالية ووسيلة يمكن من خلالها أن تربطها بالوطن الأم ووسيلة تورث رصيدها من المبادئ والقيم الإسلامية للأجيال الجديدة من دون أن تعزلهم عن مجتمعهم الذي يعيشون فيه وينتمون إليه، والتقييم الموضوعي المشترك وليس المبادرات المتوزعة بين المتدخلين (التصريح بالبرنامج الاستعجالي من قبل الوزارة سنة 2008!! ماذا قدم منه وماذا بقي!، تقييم تجربة تعليم اللغة الغربية من قبل مؤسسة الحسن الثاني والندوة الدولية حول الهجرة واللغات من قبل المجلس كغيرها من الندوات التي ينظمها، ومتابعتها تبقى في المصير المجهول، والجالية لا زالت تتفرج على بحث هذا المجلس عن الطريق نحو دوره الاستشاري الذي لازال يضله وتتمنى أن لايطول الأمد، خصوصا وهو في نهاية المهمة! .2 التأطير الديني : السوق الدينية المعولمة تتجاذب المغاربة القاطنين بالخارج، وتهدد وحدتهم المذهبية واعتدال التدين المغربي، مما يثير التساؤل حول مدى قدرة النموذج المغربي على المساهمة في بناء جسر يربط الوجود الإسلامي المغربي في أوروبا وأمريكا أمام تعدد المرجعيات والنماذج المؤطرة للمسلمين في أوروبا خصوصا، ومدى قدرته على تقديم نموذج لتربية الأبناء وتوجيههم والمحافظة على هويتهم وخصوصياتهم الدينية وتقوية الرابط بينهم وبين البلد الأصل، فمن الناحية النظرية يمكن الحديث عن نموذج يملك من المقومات المعرفية ما يمكنه من استيعاب التحولات والتحديات التي يعرفها مغاربة القاطنين بالخارج في السياق الأوروبي؛ بشقيه الثقافي والاجتماعي. وهذا ما أثبتته التجربة التاريخية التي راكمها تفاعل المذهب المالكي مع محيطه العالمي، إلا أن المتدخلين لم ينتبهوا إلى هذا الزخر الحضاري المغربي، بل هناك من يعمل على تمويهه خصوصا ممن يتولى مهمة تقديم الرؤى والاقتراحات. فواقع حال أبناء الجالية أنهم أصبحوا يجهلون أي منحى يتبعون، خصوصا وأنهم يفتقرون إلى الأدوات والإطار النقدي الذي يسمح لهم بمقاربة الإسلام مقاربة صحيحة ومواجهة التيارات الأكثر تطرفا. ويطرح ذلك إشكالية المرجعية بكل أبعادها. وهنا نطرح التساؤل حول دور التكامل المؤسساتي المهتم بالجالية! في رسم استراتيجية هادفة لتأمينها من كل الغوائل التي تهددها في هويتها الدينية والوطنية، وتحسيسها باستمرار أن لها وطنا عريقا وتاريخا مجيدا وحضارة خالدة وتراثا علميا وثقافيا ضخما. .3 المطلب الحقوقي: أمام المشهد السياسي الأوروبي الذي يشهد صعودا سريعا للكثير من القوى السياسية اليمينية المتطرفة، والتي تمكنت من دخول البرلمانات الأوروبية وبدأت تملي وبصوت مرتفع أجندتها السياسية فتغلب المقاربة الأمنية الحمائية أكثر من السياسة الإدماجية المواطناتية التي لا تخلو من التمييز العنصري الفاضح ضد المهاجرين عموما، بل والسير نحو تقليص بعض الحقوق التي كانت من مسلمات أروبا؛ الأنسنة والديموقراطية والحقوق والمساواة والعدالة الاجتماعية لمواطنيها ولمن يأويه ترابها، وتأثير الأزمة الاقتصادية على المهاجرين في البلدان الحديثة، وبالرغم من توفرنا على الشريك المتقدم مع الاتحاد الأوروبي لازال ملف الحماية الاجتماعية والقانونية غير مؤسس، والدليل أن مواطنينا بالخارج لا يجدون من ينصت إلى شكواهم فبالأحرى متابعتها، وهذا ما تشهد به هيئات مدنية أو مسؤولون سياسيون زاروا بلدانا يشتكي فيها المغاربة والأجانب من ضآلة التدخل المغربي في حماية الحقوق الأساسية ... دون الكلام عن النقص الحاصل في الإطار الاتفاقي الدولي الثنائي والمتعدد الأطراف الخاص بتنظيم وحماية حقوق ومصالح الجالية المغربية بالخارج الحماية الاجتماعية، التقاعد للجالية بالخليج وإفريقيا، والعلاقات الأسرية، والتعاون القضائي والقنصلي والمدني، ومهمة وزارة العدل فيما يخص القضاة المختصين في الشؤون المدنية والأسرية للعمل بالخارج وتدبير الشكايات المرتبطة بقطاع العدل. وما السبب وراء التعامل المحتشم للحكومة مع الحق الدستوري للمغاربة القاطنين بالخارج في التمثيلية السياسية بالمؤسسة التشريعية! .4 تعبئة الكفاءات والاستثمار: ماذا وفرت كل هذه المؤسسات من أجل توجيه كل الطاقات من أجل توفير الوسائل والآليات الكفيلة بانبثاق جيل جديد من الاستثمارات للمغاربة المقيمين بالخارج، خاصة في القطاعات الحيوية للاقتصاد الوطني؟ أين المراجعة الجذرية للآليات العملية والتنفيذية للبرنامج الحكومي المسمى: المنتدى الدولي للكفاءات المغربية بالخارج ئةخدح، في أفق ضمان تعبئة حقيقية وملموسة للكفاءات المغربية المهاجرة وتحويل هادف ومندمج لتجاربها المهنية والدراسية، وفقا لتدبير لامركزي يعطي لكل هيئة تسيير عملية الربط بين الطلب والعرض على الخبرات التي تدخل في مجالات اهتمامها.