تأسست الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء في أبريل من سنة ,2004 وحدد خطاب الملك محمد السادس أهدافها في الخطاب الذي ألقاه في يوليوز 2005 بقوله وبذلك نقوم بتحصين الفتوى، التي هي أحد مقومات الشأن الديني، بجعلها عملا مؤسسيا، واجتهادا جماعيا، لا مجال فيه لأدعياء المعرفة بالدين، ولتطاول السفهاء والمشعوذين، ولا للمزاعم الافترائية الفردية. وتتجلى وظيفة الهيئة الأساسية في الإجابة على النوازل المستجدة والقضايا المعاصرة التي تتطلب اجتهادا جماعيا، وهذا ما أكده في عدد من المناسبات الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى، الدكتور أحمد يسف، أما القضايا الفردية والبسيطة فيكون الرد فيها منوطا بالمجالس العلمية المحلية التي وصل عددها إلى 69 مجلسا موزعين على كافة التراب الوطني إلى جانب 13 مجلسا جديدا في عدد من العمالات والأقاليم المحدثة في حين يتكفل المجلس العلمي للجالية المغربية بأوربا بالإجابة على أسئلة المهاجرين المغاربة في الخارج. هذا التقسيم، يوضح أحد أعضاء المجاس العلمية، يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل منطقة، فقد يكون السؤال واحدا لكن تختلف الإجابة عنه بين شمال المغرب وجنوبه. وفي نفس السياق، واستقراء للفتاوى التي أصدرتها الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء منذ إنشائها قبل ست سنوات، نتوصل إلى استنتاجات أولية ترتبط بخمسة أبعاد، يكشف البعد الأول عن كون هذه الاجتهادات تثبت قدرة المؤسسة العلمية على الاجتهاد في القضايا المعاصرة، ومن ثم إثبات فعالية أصول المذهب المالكي ومنهجه في الاجتهاد وفي تقديم أجوبة لكل القضايا المستجدة، ويتعلق الاستنتاج الثاني بما هو سياسي، ويهم تصحيح العلاقة بين مؤسسات القرار السياسي وبين المؤسسة العلمية الشرعية، ويتجلى ذلك من خلال لجوء عدد من مؤسسات الدولة العمومية إلى المجلس العلمي الأعلى لاستفتائه في قضايا يفرضها تطور العصر، وكذا طلب رأيه في مشاريع قوانين جديدة والاتفاقيات الدولية، ويرتبط الاستنتاج الثالث بالبعد القانوني، ذلك أن العلاقة بين الفتوى والقانون كانت علاقة غامضة لكنها الآن أصبحت تتضح شيئا فشيئا، بل وتتكامل من خلال استعانة المؤسسات العمومية أثناء صياغة قوانينها بالمؤسسة العلمية. البعد الرابع والأخير هو البعد الإشعاعي المرتبط بالإشعاع الديني للدولة المغربية في الخارج، فإلى جانب مجمع الفقه الإسلامي ودار الافتاء المصرية ومجمع البحوث الإسلامية وغيرها من المؤسسات الإسلامية التي اكتسبت مصداقية في العالم الإسلامي، من خلال اجتهاداتها وتعاطيها مع جملة من الإشكالات العالمية التي تهم المسلمين في كافة أنحاء العالم، يمكن القول إضافة الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء، التابعة للمجلس العلمي الأعلى باعتبارها من المؤسسات المعتبرة في العالم الإسلامي بالنظر إلى اجتهاداتها، خاصة عندما بدأت مؤسسات وجهات خارج المغرب تلجأ إليها طلبا لفتاواها، أما البعد الخامس فهو المرتبط بالعلماء إذ إن تسارع وتيرة تطور العصر وظهور إشكالات جديدة ونوازل حديثة يطرح تحدي الموارد البشرية الكفأة التي تشتغل في هذا الحقل. لكن مع ذلك ما زال متتبعون يعتبرون أن اجتهادات الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء ما تزال محدودة ولم تواكب القضايا الحقيقية التي يفرضها الواقع المعاصر، خاصة وأنها لا تجتهد من تلقاء نفسها في النوازل المستجدة، وإنما تنتظر تلقي الأسئلة من جهات مختلفة ثم تجيب عليها في الوقت الذي ينبغي لها أن تكون صاحبة المبادرة بأن تصدر اجتهاداتها الخاصة في قضايا الشأن العام، ولا تبقى رهينة الأسئلة التي قد تأتي وقد لا تأتي، فيما اتفق مصدر من داخل المجلس العلمي الأعلى مع هذه الملاحظة، مشيرا إلى أنها محل نقاش بين أعضاء المجلس بعد أن استقرت وضعية الهيئة القانونية والإدارية وبدأت تنشر اجتهاداتها، وأضاف أن الهيئة تعتزم مستقبلا جرد عدد من القضايا التي استجدت في واقع المغاربة، والتي تحتاج إلى إجابة فقهية، ومن ثم دراستها في اللجن التابعة لها. كما يؤاخذ المتتبعون على الهيئة تأخرها وتريثها المبالغ فيه أحيانا قبل إصدار أجوبتها، وهو الأمر الذي لا تعتبره مصادر التجديد نقصا أو أمرا سلبيا، بل تعتبره إيجابيا ومحمودا؛ على اعتبار أن فقهاء المالكية عرفوا على مدار التاريخ بتريثهم قبل الإفتاء، وتضيف نفس المصادر، أن ميزة علماء المغرب أنهم يصدرون فتاوى مؤسسة ومبنية وتستمر فعاليتها على المدى البعيد.