لم يعد مقبولا المجازفة بالإفتاء عبر الصحف، وذلك بعد الرد الصارم الذي أصدره علماء المغرب تجاه الفتاوي التي تناقض حقوق الإنسان أو لاتراعي متغيرات العصر ، والصرامة نفسها التي أبانوا عنها فيما يتعلق باستيراد الفتاوي التي يحلمها البعص من المشرق لنشرها هنا في المغرب، العلماء المشاركون في ندوة «الفتوى بين الضوابط الشرعية والتحديات المعاصرة» التي نظمها المجلس العلمي الأعلى يومي السبت والأحد الماضيين بالرباط, أكدوا على ارتباط الفتوى بالواقع ومعاصرتها لزمانها ومكانها ، وذلك ما يقتضي «تحيينا مواكبا واجتهادا مضطردا في فقه تنزيل الأحكام الشرعية, بما يضمن توجيه حياة المجتمع وتأطير حركته ضمن ثوابت الشرع». وشدد العلماء في التقرير العام للندوة, على «ضرورة استيعاب الفتوى للأولويات واعتبارها للمآلات, في علاقتها بالواقع والمتغيرات أثناء التنزيل وبعده», واضطلاعها بمهمة الملائمة مع قضايا الشأن العام الكبرى في علاقتها بالاجتهاد. والفتوى من منظور علماء المغرب، لايجب أن تؤدي إلي التفرقة أو، التبعية، فعلى العكس من ذلك هي «وسيلة تحصين وصيانة لثوابت الأمة والدفاع عن وحدتها ولحمتها, وحماية قيمها من مظاهر الاستلاب العقدي والفكري» التقرير العام للندوة ذهب بعيدا في مضمونه المتنور ، وذلك حين نقل عن علماء المغرب دعوتهم إلى الاهتمام بفتاوى الجالية المغربية المقيمة بالخارج, وخصوصياتها في البلدان الأجنبية, وكذا بفتاوى الأسرة وقضايا المرأة ومشكلاتها المختلفة والتحديات التي تواجهها بما يحفظ لهذه النواة كيانها الذاتي ودورها في بناء المجتمع. ولأن للفتوى سلطة على جمهور المسلمين وقضايا الشأن العام، لايقبل أن تكون عملا فرديا متسرعا، وهذا ما جعل علماء المغرب يوكدون على أهمية الفتوى الجماعية «لما تتيحه من فرص التشاور والاستنارة بالتخصصات المختلفة ومن قوة وحجية الدليل والعمل المؤسسي المنظم والضابط لها عبر التاريخ». وهو ما جعلهم ينبهون إلى «مخاطر الإفتاء العام من خلال المنابر الإعلامية, الذي لا يراعي خصوصيات في الأعمال والأعراف والبلدان المختلفة». وقبل التقرير العام للندوة الذي شدد على شروط الفتوى ، كان محمد يسف الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلي وأحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية قد حسما في ارتباطها المؤسساتي بمؤسسة إمارة المؤمنين، وذلك حين أكدا في افتتاح أشغال الندوة، على أن لامجال للتطاول على الإفتاء من طرف «سماسرة العلم وأدعيائه» لأن إصدار الفتاوي اختصاص تحتكره هيئة الإفتاء بالمجلس العلمي الأعلى الذي يرزسه الملك بصفته أميرا للمؤمنين، أما ما يتعلق بمعاملات الناس وانشغالاتهم الدينية اليومية ، فهو اختصاص تمارسه لجان الإرشاد بالمجالس العلمية المحلية التي تشتغل تحت رئاسة المجلس العلمي الأعلى.