ووري الثرى بعد عصر يوم الإثنين 7 يونيو 2010 بمدينة طنجة، جثمان العلامة الفقيه الحسن الصديق، الذي وافته المنية يوم الأحد بالرباط عن سن يناهز 85 عاما، وقد جرت مراسم الجنازة في موكب مهيب تقدمه أفراد أسرة الفقيد وعدد من الشخصيات، على رأسهم الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى محمد يسف، ورؤساء المجالس العلمية المحلية بجهة طنجة تطوان، ومجموعة من علماء وأعلام مدينة طنجة. وبعث الملك محمد السادس برقية تعزية إلى أسرة الفقيد، معربا عن أحر التعازي، وأصدق مشاعر المواساة. ومما جاء في البرقية: وإننا لنستحضر، بكل تقدير، ما ساهم به الفقيد الكبير من إغناء الفضاء الديني ببلادنا، من تنوير وتوجيه وتعليم، بنشر العلوم الإسلامية، والتعريف بسماحة ديننا الحنيف ووسطيته، وترسيخ المذهب المالكي، والعقيدة الأشعرية، سواء كعضو بالمجلس العلمي الأعلى، أو كرئيس للمجلس العلمي المحلي بطنجة، أو كمرشد تربوي بإذاعة طنجة، أو كمدرس بزاوية والده وبمعهد الجامع الأعظم بهذه المدينة الأثيرة لدى جلالتنا، التي أنجبت فطاحل العلماء الأجلاء، والتي ستظل رمزا خالدا للنبوغ المغربي، وللتأصيل للهوية المغربية الإسلامية المتميزة باعتدالها. وأكدت البرقية الملكية أن الفقيد كان مفتيا متمكنا، ومرشدا واسع الأفق بالمعهد الإسلامي ببلجيكا، وفي غيره من المساجد بهولندا، على امتداد عقود من حياته الحافلة، التي توجها بالمشاركة في الدروس الحسنية، بين يدي والدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، أكرم الله مثواه، وبنيله، عن جدارة واستحقاق، لجائزة محمد السادس للدراسات الإسلامية، التي دأبنا على تسليمها للعلماء الكبار ببلادنا، ممن قدموا الأعمال العلمية الدينية الجليلة. وأبرز أن الراحل العزيز كان من العلماء البارزين في الأسرة الصديقية الموقرة، التي لها دور مرموق في خدمة السنة المشرفة، ونشر العلوم الشرعية، وتعزيز إشعاع المغرب الثقافي خارج المملكة. من جهته قال محمد يسف الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى في تصريح للصحافة أن المغرب فقد أحد كبار علمائه، مبرزا أن الفقيد كان رجلا مثاليا في سلوكه وعلمه، وكان رائدا كبيرا في المعرفة والثقافة الإسلامية بصفة عامة، ولاسيما في علم الحديث. وولد الفقيد رحمه الله تعالى بمدينة طنجة سنة 1345ه، وكانت البداية بزاوية والده، حيث تعلم المبادئ الأولية للقراءة والكتابة، وحفظ القرآن على يد الفقيه محمد المصوري رحمه الله، حيث قرأ عليه خمس ختمات باللوح. بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية شد الرحال إلى جامع القرويين، حيث تلقى العلوم على يد ثلة من العلماء هناك، وحصل فيها على ما يعادل شهادة العالمية، وفي فاس جلس إلى كبار شيوخها وعلمائها. وبالرغم من تفرغه للدعوة والإرشاد والإفتاء إلا أنه كانت له إسهامات جليلة في ميدان التأليف، ومن نشاطه رحمه الله أيضا تدريس العلوم الشرعية من وسائل ومقاصد في زاوية والده، وفي معهد الجامع الأعظم، وفي الجامع الجديد، ومسجد بنجلون، كما تولى مهمة الإفتاء بالتلفزة الوطنية بالمغرب في البرنامج المشهور ركن المفتي لعدة سنوات. لما تأسس المجلس العلمي الأول بطنجة عين عضواً فيه، واستمر فيه لعدة سنوات، كما عين عضوا بالمجلس العلمي الأعلى. المغرب إذ يحتفي بعلمائه.. تشكل برقية التعزية التي بعث بها الملك محمد السادس إلى أفراد أسرة الفقيه الكبير الشيخ الحسن بن الصديق الذي وافته المنية أمس الأحد بالرباط، وثيقة هامة في بيان الأهمية الحيوية التي يمثلها العلماء عموما في حياة الأمة المغربية ومناسبة للاحتفاء بدورهم ووظيفتهم الأساسية في استقرار المجتمعات. فالبرقية وإن كانت مناسبتها خاصة تهم تقديم العزاء في وفاة عالم من العلماء العظام في المغرب إلا أنها تحمل رسالة إلى الأمة جمعاء وإلى باقي العلماء وإلى القائمين على تخريج أجيال العلماء في المغرب خاصة. فالبرقية الملكية نوهت بالخدمات التي قدمها الشيخ الحسن بن الصديق لدينه ووطنه وأمته، تعليما وتوجيها وتدريسا وإفتاء، بصدق وكفاية، وفقه ودراية، في وفاء للبيعة الخالدة لأمير المؤمنين، وإخلاص للعرش العلوي المجيد، وتشبث بثوابت الأمة ومقدساتها. وهي رسالة توضح بجلاء الوظيفة الحيوية إلي يقوم بها العلماء في المغرب، والتي تجعلهم في مقدمة العاملين على مشاريع التنمية في الوطن وعلى رأس المحافظين على دينه واستقراره وتقدمه. وتفصيلا لوظيفة العلماء المقدسة في الأمة تؤكد البرقية على مجموعة من المهام من باب ما ساهم به الفقيد الكبير من إغناء الفضاء الديني ببلادنا، من تنوير وتوجيه وتعليم، بنشر العلوم الإسلامية، والتعريف بسماحة ديننا الحنيف ووسطيته، وترسيخ المذهب المالكي، والعقيدة الأشعرية. وهي مهام، وإن كانت ضمن الرسالة التاريخية لعلماء المغرب على مر العصور، إلا أنها تسلط الضوء على جوانب أساسية من تلك الوظيفة وتضعها في قلب الحراك الاجتماعي الذي ينشد التقدم والازدهار والاستقرار في مختلف مناحي الحياة. وتطرح وفاة العلامة الحسن بن الصديق رحمه الله سؤال تحدي إغناء الموارد البشرية للأمة من أمثاله في خضم التحديات القيمية المختلفة التي يعيش على إيقاعها وطننا الحبيب، وتستهدف هويته وأمنه الروحي والقيمي، سواء تعلق الأمر بتحديات التنصير أو التشيع أو غزو قيم الابتذال بكل تلاوينها وكثرة مروجيها. لقد أبرزت برقية أمير المؤمنين جوانب من تكوين العلامة الفقيد تؤشر على نوع التحديات التي تواجه الأمة اليوم، وجاء في البرقية الملكية أنه كان، مفتيا متمكنا، ومرشدا واسع الأفق. وبالرجوع إلى سيرة العالم الفقيد الحافلة بالمؤلفات العلمية والأنشطة والانتاجات الدعوية والاجتهادية ندرك طبيعة التحديات التي تواجه الأمة المغربية في إنتاج أمثال الفقيد لاستمرار رسالة العلماء. وهذه الملاحظة المهمة تمليها حالة المؤسسات التي عهد إليها في المغرب تخريج العلماء. فهل تنتج هذه المؤسسات كفاية المجتمع من عملة العلماء الصعبة، كما وكيفا؟