عنوان هذه الافتتاحية مأخوذ من نص البيان الهام حول التفجيرات الإرهابية ل 16 ماي ,2003 والذي صدر عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إذ لم يؤد انشغالها بالمؤتمر التاسع المقرر انطلاقه أمس الخميس وكذا نقاشها الداخلي الحاد حول قضايا العلمانية والوحدة الترابية والشذوذ الجنسي إلى إغفال إصدار بيان يقدم وجهة نظر مختلفة في وقت هيمنة فيه المقاربة الأمنية، والتي بالرغم من أهميتها إلا أن اختزال مكافحة خطر الإرهاب فيها سيبقى مقتصرا على معالجة الإفرازات لا مواجهة الجذور والأسباب. قيمة مضامين البيان وتوقيته فرضت تخصيص هذه الافتتاحية له، بالرغم من الاختلاف الجزئي معه في إحدى نقطه المتعلقة بالدين والسياسة، والتي تقتضي إدارة حوار عميق لاستعاب الاختلاف القائم بصددها. بعد تجديد الجمعية لتنديدها بالإرهاب، توقفت وبشكل مطول عند ثلاث قضايا تكتسب راهنية كبيرة، الأولى تهم التأكيد على المعالجة وفق المنظور الحقوقي السليم لملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان منذ الاستقلال إلى الآن، بما فيها الانتهاكات التي عرفتها بلادنا بعد أحداث 16 ماي ,2003 وهو ما يتطلب بالخصوص إطلاق سراح أو إعادة محاكمة معتقلي ما يسمى بالسلفية الجهادية الذين أدينوا في إطار المحاكمات غير العادلة، والثانية استنكار كل التجاوزات والانتهاكات وكل الإجراءات التعسفية التي ترتكب تحت ذريعة محاربة الإرهاب، والتي تتجلى في الاختطافات بالمركز السري بتمارة، والتعذيب والمحاكمات غير العادلة، والتي لم تتوقف؛ إلى يومنا هذا، أما القضية الثالثة، والتي أخذ منها عنوان الافتتاحية، حيث طالبت باتخاذ مواقف واضحة من طرف الدولة لمواجهة العدوان الإمبريالي وإرهاب الدولة الأمريكي الإسرائيلي ضد الشعوب خاصة في فلسطين والعراق وأفغانستان، وللتضامن معها في مواجهتها للاحتلال، والابتعاد عن الانحياز للإدارة الأمريكية، وعن التطبيع مع إسرائيل ومع الصهيونية العالمية والسعي إلى إنهاء كل بؤر التوتر بما يخدم السلم وحق الشعوب في تقرير مصيرها، باعتبار أن عدم تحقيق العدل بشأنها يجعل مصير البشرية والشعوب على بوابة بركان، مع التشديد على التمييز بين الإرهاب كجريمة ضد الإنسان وبين المقاومة المشروعة للشعوب ضد القهر و الاحتلال وأن الحصانة الحقيقية ضد الإرهاب ببلادنا تكمن في سيادة الديمقراطية وحقوق الإنسان. دعوة الجمعية لمعالجة الأسباب العميقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تقتضي الانخراط في تفكير وحوار عميقين معها حول قضية العلاقة بين الدين والسياسة وأثر ذلك على هذا الملف، خاصة في ظل الحاجة المتنامية إلى مقاربة دينية لمعالجة النزعات التكفيرية والعنفية، وتعمل على ضرورة الحوار والتفاعل مع المراجعات الفكرية والفقيهة وتعزيز دور العلماء بما يحق إشاعة توجه وسطي ومعتدل، مما أثبت فعاليته في عدد من التجارب. قيمة الموقف الصادر عن الجمعية يحول دون أن ينزلق أحد وبجرة قلم لاتهامها بتشجيع الإرهاب كما يفعل البعض هذه الأيام، ويكشف عن وجود عقل لا تدفعه الاختلافات الحادة إلى الدفاع عن احترام حق المخالف في الوجود والكرامة.