كثير من مجالسنا الخاصة والعامة يطغى عليها هذه الأيام الحديث عن مشاكل المجتمع المغربي اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ودينياً، وذلك في اتجاه لوم الآخر، حكومة ومؤسسات وأحزابا، وتحميله المسؤولية فيها، وتبرئة النفس بالمقابل وتصويرها بأنها مظلومة ومقهورة في ما يجري. وترى الناس إلا من رحم ربي يمالئ بعضهم بعضاً في الاستغراق في خطاب المظلومية ورسم صورة سوداوية عن الواقع المعيش والمسؤولين ومؤسسات البلاد. لا أريد بهذا القول أن أصادر حق أي مغربي أو مغربية في رؤية ما يحدث في المغرب رؤية نقدية، أو التظلم عند الشعور بالحيف والقهر لأن المولى عز وجل يقول: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم)، بيد أني أرى من الأخطاء المنهجية في التفكير والتحليل والممارسة التركيز والارتهان إلى جانب واحد وزاوية واحدة للوصول إلى حقيقة الأمور، وهكذا فإن غلبة خطاب المظلومية والسوداوية تجاه المجتمع والدولة والواقع تجعل المرء حبيس دائرة محدودة تحرمه من رؤية ما سواها وأخذه بعين الاعتبار. وإذا أنت أردت تلخيص شكوى كثير من المغاربة إن لم أقل أغلبهم فهي أنهم غير راضين عن الواقع، فهم غير راضين عن غلاء المعيشة وضعف الأجور، وغير راضين عن عمل الحكومة والأحزاب والبرلمان، وغير راضين عن رداءة الخدمات في المستشفيات والإدارة والمحاكم وعن وعن... قد يكون كل ما سبق صحيحاً ولو بشكل نسبي، إلا أن الخطأ هو في النظر إلى الجزء الفارغ من الكأس فقط، وتجاهل جزئه الممتلئ بالماء، حتى ولو كان لا يتعدى 10 % أو دون ذلك، إن من شأن هذه الطريقة في التفكير والتقييم أن تسقط المرء في حالة من انعدام التوازن النفسي والفكري تدفعه بفعل توالي المظالم في حقه أو في حق غيره إلى أن يصبح تحركه في هذه الحياة الدنيا محكوماً بنفس وخطاب المظلومية. فما العمل إذن إزاء هذه الحلقة المفرغة التي قد يسقط فيها أي فرد منا تحت وطأة الظروف التي يعيشها؟ أعتقد اعتقاداً جازماً أن المخرج من ذلك هو تمثل قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً)، والاحتكام قولاً وفعلاً إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء في محكم تنزيله عز وجل: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)، ومن العدل أن نقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت، لا أن يظل كلامنا منصباً على لوم المسيء وننسى أو نتناسى جوانب الإحسان والخير في المجتمع والأفراد والمؤسسات. محمد بنكاسم