عمي قرر قبل سنوات قليلة من وفاته كتابة ثروته باسم بناته الثلاث وزوجته. وأكبر بناته كانت تبلغ حين وفاته 18 سنة، وأصغرهما تبلغ 12 سنة، لكن بعد وفاته بشهر اكتشفت زوجته أنها حامل، فماذا يترتب على هذا الوضع الجديد، هل يلغى ما فعله قيد حياته من استملاك بناته وزوجته كل ممتلكاته؟ أم يتغير الوضع ويتم إعادة توزيع التركة حسب جنس المولود الجديد؟ يتعرض موضوع الوصية للاستهتار والتفريط، أو الإفراط والتعدي. وحتى لا يقع الاستهتار بها قدمها الله تعالى في الذكر على حق الورثة فقال:مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصي بِهَا أَوْ دَيْنٍ(النساء:11). وحتى لا تكون سبيلا لحرمان أصحاب الحقوق المنصوصة. والقصد من الوصية نفع الميت ببعض الأجر الذي هو في أمس الحاجة إليها في لحظات إقباله على الآخرة، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم. فلا ينبغي أن يحوِّل البعض القصد الشرعي وسيلة للاستهتار والإفراط. ومن جهة ثانية: سواء تم اكتشاف الحمل أو لم يكتشف فمثل هذه الوصية باطلة، فعن ابن خارجة أنه ذكر أنه شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على راحلته وأنها لتقصع بجرتها وإن لعابها ليسيل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته: إن الله قد قسم لكل إنسان قسمه من الميراث، فلا تجوز لوارث وصية. ويعد الإضرار في الوصية عند العلماء من الكبائر لقوله تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ(النساء:21). وعلى كل مسلم حضر هذا الأمر أن يقول للموصي: اتق الله، ولا توصي بمالك كله، وهو أمر الله تعالى: فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه(البقرة:281). ولهذا يروى عنه عليه الصلاة والسلام: الإضرار في الوصية من الكبائر. فمن كان لهم سهم في الميراث بالفرض أو بالتعصيب، فلا حق له في الوصية، حتى لا يستحوذ على كل الثروة بأن يرث من جهتين، ويترك باقي الورثة من غير شيء. فإنه ليس أحق بما تركه الهالك من الآخرين. فكل وارث إما أن يرتبط بالهالك بالزوجية أو البنوة أو الأبوة أو الأخوة أو العمومة، وليس أحدهم بأولى من الآخرين من حيث الانتساب إلى الميت. والطمع فقر والقسمة إلهية: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا(النساء:11). ومن ثمة، فالوصية عند العلماء لها شرطان أساسيان لقبولها: أن لا تكون لوارث. وأن لا تتعدى الثلث. فإن تجاوزته أو كانت لوارث توقفت إجازتها على قبول الورثة بهذه الوصية أو رفضها، فإن قبلوا أو رفضوا، فإنما هو حقهم يتصرفون فيه منعا أو عطاء. والشرطان المقيدان للوصية هو المذكور في الحديث النبوي الشريف: لا وصية لوارث، إلا أن يجيز الورثة. ويظهر من هذا السلوك الذي يلجأ إليه الكثيرون غالبا هو حرمان بعض الأشخاص من حقهم، وهذا عمل غير مقبول شرعا ولا عقلا، ويدخل عند أهل العلم في باب الإضرار بالورثة بإبطال حقهم الذي فرضه الله تعالى لهم. وقد أخذت مدونة الأسرة في المادة277 و303 بعدم اعتبار هذه الوصية إن كانت أكثر من الثلث أو لوارث ولم تقع إجازتها، ففي المادة303إذا أجاز الورثة وصية لوارث أو بأكثر من الثلث، بعد موت الموصي أو في مرضه المخوف المتصل بموته، أو استأذنهم فيه فأذنوه، لزم ذلك لمن كان كامل الأهلية منهم. وعليه: يلغى كل ما فعله الهالك من الوصية إن لم يجزها الوارث إن كان وحده الذي هو محل الإشكال والفتوى. وسيتغير توزيع التركة بشكل عادل حسب جنس المولود الجديد.