سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
خالد الصمدي، رئيس مركز الدراسات والإبحاث التربوية، ل"التجديد": حالة جامعة القرويين غير مفهومة وإصلاحها لن يكون إلا بيد أهلها والغيورين من أبناء هذا الوطن
لا زالت جامعة القرويين بدون رئيس منذ 10 سنوات، التي هي عشرية إصلاح التربية والتكوين، مما يطرح سؤالا عريضا حول مصير هذه الجامعة، التي باتت تعاني من التهميش في دورها وووظيفتها، في هذا الحوار مع الدكتور خالد الصمدي، أستاذ التعليم العالي وخبير في السياسة التعليمية، نحاول الوقوف عند موقع جامعة القرويين في السياسة الرسمية، ومستقبلها في ضوء التحولات التي يعيشها المغرب سياسيا واجتماعيا وقيميا. وفيما يلي نص الحوار: منذ عشر سنوات، لا زالت جامعة القرويين بدون رئيس، كما أن مشاكل عويصة تواجه كليتي الشريعة بفاس وأكادير، ماذا يعكس مثل هذا الوضع بالنسبة لجامعة ذي ثقل تاريخي وديني بالنسبة للمغرب؟ مما لاشك فيه أن جامعة القرويين لها خصوصياتها الحضارية والتاريخية والدينية، وكنا ننتظر بعد انطلاق الإصلاح الجامعي أن تكون هذه الجامعة قاطرة للتنمية البشرية وخاصة في سياق إعادة هيكلة الحقل الديني، وذلك بتخريج العلماء الذين يتوفرون على مؤهلات علمية وتواصلية قادرة على الإجابة عن حاجيات العصر، ثم الاستمرار في أداء الدور الريادي على مستوى الإنتاج المعرفي الإسلامي وخدمة التراث في مجال البحث العلمي، ثم الإسهام في ترسيخ حوار الأديان والحضارات بمنطق رشيد يرسخ الدور التاريخي للمغرب في هذا المجال. إلا أن هذا التصور الذي كان من المتوقع أن يشرع في تنفيذه في سياق الإصلاح الجامعي منذ انطلاقته في بداية الألفية الثالثة وفقا للقانون الإطار 00/01 لم يفعل على أرض الواقع مما طرح العديد من الأسئلة حول مصير ومسار هذه الجامعة العريقة، وما يطفو على الساحة من مشاكل بيداغوجية وإدارية ليست في تقديرنا إلا انعكاسا طبيعيا لوضعية الانتظار الطويل الذي تعيشه الجامعة ، فما يقع في جامعة القرويين سواء ما خرج منه إلى العلن (حالة كلية الشريعة بفاس) أو ما لم يخرج إلى العلن حالة باقي الكليات التابعة للجامعة ليست مشاكل تدبيرية من نوع ما يقع عادة في العديد من المؤسسات الجامعية ولكنه انعكاس طبيعي لوضعية عامة غير مبررة ولا مفهومة من طرف المتتبعين لواقع الإصلاح الجامعي عموما ولموقع هذه الجامعة من الإصلاح على وجه الخصوص ، وهذا يجعل العديد من المتتبعين للملف يقرون أن الحل لا يمكن إن يكون إلا في إطار شمولي يطرح الأسئلة الكبرى المتعلقة بوضعية الجامعة ومستقبلها . ويستحضر الدور التاريخي العريق لهذه الجامعة والانتظارات الكبرى المستقبلية للمغرب وللعالم الإسلامي منها. هناك غموض في الوضعية القانونية لجامعة القرويين، تفتح المجال أمام الادعاء بأن القرويين هي خارج منظومة وزارة التعليم العالي، وهو ما يفسر السعي نحو استثناءها من كل الأوراش الإصلاحية التي تشهدها الجامعة المغربية، ما رأيكم؟ لم يستثن من تطبيق القانون الإطار 00/01 المتعلق بإصلاح التعليم العالي إلا ما نص عليه القانون من مؤسسات ، وقد ورد في المادة 99 من القانون الإطار 0100 ما يلي : لا تطبق أحكام هذا القانون على جامعة الأخوين والمؤسسات العسكرية للتكوين العالي ومؤسسات التكوين المهني التي تظل خاضعة للقوانين التي تنظمها . وهذا يعني أن القانون الإطار السالف الذكر ينطبق على جامعة القرويين، إلا أن الغموض يكتنف عملية التنزيل، وتتجلى أهم مظاهر هذا الغموض في كون جامعة القرويين تعتبر الجامعة الوحيدة على الصعيد الوطني التي لم يعين رئسها منذ انطلاق الإصلاح الجامعي، علما بأن باقي الجامعات عرفت ولايتين اثنتين لرؤسائها، وعلما بأن المادة 18 من القانون الإطار 0100 تنص على مايلي: يسير الجامعة لرئيس لمدة أربع سنوات يختار بعد إعلان مفتوح للترشيحات من بين المترشحين الذين يقدمون مشروعا خاصا لتطوير الجامعة، وتدرس هذه الترشيحات من لدن لجنة تعينها السلطة الحكومية الوصية، التي توافيه اللجنة بثلاثة ترشيحات تخضع للمسطرة المعمول بها فيما يتعلق بالتعيين في المناصب العليا. وقد تم هذا الأمر بالنسبة لجامعة القرويين وقدمت الترشيحات إلا أنه لم يعلن عن نتائجها لحد الآن، وقل مثل ذلك في الكليات التابعة للجامعة إذ لا زالت تسير بالعمداء السابقين للإصلاح الجامعي أو من طرف عمداء بالنيابة ومنهم من جاوز سن التقاعد ، كل ذلك ينعكس سلبا على الوضعية البيداغوجية والإدارية ووضعية البحث العلمي بهذه الجامعة وتتمثل أهم النعكاسات السلبية التي ظهرت بشكل ملفت على وضعية المؤسسات التابعة لهذه الجامعة في العشر سنوات الأخيرة في : ضعف الموارد البشرية وخاصة على مستوى تشبيب الأطر ، بالإضافة إلى ضعف الموارد المادية مقارنة مع الجامعات الأخرى نظرا لغياب مداخيل ذاتية للجامعة والتي تحصل عليها الجامعات عادة عن طريق اتفاقيات الشراكة والتعاون والإجازات المهنية والتكوين المستمر ، مما يحرم الجامعة من مداخيل إضافية تمكنها من القيام بمهامها في البحث والتكوين على أكمل وجه . تراجع كبير في الأنشطة والندوات العلمية نظرا لقلة الإمكانات المادية وضعف الفاعلية لدى العديد من الأساتذة إما بفعل عامل السن ، أو بفعل عامل الانشغال في أوراش الحقل الديني ( مجالس علمية / عضوية الرابطة / التأطير الديني بالخارج ...) في غياب شراكة واضحة بين وزارتي التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية . تناقص حاد في أعداد الطلبة في مسالك الإجازة مما اضطرها إلى فتح أبوابها في وجه الموظفين .وخاصة بعد التأخر في الترخيص بفتح تكوينات الماستر في بعض كليات الجامعة . ضعف هيكلة البحث العلمي سواء على مستوى فرق ومختبرات ومراكز البحث وفق التنظيم الجديد للبحث العلمي الجامعي ، أو على مستوى مشاريع البحث المندمجة مع المحيط الوطني والدولي. عرفت كلية الشريعة بفاس صراعا بين العميد والأساتذة انتهى بإقالة العميد، ودعوات إلى إيفاد لجنة للتحقيق في اختلالات، في حين تعيش كلية الشريعة بأكادير بدون عميد منذ سنوات أيضا، هل هذا الوضع المتردي مقصود ضد هاته الكليات؟ سبق أن ذكرت أن هذه التمظهرات الجزئية ليست إلا انعكاسا لأزمة كلية تعيشها الجامعة وأعتقد أن ما أقدمت عليه الوزارة مؤخرا من إجراءات ليست إلا حلولا جزئية لوضعية ظرفية قد تزيل بعض الاحتقان في حالة عدم تعارض قرارات الأستاذ المكلف بالتدبير المؤقت للشأن البيداغوجي والإداري للكلية مع الصلاحيات التي يخولها القانون لرئيس الجامعة بالنيابة في غياب رئيس الجامعة ، اللهم إلا إذا استعملت الوزارة سلطتها التي تخولها لها المادة 13 من القانون الإطار 00/01 والمتعلقة بتدخلها المباشر لتدبير حالة الاستثناء بأي مؤسسة جامعة دون المرور عبر هياكلها ، وهو ما ستكشف عنه الأيام القليلة القادمة حينما سيشرع الأستاذ المكلف بمهمة في مباشرة التدبير الإداري والبيداغوجي. من هو المستفيد من تهميش القرويين في مغرب اليوم وإقصائها عن القيام بدورها الديني والحضاري؟ لا يمكن في هذه الوضعية أن نتحدث عن المستفيد إذ لا يعقل بداهة أن يكون هناك مستفيد إلا من لا غيرة له على الوطن، بل ينبغي أن نتحدث عن الخاسر وهو الوطن برمته، وذلك بحرمانه من الاستفادة من الدور الريادي الذي يمكن أن تضطلع به هذه الجامعة محليا وإقليميا ودوليا، بالإضافة إلى الخمول التدريجي لإشعاع هذه الجامعة العلمي والثقافي ورصيدها الحضاري وهو ما لا يرغب فيه أحد ، في وقت تدعو فيه كل الخطابات الرسمية إلى ضرورة إبراز الخصوصية الحضارية التي يتمتع بها المغرب في اندماج تام مع محيطه الإسلامي والدولي . كيف تتوقع أن يكون مستقبل القرويين بناء على وضعيتها الحالية؟ إن هذه الجامعة في تقديري ليست في حاجة إلى قرارات ظرفية لتدبير الأزمة القائمة بل هي في حاجة إلى استراتيجية جديدة مندمجة من أجل تفعيل دورها في تدبير الشأن الديني واستئناف الدور الحضاري للمغرب تجاه أوروبا وإفريقيا والعالم الإسلامي كما كان شأنها عبر التاريخ وتتحدد الخطوط العريضة لهذه الاستراتيجية في تقديرنا في الخطوط العريضة الآتية : التحديد الدقيق لأهداف الجامعة ورسالتها وتوجهاتها وتحديد مسار دقيق لها في ضوء حاجة العصر حتى توضع قاطرتها على السكة في سياق المشروع المجتمعي المغربي الحديث . تفعيل مقتضيات القانون الإطار 00/01 في كل هياكل الجامعة سواء تعلق الأمر بالتدبير الإداري ( مجلس الجامعة / مجالس الكليات / اللجان العلمية / البحث العلمي ) مع مراعاة خصوصيات هذه الجامعة على مستوى التدبير داخل هذه المجالس والهياكل. تجديد العدة التربوية والعلمية للجامعة بتمكينها من الموارد البشرية المؤهلة لحمل رسالتها العلمية والحضارية بمقومات ومؤهلات العصر ، من أجل دعم انفتاحها على محيطها الوطني والدولي . تمكين الأساتذة من حرية اقتراح وتطوير مسالك التكوين سواء على مستوى الإجازة أو الماستر أو التكوين المستمر بما يحقق رسالة الجامعة ويضمن انفتاحها على أكبر عدد من الطلبة ، وكذا الراغبين في التكوين المستمر من الأطر المنتمية إلى باقي القطاعات . أو دعم الشراكة مع القطاعات الحكومية وغير الحكومية ذات الصلة برسالة هذه الجامعة . إعادة هيكلة البحث العلمي بالجامعة سواء على مستوى فرق البحث أو المختبرات أو مراكز البحث العلمي وتمكينها من الموارد المالية التي يمكنها من القيام بمهامها هذه وغيرها مقترحات عملية من شأنها أن تخرج الجامعة من وضعية الانتظار الطويل التي تعيشها شريطة أن تتحمل الوزارة الوصية والأطر العاملة في هذه الجامعة مسؤوليتها كل في إطار اختصاصه وفي إطار ما ينص عليه القانون ، والدوائر العليا التي يشار إليها بالبنان كلما أثير الحديث عن جامعة القرويين لا يمكن إلا أن تبارك إصلاحا يخرج الجامعة من وضعية الارتباك التي لا تشرف أحدا ، ولا يمكن أن يقوم هذا الإصلاح إلا بيد أهلها والغيورين من أبناء هذا الوطن.