ليست السياسة وحدها من باستطاعتها أن تهون من مصاب المقدسيين وأن تفك الحصار على الغزاويين، وإن كان واقع الحال ومضمون المقال يشي بكون هذه السياسة لم تفعل حتى الآن ما هو منتظر منها. ليست السياسة وحدها من يتوجب أن تخوض معركة الدفاع عن المقدسات بل إن الرأسمال العربي الرسمي منه وغير الرسمي قد يكون بمقدوره أن يدعم صمود الشعب الفلسطيني في وجه سياسة التهويد الواسعة لإسرائيل، على قاعدة إطلاق مشاريع تنموية واقتصادية تتبانها الدول وينخرط في تفعيلها رجال الأعمال والمنظمات الإنسانية والإغاثية. برامج تنموية تتغيا توفير فرص العمل للمقدسيين وتحسين مستوى معيشتهم حتى لا يضطروا تحت طائل الفقر وقلة الحيلة إلى مغادرة الأراضي المقدسة، كما يخطط لذلك المحتل. فمن تحسنت معيشته طاب مقامه ومن ساءت أحواله غادر بيته وعريشه. واحد من العلماء الفلسطينيين الذين التقينا بهم في الدوحة على هامش إحدى المهرجانات الحاشدة لدعم فلسطين قبل أيام قدر حاجة أهل المقدس لما يربو عن 150 مليون دولار في الشهر لتدبير معيشهم اليومي، وإعادة تشييد البنية التحتية التي هدمها المحتل، ومواجهة صلف الضرائب والغرامات التي يطوقهم بها العدو المحتل لإرغامهم على هجرة بيوتهم، حتى يتمكن هو من اقتحام الأقصى وتغيير معالم الأرض المقدسة ، ويقترح هذا القيادي أن يسهم كل مسلم عبر العالم بدولار واحد في الشهر لنتمكن من جمع 5,1 مليار دولار شهريا. ليس ذلك بالعسير على أهل الإسلام إن توفرت إرادة الإنفاق لدى الأفراد وأصحاب رؤوس الأموال، ووجدت هذه الأموال من القادة العرب من يجد لها إطارا قانونيا نزيها يسمح بإيصالها إلى مستحقيها، فليست العبرة بالإنفاق وحده، وكم أنفق المسلمون، لكن العبرة بالخواتم كما يقولون. أتسأل ومعي الكثير من المسلمين لماذا يسند الاقتصاد السياسة عند أهل الغرب و الأمريكان تحديدا؟ لماذا يتظافر جهد رجال الأعمال مع القادة السياسيين هناك لدعم المشروع الصهيوني المزعوم، بينما عندنا نحن العرب كل يغني على ليلاه، فلا القادة نجحوا ولا أصحاب الملايين أصلحوا. ما من صهيوني عبر العالم إلا وينفق عشرات بل مئات الدولارات يوميا، ناهيك عما يقدمه رجال أعمالهم، كل ذلك بغرض دعم اقتصاد العدو حتى أضحى من بين أقوى الاقتصادات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بناتج محلي إجمالي بلغ 200مليار دولار بتقديرات سنة 2008 ، بينما عز علينا نحن العرب و المسلمون أن نفعل مثلهم فصار اقتصاد فلسطين الأهون في المنطقة بنتائج محلي يقارب5 مليار دولار. المأسف أيضا أن بعضا من المطبعين من بني جلدتنا لا يدخرون جهدا في دعم اقتصاد إسرائيل من خلال نافذة السياحة أو الزراعة أو الصناعة أو التجارة الخارجية. قد يقول المستثمر العربي ورجل الأعمال المسلم كيف لنا أن نستثمر في بيئة غير آمنة؟ وكيف لنا أن ندخل وجميع المعابر إلى فلسطينن موصدة؟ نقول له لن تعدم الوسيلة أبدا إن توفرت إرادة الدعم وإن غُلِقت الأبواب( بتشديد اللام)، فهناك ألف حل وحيلة.. وهل تعترف الشبكة العنكبوتية ( الإنترنيت) بسلطة الجدار العازل أيا كان وحيثما وجد فوق الأرض أو تحتها؟ لماذا لا نسخر التكنولوجيا الحديثة في توفير فرص شغل لأهل المقدس و قطاع غزة وكل الفلسطييين من خلال أعمال المناولة في القطاع الإعلامي والترجمة و السكرتارية وتحرير الرسائل والمضاربات المالية والتجارة الإلكترونية وغيرها من أوجه الاستثمار عن بعد. ويكفي هنا أن نشير إلى أن حجم التجارة الإلكترونية بالعالم تقدر ب3 تريليون دولار، منها 100 مليار دولار بمنطقة الخليج. مقولة رأس المال جبان نظريا صحيحة لكن بإمكاننا أن نستحيلها إلى رأسمال ذكي وشجاع إن كان من يديره صاحب إرادة وعزيمة لنصرة قضايا الأمة.