راحت حملة حزب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي (الاتحاد من أجل حركة شعبية) بخصوص الهوية الوطنية والهجرة أدراج الرياح، ولم تحقق المكاسب الانتخابية المرجوة، وتلقى الحزب صفعة كبيرة بفوز غريمه الحزب الاشتراكي في الجولة الأولى من الانتخابات الإقليمية. فمن جهة لم تتوجه شريحة من أنصار حزب ساركوزي لصناديق الاقتراع ومن جهة ثانية انقلب السحر على الساحر، بحيث ركب الحزب الحاكم موجة الخوف على الهوية الوطنية والخطاب المشكّك في ولاء المهاجرين لسحب البساط من اليمين المتطرف وتحديداً من الجبهة الوطنية لجون ماري لوبان، لكن الذي حصل أن هذا الأخير حقق تقدما واضحا، رغم أنه رفع شعارا وملصقا مستفزا لمشاعر الجالية المسلمة يحمل صورة امرأة منقبة إلى جانب خريطة فرنسا مغطاة بالعلم الجزائري وعليها مآذن على شكل صواريخ، وهو الملصق الذي قال عنه القضاء إنه يشكل بلبلة للنظام العام ومخالفة واضحة للقانون. وأكثر من ذلك شاركت في الانتخابات قوائم انتخابية أخرى يمينية متطرفة من قبيل القائمة الكونتية، لا للمآذن بالمحافظة الإدارية لمنطقة فرانش كونتيه شرق فرنسا، رغبة منها لتحويل انتخابات محلية لاستفتاء ضد المآذن، والأمر نفسه حصل بمنطقة لوران شرق فرنسا، حيث قدمت قائمة أخرى بنفس الشعار لا للمآذن تابعة للحركة الوطنية الجمهورية. ويبدو أن حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية عوقب في الانتخابات المذكورة على كثير من اختياراته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وبغض النظر عن تقليل زعيم الحزب والرئيس الفرنسي ساركوزي من آثار هذا التصويت على أداء حكومته واستراتيجيتها، فإن عدداً من المتابعين يعتقدون أن تصويت الجولة الأولى من الانتخابات الإقليمية كانت بمثابة استفتاء على أدائه وأداء حكومته في الفترة السابقة، وفي حال مواصلة اليسار وحزب الخضر انتصاراتهم في الجولة الثانية الأحد المقبل، فإن ذلك سيطرح تحديات كبيرة على ساركوزي في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وكشفت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الإقليمية أو الجهوية بوضوح أن لعب اليمين الفرنسي على ورقة المهاجرين والتخويف منهم وقضية الهوية والسعي بشكل من الأشكال للتضييق على الجالية المسلمة (حوالي 6 ملايين من أصل 62 مليون نسمة من سكان فرنسا) لم يعد يجدي في الحملات الانتخابية ولم يعد صالحا كورقة سياسية، بل على العكس من ذلك منح لليسار ولحزب أنصار البيئة قوة ورصيدا انتخابيا مهما، فضلا عن منح اليمين المتطرف كما سلفت الإشارة جرعة من الحياة في الوقت الذي قيل إنه انتهى أو يكاد. وظهر بشكل واضح أن اليسار الفرنسي بشكل عام ظل منسجماً في مواقفه من المهاجرين والجالية المسلمة ولم يغيرها، الأمر الذي جعله يكتسب أصواتهم، وفي هذا السياق كانت زعيمة الحزب الاشتراكي مارتين أوبري وعدت قبل الأحد الماضي بعملية تنظيم واسعة للمهاجرين، الذين لا يحملون وثائق ثبوتية، وسبق لها أن انتقدت طرح الرئيس ساركوزي نقاش الهوية الوطنية قائلة الرئيس جلب العار لفرنسا عبر طرحه تعارضاً بين الهوية الوطنية والهجرة. وليست هذه المرة الأولى التي ينتقد فيها اليسار ولا الخضر مواقف اليمين عموما من المهاجرين والجالية المسلمة، فقد سبق لحزب الخضر قبل الانتخابات الإقليمية لسنة 2004 أن انتقد الحملة على الحجاب الإسلامي والنقاش حول منع الرموز الدينية في المدارس يومها، وكان واضحا في انتقاده لخطاب جاك شيراك الذي دعا فيه يوم 17/12/2003 لسن قانون يمنع تلك الرموز، معتبراً ذلك إهانة للمسلمين دون سواهم، وأنه قانون استثنائي يعقّد المسائل ولا يحلها. وها هو حزب الخضر اليوم ثالث قوة سياسية في فرنسا، فضلا عن التقدم الذي حققه في الانتخابات الأوروبية سنة .2009 قد يراهن حزب ساركوزي لإنقاذ ماء الوجه على مراجعة الذين تخاصموا مع صناديق الاقتراع الأحد الماضي لموقفهم (%53 من الناخبين المسجلين)، لكن ذلك لن يحقق في الغالب طموح الحزب، ويبدو رهانا ضعيفا خاصة بعدما استطاعت ثلاثة أحزاب (الحزب الاشتراكي والخضر أنصار البيئة واليسار الراديكالي) صباح أمس التوصل لاتفاق يقضي بالتقدم للجولة الثانية من الانتخابات الإقليمية الأحد المقبل بلوائح موحدة في 19 إقليما من أصل 22 في فرنسا، وهو الأمر الذي سيضيق بلا شك الخناق على الحزب الحاكم، وربما يحد من آمال ساركوزي في ولاية رئاسية ثانية. قد يعتقد البعض أن هذه انتخابات جهوية أو إقليمية لا يمكن أن تحمّل أكثر مما تحتمل وتركز على الشأن المحلي، وليس لها أبعاد سياسية كما قال ساركوزي نفسه، لكن المؤكد أنها كشفت غضبا فرنسيا وخيبة أمل في أداء الحزب المذكور وسياسته. ا